هل تلاشت حمى الصكوك الإسلامية؟

لاحم الناصر *
TT

قبل ثلاثة أعوام من الآن كانت المنافسة على أشدها بين منطقة الخليج، وعلى وجه الخصوص إمارة دبي، وماليزيا على سوق الصكوك. وأدى ذلك إلى تسارع كبير في نمو هذه الأداة المالية الإسلامية الوليدة، حيث قامت حكومة دبي والشركات التابعة لها بطرح الكثير من إصدارات الصكوك المتوالية ما بين يناير (كانون الثاني) 2006 وديسمبر (كانون الأول) 2007، فطرحت شركة «نخيل» العقارية أضخم إصدار للصكوك في العالم بمبلغ تجاوز ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار. كما طرحت مواني دبي إصدارا بثلاثة مليارات ونصف مليار دولار، في حين طرحت المنطقة الحرة في جبل علي إصدارا بملياري دولار. أما «دبي العالمية» فبلغ حجم إصدارها مليارا ونصف مليار دولار، ثم عادت «نخيل» فطرحت إصدارا بقيمة سبعمائة وخمسين مليون دولار، وبفضل هذه الإصدارات استطاعت منطقة الخليج أن تنتزع الصدارة في سوق الصكوك من ماليزيا التي كانت السباقة إلى ابتكار هذه الأداة وطرحها في عام 2002. إلا أنه ومع ظهور الأزمة العالمية واشتدادها في عام 2008 وما صاحبها من شح في السيولة نتج عنه انكماش في سوق التمويل المصرفي، بدأت بوادر أزمة سوق الصكوك تلوح في الأفق، حيث بدأ بعض المصدرين في الإعلان عن نيتهم في التخلف عن السداد مثل شركة «دار الاستثمار الكويتية» و«مجموعة سعد»، إلا أن قاصمة الظهر بالنسبة إلى سوق الصكوك الواعدة كان إعلان مجموعة «دبي العالمية» في يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 طلبها من دائنيها تأجيل سداد ديونها المستحقة لمدة ستة أشهر لإعادة هيكلتها، ومن ضمن هذه الديون صكوك لشركة «نخيل» الذراع العقارية للمجموعة. وقد أدى هذا الإعلان إلى صدمة لدى المستثمرين في سوق الصكوك ووقع المستثمرون - كما يقال - في «حيص بيص»، هل ستدفع «مجموعة دبي» الصكوك في موعدها؟ وماذا لو أصرت على التأجيل وإعادة الهيكلة؟ وكيف سيتم التعامل قانونيا مع هذه المشكلة؟ وبدأ الجميع يتقاذف كرة النار، فحكومة دبي تعلن أن الديون تجارية وأنها غير ضامنة لها، وشركات التصنيف الائتماني سارعت بالتملص من المسؤولية مع إعادة التصنيف الائتماني للمجموعة بتخفيضه، في حين تبادل المحامون والهيئات الشرعية الاتهامات حول الغموض والإشكالات التي أحاطت بهياكل هذه الصكوك. ومع أن شركة «نخيل» قامت بسداد الصكوك المستحقة عليها في تاريخ استحقاقها فإن النقاش حول الصكوك ما زال مستمرا حتى اليوم.

ومن وجهة نظري إن ما حدث من حالات إخفاق من بعض المصدرين للصكوك هو أمر إيجابي لأنه سيؤدي إلى نضوج هذه السوق وتطورها، وأن يحدث هذا الإخفاق اليوم خير من أن يحدث غدا. لقد كشفت هذه الأزمة عن أغلب نقاط الضعف التي تعاني منها الصكوك كأداة مالية كعدم وجود دعم لها من قبل الأسواق العالمية المتطورة والدول الغنية، وانحصار الدعم لها في سوقين صغيرتين هما دبي وماليزيا، مما يجعلها عرضة لمخاطر الأزمات التي يتعرض لها هذان البلدان كما رأينا في أزمة «دبي العالمية»، حيث تعرضت سوق الصكوك نتيجة لهذه الأزمة للانكماش من 39 مليار دولار في عام 2007 إلى 19 مليار دولار في عام 2009. ومن نقاط ضعفها كذلك تركزها في النشاط العقاري مما جعلها عرضة لمخاطر هذا القطاع الذي كان يتعرض لمضاربات عنيفة لا تعكس العرض والطلب الحقيقي، خصوصا في إمارة دبي، كما كشفت الأزمة عن ضعف البيئة القانونية والتشريعية للصكوك، وإن غالبية الهياكل التي تقوم عليها هذه الصكوك لا تعكس الوضع القانوني السليم الذي ينبغي أن تقوم عليه.

إن ما تتعرض له سوق الصكوك اليوم من تباطؤ وانكماش لا يستدعي القلق، حيث إنه نتاج طبيعي لكونها أداة مالية جديدة تتعرض للضغوط والاختبار كأي أداة مالية جديدة، كما أنني أرى أنها استراحة محارب يتم فيها دراسة عوامل الضعف ومعالجتها لتفاديها في المستقبل للوصول بهذه الأداة إلى مرحلة النضوج. لقد كان نمو هذه الأداة في الماضي نموا عشوائيا لم يخضع للدراسة والتمحيص، دافعة المنافسة والبحث عن الربح دون النظر في مآلات الأمور، وهو ما أدى إلى هذه الانتكاسة. إلا أن سوق الصكوك ستبقى سوقا واعدة مرشحة لنمو غير مسبوق في المستقبل، حيث إن عوامل نموها ما زالت باقية، وهي رغبة جل المستثمرين المسلمين في أدوات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا أمر لم يتغير ولن يتغير. والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.

* مستشار في المصرفية الإسلامية