الصيرفة الإسلامية بين مصارحة العميل وتضليله

لاحم الناصر

TT

يتشكل أرخبيل البحرين من نحو 32 جزيرة أكبرها جزيرة البحرين التي تبلغ مساحتها نحو 591 كيلومترا مربعا، أي ما نسبته نحو 83% من مساحة البحرين البالغة 750 كيلومترا مربعا، ومنها أخذت اسمها، وتقع العاصمة المنامة في الجزء الشمالي الشرقي منها.

ويبلغ عدد السكان نحو 718 ألف نسمة، 82% مسلمون، و9% نصارى، والبقية يعتنقون ديانات مختلفة، تبلغ نسبة المتعلمين البالغين منهم نحو 89%، وتعتبر البحرين من أسرع دول منطقة المينا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) نموا وأكثرها انفتاحا اقتصاديا.

ومع أنها تصنف على أنها دولة نفطية، حيث يساهم النفط بنحو 40% من الناتج المحلي، إلا أن مواردها النفطية قليلة، وفي طريقها للنضوب، وقد وعت القيادة السياسية للبلاد ذلك فحاولت تنويع مصادر الدخل عبر تشجيع الأنشطة الاقتصادية المختلفة إلا أنها ركزت على قطاعين مهمين هما السياحة والقطاع المالي، ويهمنا هنا الحديث عن القطاع المالي الذي سعت البحرين وفي فترة مبكرة لتكون مركزا ماليا مهما له في المنطقة، مستغلة وجودها في محيط اقتصادي مغلق في وجه هذه الصناعة إلى فترة قريبة، فأصبحت بفضل مبادرتها هذه قبلة للمؤسسات المالية العالمية، فهي اليوم تعتبر ثاني دولة بعد سويسرا من حيث عدد المصارف والمؤسسات المالية المرخصة، حيث يبلغ عددها نحو 400 مؤسسة ما بين مصرف وشركة استثمار وشركة تأمين تساهم بنحو 27% من الناتج المحلي، كما أن هذا القطاع يشكل العصب الرئيسي في مجال توظيف الكفاءات البحرينية المؤهلة، حيث يعمل به نحو 14000 موظف 67% منهم بحرينيون، إلا أن البحرين لم ترضَ بأن تكون مركزا ماليا تقليديا، بل سعت لأن تكون مركزا ماليا مبدعا، فتبنت صناعة الصيرفة الإسلامية في وقت لم تكن فيه هذه الصناعة قد لفتت الأنظار إليها بعد، حيث رأت أنها هي مستقبل الصناعة المالية في المنطقة، وهي النظرة التي أثبتت الأيام أنها نظرة ثاقبة، حيث أصبحت المراكز المالية العالمية اليوم تتسابق لاجتذاب أموال هذه الصناعة، فالبحرين اليوم تضم أكبر تجمع للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث يبلغ عدد المؤسسات المالية الإسلامية بها نحو 45 مؤسسة، منها 26 مصرفا إسلاميا و19 شركة تكافل، وقد بلغت الأصول المدارة وفق أحكام الشريعة الإسلامية في البحرين نحو 26.3 مليار دولار عام 2009م، وهو ما يعني تضاعف أصول هذه الصناعة نحو 12 مرة عما كانت عليه عام 2000 حيث لم تكن تتجاوز في ذلك الوقت 1.9 مليار دولار، وقد بلغت حصة أصول صناعة الصيرفة الإسلامية من مجمل أصول الصناعة المالية في البحرين عام 2009م نحو 11.1% في حين أنها لم تتجاوز عام 2000م نسبة 1.11% وقد تراوحت نسبة نمو قطاع صناعة الصيرفة الإسلامية في السنوات الخمس الأخيرة بين 15 - 20% سنويا.

إن هذه الأرقام المذهلة تحكي قصة نجاح البحرين في مجال صناعة الصيرفة الإسلامية التي لم تأتِ عفو الخاطر بل نتيجة عمل دؤوب وتخطيط استراتيجي بعيد المدى، حيث كانت البحرين تعمل على تنشيط وتعزيز وتطوير هذه الصناعة في وقت كان الآخرون يحاربونها وفي أحسن الأحوال يتجاهلونها فلا تكاد تجد اليوم مؤسسة تعنى بهذه الصناعة إلا وتجد البحرين أحد المؤسسين الداعمين لها إما بتوفير الدعم المالي أو الغطاء القانوني أو أن تكون دولة المقر أو الثلاثة معا، فهي عضو في مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا كما أنها عضو مؤسس ودولة المقر لعدد من الهيئات الخدمية والتنظيمية لهذه الصناعة، هي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ((AAOIFI، ومركز إدارة السيولة (LMC) والسوق المالية الإسلامية الدولية ((IIFM والوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف (IIRA) والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ((CIBAFI هذا في جانب تطوير البنى التحتية لهذه الصناعة، أما في مجال التشريعات والقوانين والرقابة، فالبحرين من الدول القليلة التي يوجد بها تشريعات خاصة بالمالية الإسلامية، وهيئة شرعية عليا ترتبط بالبنك المركزي، كما أن حكومة البحرين كانت من الدول السباقة في مجال إصدار الصكوك الإسلامية السيادية، وما زالت مستمرة في ذلك رغم الأزمة المالية العالمية تستند في ذلك على تصنيفها الائتماني الجيد بهدف دعم هذه الورقة المالية الإسلامية، أضف إلى ذلك سعيها الدؤوب للتعريف بهذه الصناعة وتطوير العاملين فيها وفتح الأسواق لها، وذلك عبر عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل بحيث غدا بعض هذه المؤتمرات منتدى سنويا لهذه الصناعة يترقبه الجميع، كالمؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية الذي بلغ في العام الماضي دورته السادسة عشرة، وتحظى هذه المؤتمرات وورش العمل والندوات في الغالب برعاية شخصية من قبل السيد رشيد المعراج محافظ البنك المركزي، مما يدل على الدعم اللامتناهي الذي تلقاه هذه الصناعة في مملكة البحرين، مما يجعل من لقب درة الصيرفة الإسلامية لقبا لا يليق إلا بها.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية