دعوات في الهند لتبني الحكومة نظاما ماليا إسلاميا

خبراء ينادون بإنشاء صندوق عربي هندي للمشاريع التجارية

مقر سوق المال الهندية («الشرق الاوسط»)
TT

دعا مؤتمر اقتصادي دولي عقد بحضور خبراء في الاقتصاد ومستثمرين ومستشارين وأكاديميين، الحكومة الهندية لتبني النظام المالي الإسلامي، وإنشاء صندوق هندي عربي للمشروعات التجارية.

وفي القمة الاقتصادية الهندية العربية، التي عقدت أخيرا على مدار يومين في دلهي، دعا علماء وخبراء بارزون من الدول العربية إلى تطبيق نظام المصرفية الإسلامية في الهند.

وأشار الدكتور عبد العظيم إصلاحي، الباحث بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز السعودية، أثناء كلمته في القمة، إلى أن بعض الأبحاث الأولية حول المصرفية الإسلامية قام بها علماء من الجامعة العثمانية الهندية في حيدر آباد وجامعة الله آباد في أتر براديش.

وقام منتدى التعاون الاقتصادي الهندي العربي ومعهد الدراسات الموضوعية، بتنظيم هذا المؤتمر الهندي العربي، في الثالث والرابع من شهر فبراير (شباط) الجاري، في المركز الثقافي الإسلامي الهندي بنيودلهي، تحت عنوان «ما وراء الانهيار: البحث عن خيارات».

وفي كلمته أثناء المؤتمر، قال منذر قحف، المستشار في الشؤون المالية والمصرفية الإسلامية في قطر، «إن التمويل الإسلامي هو أفضل ما يناسب دولة مثل الهند، والتي يعيش بها أناس منتمون إلى جميع الديانات، حيث إن هذا الشكل من النظام المصرفي ليس خاصا بالمسلمين وحدهم؛ إنه يناسب جميع البشر».

وقال شايلندرا كومار، الرئيس التنفيذي لـ«إيستويند كابيتال أدفيزورز»، إن المنتجات المالية الإسلامية هي الأفضل في الهند، فقبل الكساد، كانت معظم الأموال في منطقة الخليج العربي تتجه إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وماليزيا. لكن الآن وبعد الكساد، ينظر إلى الهند، وهي ثاني أسرع الاقتصادات نموا في العالم، على أنها بيئة آمنة للاستثمارات الخليجية.

وقال سلمان خورشيد، وزير شؤون الأقليات الهندية، في كلمة له خلال المؤتمر، إن وزارته ترحب بآراء الخبراء بشأن المصرفية الخالية من الفائدة، وعلى الهند التوسع في استخدام الإمكانات الهائلة للمدخرات التي لم يتم استخدامها من خلال المصرفية الخالية من الفائدة أو الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وتخشى الكثير من الشركات في منطقة الخليج من الاستثمار مع شركات القمار أو الكحوليات، بسبب حرمة هذه المعاملات في الشريعة الإسلامية.

وعلى الجانب الآخر، أعدت الحكومة الهندية، التي تحاول جذب تريليون دولار من الأموال المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من دول الخليج لاستثمارها في تنمية البنية التحتية بها، تقريرا حول المصرفية الإسلامية، في الوقت الذي يعمل فيه بنك «أبيكس» و«البنك الاحتياطي الهندي» ووزارة المالية الهندية على نحو مشترك على تطبيق تعديلات تشريعية ضرورية لتنفيذ الشيء ذاته.

وعلى الرغم من ذلك، لجعل هذا النوع من المصرفية مبادرة أكثر علمانية، فقد تصفها الحكومة بأنها «المصرفية التشاركية»، بدلا من المصرفية الإسلامية، لأن كلمة «الإسلامية» ترتبط بديانة معينة، وقد يتم الطعن عليها من الناحية القانونية.

وقال كيه رحمان خان، نائب رئيس مجلس الشيوخ الهندي، إنه في الفترة الأخيرة، قدمت لجنة، يرأسها أمين مجلس الوزراء، وتضم أمناء من بعض الوزارات بما فيها وزارة المالية، تقريرا إلى الحكومة الهندية حول آفاق المصرفية الإسلامية في البلاد ووسائل جذب الاستثمارات من الخارج. وأضاف خان «إن المصرفية الإسلامية تعد نظاما بديلا من المصرفية، الذي يستطيع فيه الناس المنتمون لديانة أو معتقد معين ادخار أموالهم وتحقيق أرباح منها أيضا».

ويقول المؤيدون للمصرفية الإسلامية إن تطبيق نظام المصرفية المتوافق مع الشريعة الإسلامية – والذي لا تقدم في ظله البنوك أي فائدة على الودائع أو تتقاضى أي فائدة على القروض – سيخدم ما يقرب من 160 مليون مسلم هندي، وهو أكبر تجمع للمسلمين في العالم في دولة غير مسلمة، وسيخدم كذلك الاقتصاد عن طريق المساعدة في إيجاد سبيل للمبالغ الضخمة من الأموال التي لا يستثمرها المجتمع.

ولا يتعامل الكثير من المسلمين مع البنوك التجارية، نظرا للآراء الدينية التي تحرم الفائدة، وفي ظل المصرفية الإسلامية، تستخدم الأموال المودعة في البنوك الإسلامية في تمويل المشروعات على أساس الملكية، ويتقاسم المودعون الأرباح والخسائر. وفي الوقت الحالي، غير مسموح بتطبيق نظام المصرفية الإسلامية في ظل قانون البنوك في الهند، لكن مسموح بممارستها من خلال المؤسسات المالية غير المصرفية.

وتجدر الإشارة إلى أن الصين، التي يوجد بها نحو 80 مليون مسلم، منحت أخيرا بنك «نينغشيا» أول رخصة لتطبيق نظام المصرفية الإسلامية.

وأطلقت الحكومة الهندية بالفعل مبادرات مماثلة مع صناديق «يو تي آي» و«إس بي آي» الاستثمارية، والتي تتيح بدائل لصناديق استثمارية معينة أمام الناس للاستثمار فيها.

وطالب منتدى التعاون الاقتصادي الهندي العربي، مانموهان سينغ، رئيس الوزراء، بالسماح بإنشاء نظام تمويلي بديل من أجل جذب الاستثمارات من المسلمين.

وبشكل مبدئي، يمكن استخدام هذا النظام في أغراض، مثل تمويل عمليات مؤسسات الوقف، والتي تدير الأوقاف الخيرية للمسلمين، ورحلات الحج، بحسب ما ذكره محمد منظور علم خان، رئيس المنتدى، الذي أضاف «في وقت لاحق يمكن لهذا النظام أن يكون متاحا للجمهور».

وقال خان «أثر الكساد والانهيار الاقتصادي تأثيرا مغايرا على العالم المتقدم خلال عامي 2008 و2009، وقد هزت موجات من انعدام الاستقرار والأمن مؤسساته وثقته بنفسه، وفي آسيا، وعلى نحو خاص في الهند، لم نتأثر نسبيا بهذه الفوضى المالية. ولم تعان بنوكنا ولا مؤسساتنا المالية ولا أسواق الأسهم والشركات لدينا مثلما عانت مثيلاتها في الغرب». وأضاف أن ذلك جعل الهند بلدا جذابا للمستثمرين الأجانب، مشيرا إلى أن إقامة مثل هذا الإطار سيجذب الأموال من الغرب إلى آسيا.

وقال «نشعر أنه ينبغي جذب مزيد من الاستثمارات من البلدان العربية إلى الهند نظرا للعلاقات القديمة بيننا، ولأن الهند برزت باعتبارها المقصد الأكثر أمانا وأمنا للاستثمارات».

وأثناء خطابه في اليوم الأخير من المؤتمر، دعا شاشي ثارور، وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية، البلدان العربية إلى الاستثمار في الهند.

وقال إن «هدفنا جذب إيرادات متاحة تبلغ قيمتها من 3 إلى 4 تريليونات دولار، وهو ما يقدر بأكثر من نصف صناديق الثروة السيادية في العالم. تلقت الهند استثمارات أجنبية مباشرة من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بقيمة 1.59 مليار دولار عام 2009. ويقوم 4.5 مليون هندي يعملون في هذه الدول بتحويل نحو 30 مليار دولار إلى الهند سنويا، لذا فإن الفرق واضح».

وفي شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، قال المفتي بركات الله قاسمي، القاضي بمجلس الشريعة الإسلامية بلندن، في مؤتمر آخر عقد في مومباي، «يوجد في الهند مجال كبير للمصرفية الإسلامية باعتبارها نظاما بديلا لا يتأثر بالكساد».

وعقد هذا المؤتمر في مركز المعارف للتربية والأبحاث بمومباي في 10 يناير الماضي، تحت عنوان «المصرفية الإسلامية في ضوء القرآن والسنة».

وقد أتى بركات الله، الذي يعمل أيضا كمشرف لتطبيق الشريعة الإسلامية في البنك الإسلامي في بريطانيا، من المملكة المتحدة خصيصا لتقديم الاستشارة للمؤسسات المالية في الهند بشأن التعاملات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وعانت المصرفية الإسلامية بالفعل من ضربة، حيث منع القضاة في محكمة كيرلا العليا، وحكومة ولاية كيرلا والمؤسسة المالية الحكومية في الولاية نفسها من إتمام إنشاء بنك إسلامي حتى إشعار آخر.

وكانت حكومة ولاية كيرلا قد أعطت الضوء الأخضر للمشروع بعدما كشفت دراسة جدوى أن إنشاء البنوك الإسلامية اقتراح قابل للتطبيق في كيرلا، وبعد ذلك تم تسجيل شركة للمضي قدما في هذه العملية، وأخبر توماس إسحاق، وزير المالية في ولاية كيرلا، مجلس الدولة أخيرا أن رأس المال المصدر لهذا البنك بلغ 10 مليارات روبية هندية.

ووفقا لهذا الاقتراح، لن يقدم هذا البنك أي فوائد على الودائع لعملائه، فيما سيقرر مجلس الشريعة الإسلامية أي نوع من الاستثمارات سيقوم بها، وسيقدم هذا البنك المقترح منتجات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وسيوزع الأرباح التي نتجت عن الاستثمارات على حاملي الأسهم.

تجدر الإشارة إلى أن المسلمين يشكلون 24 في المائة من مجموع السكان في الولاية، والذي يبلغ 20 مليون نسمة.

وقدم سوبر أمانيان سوامي، الوزير الهندي السابق، عريضة ضد إنشاء بنك إسلامي، وقال إنه يجري تخصيص المال العام لمحاباة ديانة معينة في دولة علمانية، حيث تمتلك هيئة التنمية الصناعية في ولاية كيرلا حصة مقدارها 11 في المائة في بنك يبلغ رأسماله عشرات الملايين.

وجاء في قانون التقاضي من أجل المصلحة العامة أن «مشاركة الحكومة هي مثال واضح على محاباة الدولة لديانة معينة. وهذا ينتهك المادة 14 والمادة 25 من الدستور، اللتين تتعهدان بالمساواة أمام القانون وحرية اعتناق الأديان. إلى جانب ذلك، تعد البنوك الإسلامية انتهاكا لقانون تنظيم البنوك لعام 1949.

وحكمت لجنة قضائية من المحكمة العليا، تتألف من سبعة قضاة، بأنه لا ينبغي استخدام المال العام لترويج مؤسسات تنتمي لديانة معينة».