تأهيل وكالات التصنيف في صناعة الصيرفة الإسلامية

TT

يناهز عدد المؤسسات المالية الإسلامية حول العالم 434 مؤسسة منها 180 مصرفا إسلاميا، فيما يبلغ عدد النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية 320 نافذة، في حين وصل عدد إصدارات الصكوك منذ عام 1996م وحتى 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، 747 إصدارا بلغت قيمتها 106.6 مليار دولار. وفي المجمل فإن صناعة الصيرفة الإسلامية اليوم تدير أصولا تلامس التريليون دولار، بنسبة نمو تقدر بـ(20%) سنويا.

ومع هذه الطفرة التي تعيشها هذه الصناعة في جانب المؤسسات والأصول والأسواق، فإن التشريعات والنظم والمؤسسات الداعمة لها ليست على نفس الوتيرة من النمو بحيث تكون هناك مواكبة بين التشريعات والنظم والمؤسسات، والصناعة. فالملاحظ أن الصناعة ما زالت تعمل في كثير من الأسواق المهمة بالنسبة لهذه الصناعة دون أي أطر قانونية خاصة بها. كما أنها ما زالت تفتقر إلى المؤسسات المهنية الداعمة لها والمؤهلة في صناعة الصيرفة الإسلامية ومن أهم هذه المؤسسات وعلى رأسها مؤسسات التصنيف الائتماني التي ما زالت تعامل مؤسسات ومنتجات الصيرفة الإسلامية معاملة الصيرفة التقليدية وهو أمر غير مهني إطلاقا. يأتي ذلك لاختلاف المعايير التي تحكم كلتا الصناعتين وهو ما حدا بمجلس الخدمات المالية الإسلامية إلى إصدار إرشادات تتعلق بالاعتراف بالتصنيفات للأدوات المالية المتفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية الصادرة من مؤسسات تصنيف ائتماني خارجية وهي إرشادات ملحقة للإرشادات المتعلقة بمعيار كفاية رأس المال الذي أصدره المجلس. والهدف من هذه الإرشادات هو أن تأخذ بها السلطات الإشرافية عندما تقرر جواز الأخذ بالتصنيفات الائتمانية الصادرة عن مؤسسات التصنيف الخارجية عند حساب نسبة كفاية رأس المال بناء على المعيار الصادر عن المجلس. وفي هذه الإرشادات يمكن أن نلحظ أن المجلس لمس من خلال متابعته لما يصدر عن وكالات التصنيف الائتماني من تصنيفات بخصوص المؤسسات المالية الإسلامية والمنتجات المالية الإسلامية أنها لا تعامل هذه المؤسسات والمنتجات بالطريقة الصحيحة التي يجب أن تعامل بها وهو إفرادها بمنهجية تصنيف خاصة بها بحيث تكون التصنيفات الصادرة عن هذه الوكالات مهنية ودقيقة وعادلة تؤدي الغرض منها بشكل صحيح. وقد جعل المجلس وجود مثل هذه المنهجية المتخصصة شرطا للاعتراف بالتصنيفات الصادرة عن هذه الوكالات لغرض احتساب نسبة كفاية رأس المال.

إن المجلس في إرشاداته هذه وضع النقاط على الحروف بخصوص ضرورة إفراد المؤسسات والمنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بمنهجية تصنيف خاصة وهو ما ناديت به منذ فترة في هذه الزاوية، وقد دخلت إثره في نقاشات مع بعض وكالات التصنيف التي ردت بأنها لا ترى فرقا بين المؤسسات والمنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والتقليدية. وقد أوضحت هذه الإرشادات الفروق المؤثرة بين النوعين وأن عدم الأخذ بها يخل بمصداقية التقارير الصادرة وأن نجاح وكالات التصنيف في إثبات كفاءتها في تحليل الكيانات التجارية التقليدية لا يعني بالضرورة كفاءتها في تحليل الموجودات المتفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.

ومن هنا فيجب على وكالات التصنيف الائتماني مراجعة موقفها من عدم التفريق بين المؤسسات والمنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية والتقليدية بحيث تضع منهجية خاصة لتصنيف المؤسسات والمنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تأخذ في الاعتبار المعايير الخاصة التي تحكم هذه الصناعة وإلا فلن تنال التصنيفات التي تصدر عنها القبول لأنها لا تعبر عن الحقيقة. كما أنها تتعارض مع ما صدر عن المجلس من إرشادات، صحيح أنها تعتبر إرشادات غير ملزمة في الوقت الحاضر ولكن بالنظر إلى التطور المتسارع الذي تعيشه الصيرفة الإسلامية ودخولها للعديد من الأسواق المنظمة إضافة إلى تطور الفكر الإشرافي لدى المؤسسات الرقابية في العالم الإسلامي سيؤدي في النهاية إلى تبني الكثير من المؤسسات الرقابية في العالم لهذه المعايير وبدلا من أن تكون إرشادية ستكون ملزمة. حيث إنها صادرة عن مؤسسة ذات قيمة اعتبارية عالية بحكم مكوناتها حيث إن أعضاء المجلس هم رؤساء المصارف المركزية. ومن ثم فإن على وكالات التصنيف الائتماني إعداد نفسها من الآن لهذه المرحلة وذلك عبر تأهيل نفسها في مجال صناعة الصيرفة الإسلامية واستقطاب الكوادر المؤهلة في هذا الجانب وإلا ستكون خارج السوق. والله ولي التوفيق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية