خبير شرعي: توحيد المرجعية يعزز فاعلية الفصل بين الفتوى والتدقيق كسلطتين متعارضتين

عبد الباري مشعل مدير عام «رقابة» البريطانية: يجب إعداد مرجعية شرعية موحدة لدعم المنافسة على أساس الجودة والسعر

عبد الباري مشعل («الشرق الأوسط»)
TT

أكد خبير شرعي في المصرفية الإسلامية أن المؤسسات المالية الإسلامية تواجه تحديات ومعوقات من أبرزها الحاجة الملحة إلى كيفية إيجاد آلية تجمع بين الفتوى (التشريع) والتدقيق، مشيرا إلى أن إيجاد هذه الآلية من شأنه أن يحل إشكالية تضارب الفتاوى بين المنع والجواز على صعيد المنتج الواحد.

وبين الخبير المصرفي أن ذلك يوفر حلولا مهنية وعملية تسهم في تحقيق توافق بين الحوكمة وتوحيد المرجعية الشرعية التي تفضي إلى المساهمة في صناعة منافسة تقوم على أساس الجودة والسعر.

وجاء في الورقة البحثية التي شارك الخبير المصرفي الكويتي الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام «رقابة للاستشارات البريطانية»، في جلسة خاصة عن الحوكمة في مؤتمر الهيئات الشرعية التاسع الذي أقامته هيئة المحاسبة المراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين أخيرا، تحت عنوان «التحديات والمعوقات التي تواجه الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية».

ويأتي عقد ذلك المؤتمر في إطار التعاون بين مركز المشاريع الدولية الخاصة الذي يعتبر مركزا غير ربحي تابعا لغرفة التجارة الأميركية وأحد أربعة معاهد (مراكز) أساسية أنشأها الصندوق الوطني للديمقراطية، ومؤسسة «إيه إيه آي أو إف آي» والمتخصصة في بث الوعي لدى المؤسسات المالية الإسلامية بمواضيع الحوكمة.

واستهدفت ورقة الباحث مشعل دعم تشريعات وتطبيقات الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية، من خلال الحوكمة من منظور الشريعة الإسلامية وواقع حوكمة المصارف الإسلامية، والفصل ين الفتوى والتشريع، وتوحيد المرجعية الشرعية، وانحسار الفتوى الخاصة، بالإضافة إلى تنظيم مهنة التدقيق الشرعي، ومن ثم الإلزام القانوني.

وقال مشعل «إن حوكمة الشركات ترسي القيم الديمقراطية والعدل والمساءلة والمسؤولية والشفافية في الشركات، وتضمن نزاهة المعاملات، وتعزز سيادة القانون ضد الفساد؛ إذ تضع الحدود بين الحقوق الخاصة والمصالح العامة وتمنع إساءة استخدام السلطة».

وتابع الخبير المصرفي أن حوكمة الشركات تقوم على تحديد العلاقة بين المستثمرين، ومجالس الإدارة، والمديرين وحملة الأسهم وغيرهم. وتهدف إلى زيادة قيمة استثمارات، بالإضافة إلى حملة الأسهم إلى أقصى درجة ممكنة على المدى الطويل. وذلك عن طريق تحسين أداء الشركات، وترشيد اتخاذ القرارات فيها. ويتضمن ذلك إعداد حوافز وإجراءات تخدم مصالح حملة الأسهم، وتحترم في الوقت نفسه مصالح غيرهم بالشركة. وزاد بأن الحوكمة تهدف لتحقيق وحماية مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، مبينا أن هذا من الأهداف التي وضعت من أجلها الشريعة الإسلامية، مؤكدا أن مبادئ الحوكمة كما وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تتنافى في مجملها مع المبادئ التي تدعمها الشريعة الإسلامية والتي تشكل الإطار التنظيمي لعمل البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.

وبالاستناد إلى مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أكد مشعل أن من أهداف حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية تحقيق تعزيز مسؤولية الإدارة عن تنفيذ المعاملات بكفاءة تحقق المتطلبات النظامية والشرعية، بجانب تعزيز الاستقلالية والموضوعية في إبداء الرأي الشرعي من جهات التدقيق الشرعي، وتحقيق العدالة بين جميع الأطراف: الإدارة، المساهمين، ذوي العلاقة «العملاء الموظفين جهات التدقيق الخارجي»، مع تعزيز الفصل بين السلطات والوظائف المتعارضة لضمان آليات واضحة لتحمل المسؤولية والمساءلة.

ومن الأهداف كذلك، والحديث لمشعل، استكمال الإطار المؤسسي الداعم لتطبيق الأهداف الأخرى، ويضم إنشاء المؤسسات وإصدار التشريعات، في ظل سيادة القانون، وهذا كما يرى لا يتحقق إلا من خلال وجود تشريع حكومي يلزم باستكمال المؤسسات والتشريعات وتطبيقها في واقع المؤسسات المالية. وأشار مشعل إلى أن المؤسسات المالية الإسلامية تواجه تحديات ومعوقات تحت كل هدف من الأهداف السابقة، موضحا أن أبرز التحديات كيفية إيجاد آلية تتضمن حلولا مهنية وعملية تسهم في تحقيق جانب من تلك الأهداف. وبحسب الخبير الشرعي فإن التحديات والمعوقات تستند على البحث في واقع التطبيقات والتشريعات والمعايير على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية.

ويعتقد مشعل أن عدم التوافق مع أهداف الحوكمة برز في الجمع بين الفتوى (التشريع) والتدقيق، بالإضافة إلى تضارب الفتاوى بين المنع والجواز على صعيد المنتج الواحد، مع غياب القانون الملزم، ومن ثم ضعف مبادئ المسؤولية والمساءلة، بجانب عدم استكمال التنظيم المؤسسي اللازم، ومن ثم ممارسة المنافسة على أساس الفتوى وليس على أساس الجودة.

ولمعالجة هذه المظاهر في تحقيق الحوكمة في المؤسسات المالية الإسلامية يواجه تحديات ومعوقات أساسية أجملها في كل من الفصل بين الفتوى (التشريع) والتدقيق، وتوحيد المرجعية الشرعية، وانحسار الفتوى الخاصة، مع تنظيم مهنة التدقيق الشرعي، ومن ثم الإلزام القانوني.

وفي هذا السياق لاحظ مشعل أن كل مؤسسة مالية توجد فيها هيئة شرعية خاصة من مهامها إصدار الأحكام بالجواز أو المنع فيما يعرض عليها من أعمال المؤسسة، ومن مهامها أيضا التدقيق اللاحق للتأكد من أن المؤسسة قد قامت بتنفيذ المعاملات طبقا للفتاوى التي صدرت عن الهيئة نفسها. وعلى الرغم من أن الجمع بين المهمتين نصت عليه قوانين البنوك الإسلامية، والمعايير ذات الصلة فإن هذا الأمر كما يعتقد مشعل أدى إلى حالة من عدم الفصل بين السلطات والجمع بين الوظائف المتعارضة.

وأكد أنه من خلال الممارسة والمشاركة في الهيئات الشرعية فإن الهيئة الشرعية التي تفتي - تصدر التشريعات - ثم تقوم بنفسها أو بتوكيل غيرها بالتدقيق اللاحق وإظهار الملاحظات على التطبيق، يلاحظ وجود أن هذه الهيئة - تحت ضغط عدم الفصل بين السلطات والجمع بين الوظائف المتعارضة – تنجرف في بعض الأحيان لتغيير الفتوى – التشريع أو المعيار - التي أصدرتها من قبل حتى لا تكون نتائج التطبيق مخالفة للفتوى (التشريع).

ويرى مشعل أن هذا النوع من الممارسة يؤدي إلى عدم استقرار المعيار، وعدم وضوح في تحمل إدارة المؤسسة لمسؤوليتها تجاه تنفيذ المعاملات طبقا للمعيار، كما يؤدي إلى تهميش آليات المساءلة؛ خاصة إذا كانت هذه الهيئة الشرعية الخاصة ستجد رأيا فقهيا يمكن أن تمرر على أساسه كل مخالفة تظهر في التطبيق.

وأضاف الخبير المصرفي أن الفصل بين الفتوى (التشريع) والتدقيق الشرعي بصفة عامة قد أصبح ضرورة في هذه المرحلة لتحقيق الفصل بين السلطات والفصل بين الوظائف المتعارضة، لضمان ثبات المعايير التي يمكن على أساسها ممارسة التدقيق الشرعي، والمالي، وتتم على أساسها المساءلة، مقرا بأن هذا الإشكال قائم في حال وجود مرجعية شرعية متكاملة لجميع المؤسسات المالية الإسلامية في الدولة أو الإقليم، متسائلا عن حاجة المؤسسات لهيئات الفتوى الخاصة مع موجود المرجعية الشرعية الموحدة؟ هذا ما ستتناوله التحديات التالية. ويرى مشعل أن تعدد الهيئات الشرعية على مستوى كل مؤسسة يؤدي إلى تعدد المرجعيات الشرعية، فيكون لكل بنك مرجعيته الشرعية الخاصة، الأمر الذي يضع عبئا على جهات التدقيق الشرعي والمالي على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية، لأنها تكون مكلفة بإعداد برامج وخطط للتدقيق في ضوء المرجعية الشرعية لكل مؤسسة خاضعة للتدقيق.

وقال مشعل «إن استمرار كل هيئة شرعية خاصة بعملها في إصدار أحكام بالجواز أو المنع لما يعرض عليها من أعمال المؤسسة التي تشرف عليها؛ تسبب في نشأة ظاهرة تضارب الفتاوى بين الهيئات على مستوى المؤسسات بالنسبة للمنتج الواحد، فيكون جائزا في مؤسسة وممنوعا في أخرى».

وأكد أن استمرار العمل بمرجعية الهيئة الشرعية الخاصة أدى إلى خلق بيئة تنافسية غير صحية، استخدمت فيها صفة الفتوى من حيث كونها متحفظة أو متساهلة كعنصر أساسي في المنافسة بين المؤسسات على حساب عنصري جودة المنتج وسعره.

وأضاف مشعل أن إعداد مرجعية شرعية موحدة على مستوى الدولة أو الإقليم كبديل عن الفتوى الخاصة لكل مؤسسة أصبح ضرورة لتحقيق التقارب والتطابق في تطبيقات المؤسسات المالية الإسلامية، ما من شأنه تخفيف العبء على جهات التدقيق المالي والشرعي الخارجي، ويعزز من فاعلية الفصل بين الفتوى والتدقيق كسلطتين متعارضتين، ويدعم المنافسة الصحية على أساس الجودة والسعر.