خبير مصرفي: سنغافورة تستقطب الآسيويين للاستثمار في صناعة التمويل الإسلامي

لوسين وونق يثمن لـ «الشرق الأوسط» دور الدولة في استقطاب المصرفية الإسلامية

سنغافورة بدأت فعليا في تهيئة نفسها لأن تكون قبلة ومركزا مهما للموارد والمنتجات والاستثمارات الإسلامية (رويترز)
TT

أكد خبير مصرفي سنغافوري أن انضمام سنغافورة كعضو أساسي فاعل في مجلس الخدمات المالية الإسلامية يحتم عليها أن تلعب دورا مهما في مستقبل صناعة المصرفية الإسلامية، في هذا الموقع من العالم، مشيرا إلى أن سنغافورة تعتبر أحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى، من خلال استقطابها الكثير من المستثمرين الآسيويين للاستثمار في صناعة التمويل الإسلامي.

وقال لوسين وونق، مدير مؤسسة «آلن جليدهيل إل إل بي» وعضو مجلس إدارة السلطة المالية في سنغافورة، إن الأزمة المالية العالمية منحت صناعة المصرفية الإسلامية فرصة التطور والانتشار في آسيا وغير آسيا، لما تتميز به من ميزات لا تتوافر في النظام المصرفي التقليدي.

وأوضح في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه حان وقت اقتناص فرص انتشار المصرفية الإسلامية في كثير من بلاد العالم للتعاطي معها بشكل أفضل، واعتمادها كنظام مصرفي آمن، في ظل الأزمة المالية ما دامت لها قدرة تحمل الأخطار ومعالجة علل النظام المالي الرأسمالي.

ودعا المسؤول السنغافوري المؤسسات الإسلامية المالية إلى مساعدة الخبراء المصرفيين في إبراز أهمية المصرفية الإسلامية في تسويقها والاستفادة من مزاياها المتعددة، معتقدا أن الثقة تجاه صناعة المصرفية الإسلامية تحتاج لمزيد من الجهد من مجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وبين وونق أن من التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية العمل على تأسيس مرجعية مصرفية إسلامية واحدة للمراجعة والمراقبة، وتحديد المعايير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بشكل يكون متفقا عليه في سائر البلاد التي تتعاطى مع المصرفية الإسلامية.. إلى تفاصيل الحوار:

* كيف تنظر إلى أهمية اهتمام سنغافورة بصناعة المصرفية الإسلامية؟

- لا شك أن سنغافورة تولي صناعة المصرفية الإسلامية اهتماما كبيرا، ويعكس ذلك اتجاها نحو استقبال وعقد كثير من المؤتمرات والندوات التي تتناول واقع وأهمية المصرفية الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية، وتدل عضويتها في مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا على جديتها في هذا الأمر.

ويجدر أن أذكركم باستضافة سنغافورة مؤتمر مجلس الخدمات المالية الإسلامية السادس في بداية شهر مايو (أيار) من عام 2009، وهذا يعكس في الوقت نفسه تقدير المجلس العميق لسنغافورة، وتأكيد أهميتها في صناعة المصرفية الإسلامية في هذا الموقع من العالم، كونها عضوا أساسيا بالمجلس، وأحد النمور الآسيوية التي تولي المصرفية الإسلامية وصناعتها وتطويرها أهمية قصوى، حيث وفرت للشركاء في صناعة المصرفية فرصة نادرة لدراسة السلبيات التي تعاني منها الأنظمة الإشرافية للاقتصاديات والتمويل التقليدي في الوقت الراهن، كما أرى أن سنغافورة تستطيع اجتذاب واستقطاب الكثيرين من المستثمرين والعاملين في هذا الحقل من وسط وشرق آسيا وجنوبها.

* ما المساعي التي اتخذتها سنغافورة للتعاطي مع المصرفية الإسلامية؟

- أعتقد أن الثقة المتوافرة لدينا حول صناعة المصرفية الإسلامية جعلت من واقع الصناعة في سنغافورة مريحا بل متطورا، إذ إن السنوات القليلة الأخيرة شهدت نموا وتطورا نوعيا وكميا ملحوظا في المؤسسات المالية الإسلامية وشكل وعدد المنتجات المصرفية الإسلامية، التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية، التي بلغت 20 منتجا إسلاميا من أبرزها الصكوك.

لذلك نستطيع القول إن سنغافورة بدأت فعليا في تهيئة نفسها لأن تكون قبلة ومركزا مهما للموارد والمنتجات والاستثمارات الإسلامية، كما تسعى في الوقت ذاته لتكون سوقا منفتحة على المستثمرين الآسيويين وغيرهم ممن يرغب في استغلال الفرص الذهبية، التي توفرها صناعة المصرفية الإسلامية. ونعمل مع مجموعة من المستثمرين في هذا المجال، خاصة ماليزيا صاحبة التجربة الكبيرة في المصرفية الإسلامية لتحقيق وتطوير هذه الصناعة.

ومن المساعي التي تحمد لسنغافورة في هذا الاتجاه، شروع بنك سنغافورة المركزي في وضع تشريعات تسهل طريقة عرض منتجات التمويل الإسلامي. كما قامت مجموعة «دي بي إس»، وهي تمثل أكبر مصرف في جنوب شرقي آسيا، بتوقيع اتفاقية مع مجموعة من المستثمرين من منطقة الشرق الأوسط؛ لتأسيس أول مصرف إسلامي في سنغافورة.

وبحسب محافظ بنك سنغافورة المركزي فإن البنك شرع في إجراءات وقواعد لتسهيل عرض منتجات التمويل الإسلامي. أيضا، يتم الآن العمل على الترويج لمشاريع تمويل إسلامي في منطقة آسيا عبر مبادرتين هما مبادرة أسواق السندات الآسيوية ومبادرة ممر آسيا، بهدف مساعدة تأسيس سوق تمويل إسلامية موحدة في آسيا. كذلك يسعى المصرف إلى جذب استثمارات خليجية في مشاريع استراتيجية ومشاريع البنية الأساسية في الدول الآسيوية، علما بأنه لدى سنغافورة عقارات قيمتها 1.32 مليار دولار و500 مليون دولار من صناديق التأمين الإسلامي متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

بجانب أن البنك المركزي بسنغافورة شرع في تعديل بعض القوانين المصرفية وتحديد إطار لدفع الضرائب؛ لتسهيل عملية تطوير النظام المالي الإسلامي، في الوقت الذي يبذل فيه جهودا كبيرة في سبيل استقطاب استثمارات خليجية وغير خليجية بصيغ تمويلية إسلامية؛ ليتمكن بذلك من تحديد مستويات المخاطر في ظل الأزمة المالية العالمية بشكل أكثر فعالية، مع السعي للاستفادة من الخبرات الكبيرة، التي يتمتع بها عدد من الدول الآسيوية في صناعة المصرفية الإسلامية والإدارة الاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الشبكات التقنية.

وأعتقد أن البنك المركزي بسنغافورة بذل جهودا مقدرة؛ لتطوير نظام رقابي معافى في صناعة المنتجات الإسلامية، من خلال توجيهاته الخاصة بكيفية تطبيق الرقابة المصرفية على المصارف الإسلامية، والتأكيد على المساواة الضريبية والتنظيمية، ومعالجة السيولة من خلال الصكوك عبر سندات حكومة سنغافورة، مع الاتجاه نحو تطوير الكوادر البشرية من خلال الدراسة والتدريب.

* كيف يمكن تطوير هذا الواقع للمساهمة في تطوير صناعة المصرفية الإسلامية؟

- الاهتمام بصناعة المصرفية الإسلامية في سنغافورة يتم بشكل متواز مع نظيره التقليدي، وهو كبير الحجم، مما يعني وجود أرضية طيبة بها لصناعة المزيد من المنتجات المالية الإسلامية، لذلك لا بد من تكثيف مزيد من الجهود لإنتاج منتجات مالية إسلامية جديدة، بالإضافة إلى العمل على خلق فرص استثمارية متوافقة مع الشريعة الإسلامية داخل سنغافورة وللدول الآسيوية الأخرى المهتمة بهذه الصناعة.

لكنني لا أعتقد أن هذا الاهتمام بالمصرفية الإسلامية في سنغافورة يتم على حساب النظام المصرفي التقليدي، غير أن لكل نظام عملاءه، رغم أن المناخ العام يجعل من المنتجات الإسلامية الأكثر حظا من بين مثيلاتها من المنتجات غير الإسلامية في الانتشار والتوغل في أسواق آسيوية جديدة، كما أن هناك الكثير من المؤسسات الاستثمارية تتطلع للجديد من المنتجات الإسلامية التي تناسب استثماراتها.

* ما التحديات التي تواجهها سنغافورة فيما يتعلق بالمنتجات الإسلامية؟

- لا أعتقد أن هناك تحديات خاصة بسنغافورة في هذا الصدد، لكن هناك تحديات تواجه صناعة المصرفية الإسلامية بشكل عام، أهمها تحديد جهة رقابية وتشريعية ومرجعية واحدة تضبط هذه المنتجات وطريقة الاستثمار فيها ومن ثم تسويقها، بالإضافة إلى وضع معايير منسجمة تماما مع الفتاوى التي تحكمها من دون ممارسة نوع من الحيل عليها؛ حتى لا تفقد مصداقيتها فتكون عرضة للسقوط.

كذلك، يجب العمل على إشاعة المعلومات الكافية، التي تسهم بشكل كبير في تثقيف الناس بشكل عام عن أهمية ومزايا المنتجات الإسلامية، من خلال توفير مراكز بحوث خاصة بذلك، تعمل وفق ضوابط إسلامية ذات مرجعية واحدة تستطيع توفير إجابات لكل الأسئلة المتعلقة بهذا الشأن، بالإضافة إلى العمل على تأهيل وتدريب العاملين في هذا الحقل ليكونوا قادرين على استيعاب الواقع ومواكبة المستجدات.

كما يجب توفير كل التسهيلات التي تعين المودعين والمستثمرين على حد سواء، والتي تساعدهم على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مع تملك المهارات والقدرات التي تمكن صاحب أو مدير المؤسسة من إدارة المخاطر التي تواجهه بكل ثقة واقتدار.

وأعتقد أن العمل على خلق نظام مالي يربط الدول الإسلامية بدول وسط وشرق آسيا سيزيد من فرصة محاصرة التحديات، التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية.

* هل تعتقد أن المصرفية الإسلامية يمكن أن تكون بديلا في الوقت الحالي؟

- من المعروف أن الأزمة المالية العالمية تسببت فيها ارتفاعات أسعار الفوائد في البنوك الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، وانهارت بسببها كبريات المؤسسات المالية، وتسببت في إفلاس مؤسسات أخرى، فكان لا بد من البحث عن البديل المكمل، مما أبرز أهمية المصرفية الإسلامية ومزاياها المتعددة، حيث إن النظام المالي الإسلامي أثبت قدرته على الادخار والإنتاج بشكل عام، رغم الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي، حيث أرى في صناعة المصرفية فرصة نادرة لدراسة السلبيات التي تعاني منها الأنظمة الإشرافية للاقتصادات والتمويل التقليدي في الوقت الراهن، لذلك أعتقد أن الكثير من الدول الغربية سعت جاهدة للاستفادة من هذه المزايا، حيث بدا ذلك واضحا في كل من بريطانيا وفرنسا وغيرها.