عندما يعبر عميل الصيرفة الإسلامية عن رأيه

TT

هل ترى أن المصارف الإسلامية مختلفة عن البنوك التقليدية من حيث جواز معاملاتها شرعا؟ سؤل طرحه موقع «سي.إن.إن» العربي على زواره وقد بلغ عدد المصوتين حتى إعداد هذا المقال 1974 مصوتا، أجاب 58 في المائة بـ«لا» و42 في المائة بـ«نعم». فيا ترى علامَ تدل النتيجة الجزئية لهذا التصويت؟ وما أهميتها بالنسبة للصيرفة الإسلامية والقائمين عليها؟ وكيف يجب علينا التعامل معها؟.

بداية أحب أن أوضح أن مثل هذه المسوح ليست علمية يمكن بناء آراء قطعية عليها، إلا أنه يمكن عن طريقها معرفة توجه الرأي العام حيال قضية معينة. وقضيتنا هنا واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث كان السؤال واضحا وصريحا وصادما لا يقبل التأويل أو التفسير ولا الأخذ والرد. سؤال يتعلق بهوية الصيرفة الإسلامية والأساس الذي تقوم عليه، وهو عنصر قوتها وعامل الجذب لعملائها وسلاحها في وجه منافسيها في سوق لا تقبل أنصاف الحلول ولا مكان فيها للضعفاء والمنهكين، سوق متغيرة متطورة تسابق الزمن في إبداع أدواتها وتطوير منتجاتها وتطوع التكنولوجيا للوصول لعملائها وتقليل تكاليفها، وتوظف أفضل العقول البشرية علميا وإداريا لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية.

إن ما أظهرته النتيجة الجزئية للتصويت ليدل دلالة واضحة على انتفاء الفروق بين الصيرفة الإسلامية والصيرفة التقليدية من حيث التوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في أذهان أكثرية المصوتين نتيجة لما تمر به الصيرفة الإسلامية هذه الأيام من أزمة تتمثل في التقارب الشديد بين منتجاتها ومنتجات الصيرفة التقليدية من حيث الهيكلة وآلية التسعير والمخاطر، وهو ما أنتج خلافا فقهيا بين الكثير من علماء الشريعة حول مدى شرعية هذه المنتجات وتحقيقها لمقاصد الشريعة الإســـــلامية وعلل أحكامها.

ويظهر هذا التقارب في أجلى صوره في منتج التورق المصرفي المنظم وما بني عليه من منتجات أخرى، كبطاقات الائتمان والحسابات الاستثمارية بديلة الودائع وغيرها من المنتجات التي نجدها اليوم تتكاثر كما يتكاثر الفطر السام فتفتك بهوية الصيرفة الإسلامية وتلغي سبب وجودها وعامل المنافسة الوحيد لديها وهو التوافق مع الشريعة الإسلامية. وهو ما دأبتُ على التحذير منه منذ فترة طويلة لكن حالي مع الصيرفة الإسلامية كان كحال الشاعر الذي قال في قومه (ولقد نصحت لهم بمنعرج اللوى، فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد).

إن نتيجة التصويت هذه لتعلن لصناعة الصيرفة الإسلامية بكل جلاء ووضوح أن عملائها لم يعودوا يفرقون بينها وبين الصيرفة التقليدية من حيث الحل والحرمة، وأن خاتم الهيئة الشرعية لم يعد كافيا لإعطائهم الطمأنينة لشرعية منتجاتها، ومن ثم فهم يرون أنفسهم قد فقدوا الميزة التي من أجلها يتعاملون مع مؤسسات هذه الصناعة ومنتجاتها، ألا وهي راحة الضمير بالتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. كما أنها تعلن كذلك وبكل وضوح أن المنهج الذي اتخذته الصيرفة الإسلامية في تطوير منتجاتها منهج خاطئ أدى إلى فقدانها لهويتها وذوبانها في صناعة الصيرفة التقليدية بتبعيتها لها. ومن ثم فإنه يجب على الصيرفة الإسلامية إذا ما رغبت في بقائها في ساحة المنافسة أن تختط لنفسها مسارا يختلف عما هي عليه الآن تستعيد به هويتها وثقة عملائها بها بحيث لا يكون من أولويتها الكم بل الكيف، وأن تعنى عناية خاصة عند تطوير منتجاتها بأن تحقق هذه المنتجــــــات مقاصـــــد الشريعة الإسلامية وصورتها وذلك حتى يظهر الفرق الجلي بين الحرام والحلال. كما يجب عليها البعد عن المنتجات التي يكثر فيها الخلاف الفقهي أو المبنية على الآراء الفقهية الشاذة وغير المعتبرة مع الأخذ بمبدأ سد الذرائع للوصول لمنتجات بيضاء نقية كما المحجة التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية