كازاخستان.. سوق واعدة للصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

وصل الإسلام إلى كازاخستان بعد تولي قتيبة بن مسلم الباهلي رحمة الله ولاية خراسان في عام 88 هجريا حيث وصل بالفتوحات الإسلامية إلى بلاد ما وراء النهرين، فهي إحدى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية التي أعلن الاتحاد السوفياتي ضمها عنوة إلى معسكرة الشيوعي في عام 1917م. إلا أنها مع بداية تفكك هذا الاتحاد أعلنت استقلالها عنه في عام 1991م، ويمثل المسلمون غالبية سكان هذه الجمهورية بنسبة تتجاوز 48% من مجمل السكان البالغ عددهم نحو 15 مليون نسمة، جلهم من العرق التركي.

وتتمتع كازاخستان بمخزون هائل من النفط والغاز حيث تحتوي على ما يقدر بـ3.3% من مخزون النفط العالمي مما جعل اقتصادها يعتمد على النفط حيث يمثل 56% من صادراتها. كما أن عائداته تمثل 55% من ميزانية الدولة فهي دولة نفطية بامتياز. وتتمتع كازاخستان بتقدم علمي وتكنولوجي خصوصا في علوم الفضاء والعلوم النووية حيث إنها كانت إحدى أهم القواعد الاستراتيجية في عهد الاتحاد السوفياتي حيث تضم مركز بيكاونور الفضائي ومخابر سيمبلاتسنيك النووية وما زالت روسيا حتى اليوم تطلق سفنها الفضائية من الأراضي الكازاخية. وقد كانت عاصمة الجمهورية بعد الاستقلال مدينة ألما أتا (وتعني التفاح) الحدودية، إلا أنه في عام 1998م أنشأ الرئيس نور نزار سلطان باييف مدينة أستانا وسط كازاخستان لتكون عاصمة للجمهورية. إلا أن ألما أتا بقيت العاصمة الاقتصادية للجمهورية، وقد كانت السوق المصرفيت في الجمهورية مغلقة أمام الاستثمار الأجنبي فترة طويلة حيث كانت الهيئات الرقابية تتشدد في منح التراخيص للمصارف الأجنبية. ومن الطرائف في هذا المجال أن إحدى المؤسسات المالية الاستثمارية الكبرى في منطقة الخليج اضطُرّت إلى إجراء عملية حيازة لأحد المصارف الخليجية المحلية التي كانت تملك فرعا لها في كازاخستان بهدف حيازة هذا الفرع. إلا أنه مع اشتداد الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم وأدت إلى شح السيولة وتراجع الائتمان في الأسواق العالمية وحيث إن القطاع المصرفي في الجمهورية كان يعتمد على السوق العالمية لتمويل النمو داخل الجمهورية فقد وقع في مأزق مما حدا بالسلطات الإشرافية إلى البحث عن قنوات تمويل واستثمار جديدة لتنويع مصادر التمويل، وحيث إن الصيرفة الإسلامية ومؤسساتها هي من يملك هذه السيولة فقد سعت السلطات النقدية لاستقطابها فسنّت القوانين والأنظمة التي تسمح لمؤسساتها بالعمل حيث أصدرت الجهات الرقابية دليل يوضح الإجراءات والمتطلبات لعمل المصارف الإسلامية. كما سهلت من منح التراخيص اللازمة لعمل مؤسساتها، وقد أبدى الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية رغبته في ذلك مثل بنك قطر الإسلامي وبنك «الإثمار» البحريني وبنك «الهلال» الإماراتي. ولا شك أن هذه إحدى المنح التي جاءت بها محنة الأزمة المالية العالمية، وكما قلنا سابقا ونقول حاليا كم من محنة اشتملت على منحة وكم من عطية في رداء بلية، وقبل هذا وذاك وأصدق منه قول الله تعالى: «فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» (النساء 19). ومن هنا فإنني أهيب بالمؤسسات المالية الإسلامية ورجال الأعمال المهتمين بهذه الصناعة إلى أن ينتهزوا هذه الفرصة التي قد لا تتكرر للدخول وبقوة في هذه الجمهورية نظرا إلى ما تتمتع به من استقرار سياسي واجتماعي وقوة مالية ممتازة وتأهيل علمي ومهني عالٍ للقوة العاملة. وهذه العوامل - بلا شك - تشكّل بيئة استثمار ناجحة لأي استثمار، فإذا أضفنا إلى ذلك رغبة جل مواطنيها في الخدمات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية فلا شك أنها تُعتبر إحدى الأسواق الواعدة والاستراتيجية للصيرفة الإسلامية التي ستمكّنها من الاستمرار في النمو والتوسع في المستقبل. الله ولي التوفيق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية