أبحاث بنكية تكشف انخفاض أرباح البنوك الإسلامية نتيجة الأزمة العالمية

مؤتمر المصارف الإسلامية في سورية يوصي بهيئة عليا للرقابة الشرعية في كل دولة

د. نبيل غلاب من البنك الإسلامي للتنمية يقدم ورقته البحثية عن النظام المصرفي الإسلامي في المؤتمر («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت ورقة بحثية بنكية أن الأزمة المالية العالمية أضرت بأداء جميع البنوك على حد سواء، حيث إن جميع البنوك بلا استثناء إسلامية كانت أو تقليدية شهدت تراجعا ملحوظا في أدائها، وهو ما يوضح مدى خطورة الأزمة المالية على النظام المالي الدولي.

كما كشفت الورقة عن تهاوي معدل العائد العام على حقوق المساهمين للبنوك الإسلامية بنحو 33.5 في المائة من 13.8 في عام 2006 إلى 6.55 في عام 2008.

وأظهرت الدراسة التي أعدها الدكتور حاتم غومة والدكتور نبيل غلاب المحللان الماليان في البنك الإسلامي للتنمية، أنه في حال تم الأخذ بالعائد على حقوق المساهمين في كل مجموعة على حدة، قد انخفض بـ90.34 في المائة و32.34 في المائة للبنوك التقليدية الخالصة والبنوك التقليدية ذات النوافذ الإسلامية على الترتيب خلال نفس الفترة 2006 - 2008، وأن حدة الانخفاض تكون باختلاف نوع البنك.

كما أن البنوك الإسلامية هي الأقل تعرضا للمخاطر من خلال مؤشرَي نسبة الدين من رأس المال ونسبة الدين من مجموع الأصول، حيث بلغ المؤشر الأول 3.09 في المائة للبنوك الإسلامية عام 2006 مقارنة بـ9.21 في المائة للبنوك التقليدية و7.23 في المائة للبنوك التقليدية ذات النوافذ الإسلامية.

وفي عام 2008 حافظت البنوك الإسلامية على تفوقها من حيث مؤشر الأمان فبلغت نسبة الدين من رأس المال 5.8 في المائة مقارنة بـ10.3 في المائة لبنوك التقليدية و8.5 في المائة للبنوك التقليدية ذات النوافذ الإسلامية.

وخلصت الورقة البحثية التي تم تقديمها خلال فعاليات مؤتمر المصارف الإسلامية الخامس في سورية، إلى أن البنوك الإسلامية أكثر استعدادا لمجابهة تداعيات الأزمة المالية من البنوك التقليدية، خصوصا أنها تبدو أكثر ربحية وأقل انكشافا على المخاطر من البنوك التقليدية، بالإضافة إلى تمتعها بوفرة السيولة، وأن النظام المالي الإسلامي يمتلك مبدئيا المقومات الأساسية التي تؤهله ليكون منافسا للنظام المالي التقليدي شريطة مجابهة التحديات التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية ككل.

كما أكد الباحثان أنه في حال تم الترويج لصناعة التمويل الإسلامي والسير بها بخطوات ثابتة نحو العالمية، وحجز مكان لها في النظام المالي العالمي، فلا بد من تبني خطاب علمي مقنع يدخل العقول قبل الأفئدة، خصوصا أن المخاطبة ستكون لمجتمعات لا تشاطر نفس الدين ولا نفس المعتقدات، وأنه لا بد من المضي قدما في نهج مثل هذه البحوث التجريبية وتقديم الدليل العلمي المبني على وقائع حقيقية، على أن النظام المصرفي الإسلامي قادر على منافسة النظام المصرفي التقليدي الذي أثبت فشله في التعاطي مع تداعيات الأزمة المالية التي عصفت بالعالم.

وتابع الباحثان أنه في حال تم ذلك فإنه حينها فقط يمكن للصيرفة الإسلامية وضع قدم راسخة في النظام المالي العالمي، ومنافسة الصيرفة التقليدية في أسواق ظلت حكرا عليها لقرون طويلة.

وهدفت الورقة البحثية إلى مقارنة المميزات المالية للنظام المصرفي الإسلامي ونظيره التقليدي، وذلك قبل وفي أثناء الأزمة المالية التي عصفت بالعالم ابتداء من أواخر 2008، وذلك قصد إضفاء مزيد من الإثراء إلى النقاش المحتدم في خضم هذه الأزمة حول مدى قدرة النظام المصرفي الإسلامي أن يحل بديلا للنظام المصرفي التقليدي.

وتقارن الورقة النظامين من خلال ثلاثة مؤشرات رئيسية هي الأداء الربحي والتعرض للمخاطر والسيولة، ويستخدم البحث قاعدة معلومات تحتوي على 45 بنكا إسلاميا خالصا، و26 بنكا تقليديا خالصا، و30 بنكا تقليديا بنافذة إسلامية موزعة على 16 دولة مختلفة.

وبينت نتائج البحث أن كل البنوك شهدت دون استثناء خلال الأزمة المالية العالمية انخفاضا ملحوظا في الأداء الربحي، وأن البنوك الإسلامية حققت أعلى عائد على حقوق المساهمين وأعلى عائد على الأصول مقارنة بالبنوك الأخرى، وبخاصة عام 2008، إلى جانب أن البنوك التقليدية عانت أكثر من غيرها من انخفاض في حجم السيولة لديها وارتفاع مستوى التعرض للمخاطر مقارنة بالبنوك الإسلامية.

ورجعت الورقة أسباب الأزمة الرئيسية إلى الفائدة على الودائع والفائدة على القروض، والتجارة بالديون أخذا وعطاء ووساطة، وجدولة الديون مع رفع سعر الفائدة مقابل الأجل، والمشتقات التي تقوم على المعاملات الاحتمالية ولا يترتب عليها أي مبادلات فعلية للسلع والخدمات.

وجاءت منطلقات البحث في الأداء الربحي من خلال تزايد الاعتراف بالمصارف الإسلامية، واتساع دائرة قبولها كنظام مالي مميز يحظى بثقة المستثمرين والمودعين على حد سواء في السنوات الأخيرة، خصوصا مع تزايد اهتمام المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم بالمنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية بسبب النهج الاستثماري الحكيم، الذي تنتهجه المؤسسات المالية الإسلامية وعدم ميلها إلى المبالغة في تحمل المخاطر.

وأكد البحث أن هذا النهج ساعد على انتشار المصارف الإسلامية عبر العالم حتى في أوج الأزمة المالية، فكانت البنوك الإسلامية تفتح في وقت كانت المصارف التقليدية تعلن إفلاسها، كما أكدت فرضية هذا المنطلق من أن البنوك الإسلامية ذات أداء ربحي أفضل من البنوك التقليدية خصوصا خلال فترة الأزمة المالية.

وفي ما يتعلق بالمخاطرة فقد أوضحت الورقة أن البنوك الإسلامية تحظى برقابة أكثر صرامة من نظيراتها التقليدية، فعلاوة على ضرورة التزامها باتباع الأنظمة والتشريعات الحكومية للبلدان التي تزاول فيها نشاطها، فهي تخضع كذلك للمراقبة اليقظة للهيئات الشرعية، والتي يجب أن توافق على جميع المنتجات والسياسات والأنظمة المتبعة.

كما تشرف الهيئات الشرعية على جميع معاملات البنوك الإسلامية وتمنع مشاركتها في الصفقات المشبوهة أو الممنوعة حسب قوانين الشريعة الإسلامية. وكان لتلك الرقابة الأثر الإيجابي في منع البنوك الإسلامية من الانزلاق في النهج الذي كان سببا لهذه الأزمة. ويؤكد ذلك أن البنوك الإسلامية أكثر أمنا وأقل تعرضا للمخاطر من البنوك التقليدية.

وفي ما يتعلق بالسيولة فقد تطرقت الورقة إلى أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وضعت الإدارة الأميركية قيودا على حركة رؤوس الأموال حول العالم مما دفع بحكومات الدول الإسلامية إلى البحث عن بدائل استثمارية أخرى، الأمر الذي ترتب عليه سحب لرؤوس الأموال العربية والإسلامية نحو دولها الأم.

وكذلك أدى ارتفاع أسعار النفط إلى فائض في السيولة في الدول المصدرة للنفط وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، ولذلك فمن المتوقع أن تكون البنوك الإسلامية الموجود معظمها في منطقة الشرق الأوسط قد استفادت من هذا الفائض، وتؤكد هذه التحليلات أن البنوك الإسلامية تتمتع بحجم سيولة أكبر من البنوك التقليدية.

إلى ذلك اختتم المؤتمر الخامس للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في سورية أعماله في جلسة حوار مفتوح تحدث فيها كل من أحمد بدر الدين حسون مفتي سورية وأديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي ودروميش يلماز رئيس البنك المركزي التركي. وناقش المتحدثون مع الحضور كل ما تناوله المؤتمر من قضايا تدور حول هذا المجال، حيث أوضح حاكم مصرف سورية المركزي أن المرجعية الشرعية للمصارف الإسلامية العاملة في سورية ستتحول من الاعتماد على لجنة فقهية في المصرف إلى هيئة شرعية عليا في مصرف سورية المركزي.

وأشار مفتي سورية أحمد حسون إلى أهمية إنشاء هذه الهيئة لما تقدمه من توحيد للفتاوى والأحكام المصرفية الإسلامية، حيث يقتصر تمثيل الهيئة في المصارف على مسؤول شرعي يقوم باستشارة الهيئة عند اللزوم.

وأكد حسون على ضرورة توحيد نظرة المصارف الإسلامية نحو العالمية، وكرر دعوته لها بأن تطلق على نفسها اسم «مصارف تشاركية» لما يمكنها هذا الاسم من الحصول على القبول لدى شعوب العالم ويساعدها على الانتشار، مع الالتزام بإجراءات مصرفية تتناسب والشريعة الإسلامية.

وأكد حسون أن «المصارف الإسلامية أثبتت خلال الثلاثين عاما الماضية فعالية، وما نرجوه هو دخولها الاقتصاد العالمي بقوة، ودليل نجاحها أن بعض الدول الغربية فتحت بنوكا خاصة للتعامل حسب الشريعة الإسلامية».

وشهد اليوم الثاني للمؤتمر ثلاث جلسات، تناولت الجلسة الأولى موضوع الحوكمة الشرعية في المصارف الإسلامية، وجرى الحديث فيها عن المعايير الشرعية للعمل المصرفي وبداية العمل المصرفي الإسلامي في سورية.

وتناولت الجلسة الثانية موضوع الخدمات المصرفية الإسلامية الإلكترونية، حيث عرضت مجموعة من الشركات الخدمية ما تقوم به من تعاون مع المصارف الإسلامية لخدمة الزبائن عبر تقديم التكنولوجيا الرقمية لهذه المصارف.

فيما دار الحديث في الجلسة الثالثة حول التحديات التي تواجه صناعة التأمين التكافلي كتوعية المجتمع بهذا النوع من التأمين وطرح فكرته التي تقوم على تعاون المشتركين في الشركة لمساعدة بعضهم بعضا، فيما يوزع الفائض المالي في نهاية السنة على المشتركين.

من جهته، قال موسى شحادة مدير البنك الإسلامي الأردني إن اتجاه سورية إلى العمل المصرفي الإسلامي يأتي لتعزيز دور هذه المصارف في الاستثمار الحقيقي والفعلي سواء في المشروعات أو في البدائل الحقيقية التي تقوم عليها معاملات البنوك الإسلامية، وإن التشريعات التي صدرت في المرحلة الأخيرة تشجع هذه المصارف بالقدوم إلى سورية.

وأشار شحادة إلى أن البنك الإسلامي يقوم بتمويل 93 في المائة من المتعاملين الذين يعملون في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومبدأ العمل في البنك ليس بالضرورة أن الرهن هو الأساس فيه وإنما الاعتماد على دخل العميل هو ما يرتكز عليه البنك في التقويم، مشيرا إلى أن «الأساس في العمل المصرفي الإسلامي هو الانتشار والتوجه إلى الراغبين في هذه الخدمات لأن المال هو مال الله ويجب أن يستثمر لمصلحتهم ولمصلحة المجتمع وهذا هو جوهر عمل المصارف الإسلامية».

وركزت توصيات المؤتمر على تشكيل لجنة شرعية موحدة للعمل المصرفي الإسلامي عبر إيجاد هيئة عليا بداخل كل دولة وقيام السلطات الرقابية بممارسة الرقابة على عقود التعديل الإسلامي وإخضاع المنتجات والخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية لموافقتها المسبقة.

كما أوصى المؤتمر بإيجاد الأطر القانونية الملائمة لتسهيل عمل المصارف الإسلامية، وتمهيد الطريق لتحقيق مساهمتها الفاعلة في تمويل القطاعات الحيوية والتنموية، والسعي لإيجاد الأطر الملائمة لجعل التمويل الإسلامي منهجا أساسيا وغالبا في تمويل الاقتصاد.

وتضمنت مخرجات المؤتمر الإسراع في تطوير استكمال المعايير الموحدة لتنظيم عمل المصارف الإسلامية، وإعادة النظر ببعض المعايير القائمة بحيث تتمتع بقابلية أكبر للتصديق في الواقع العلمي، وتضيق مجال الاختلاف إلى أضيق الحدود وصولا إلى نماذج عمل موحدة تحكم التمويل الإسلامي.

بالإضافة إلى أهمية إيجاد كوادر بشرية مؤهلة وذات خبرات متعددة مصرفية ومحاسبية وشرعية رغم إدراجها على لائحة الأولويات منذ بدء عمل المصارف الإسلامية في سورية.