تجربة ماليزيا تغري دول الخليج للتحرر من القانون الإنجليزي في نزاعات المصرفية الإسلامية

خبراء لـ «الشرق الأوسط»: اللجوء للمحاكم البريطانية محل جدل بين أعضاء الهيئات الشرعية في البنوك

دعوات للاستفادة من التجربة الماليزية في حل النزاعات مع كثرة استثمارات البنوك وشركات التمويل الإسلامي («الشرق الأوسط»)
TT

بدأ المهتمون بشأن صناعة المصرفية الإسلامية، ينظرون في قدرة ماليزيا في بت النزاعات في القضايا المتعلقة بالصناعة، بعيدا عن المحاكم البريطانية، والتي عادة ما يحتكم إليها معظم المتنازعين سواء في منطقة الخليج أو منطقة الشرق الأوسط ككل.

وجاء ذلك الاهتمام على خلفية حكم المحكمة العليا في ماليزيا مؤخرا في دعوى حول عقد البيع بثمن آجل وهو عقد ملزم، حيث أضافت في حكمها بأن العقد يعتبر (عقد بيع) وليس عملية مصرفية، وكان هذا الموضوع مثار جدل بين القانونيين والمصرفيين فيما يتعلق بشأن المنازعات المصرفية في السعودية بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام.

ويرى بعض خبراء القانون والمصرفية الإسلامية، أن عقد البيع في حالة يكون بثمن آجل لا يكون في منزلة عملية مصرفية، وهو يثير عدة مسائل جوهرية في جهة الاختصاص القضائي في السعودية تحديدا، بالإضافة إلى البلاد الأخرى التي تهتم بالمصرفية الإسلامية وبالتالي الفصل فيها بما يتطلب الشرع.

وطالب الخبراء، الجهات الرقابية في منطقة الخليج، بمحاولة الاستفادة الجادة من التجربة الماليزية من حيث سن القوانين التي تناسب صناعة الصيرفة الإسلامية وإنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضاياها، معيبين أن تبقى هذه الصناعة دون تشريع أو تقنين في أكبر سوق لها في حين تتسابق دول العالم للتشريع لها وتقنين أعمالها.

وقال الخبراء في حديثهم لـ «الشرق الأوسط» إن مسألة النص على اختصاص المحاكم البريطانية في النظر في قضايا الصيرفة الإسلامية وخضوع هذه الصناعة للقوانين الوضعية البريطانية كانت وما زالت موضع جدل بين علماء الشريعة من أعضاء الهيئات الشرعية وغيرهم، كما أنها ما زالت تؤرق الهيئات الشرعية التي تقر مثل هذه النصوص وتضعها في حرج بالغ.

وأوضح مسفر آل دحيم، اختصاصي التمويل الإسلامي السعودي، أن الجهة الموكل إليها «الاختصاص القضائي» في تسوية المنازعات المصرفية بين أي بنك وعميله في السعودية، هي لجنة تسوية المنازعات المصرفية بمؤسسة النقد السعودي، على الرغم من الجدل الكبير بشأن اختصاصها.

وقال آل دحيم: «إن نوعية الدعاوى المخولة بالنظر فيها من خلال النظام في السعودية، تضمن أن الدعاوى والقضايا التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها التي تختص اللجنة بنظرها يقصد بها الدعاوى والقضايا ذات الصبغة المصرفية التي تنشأ عن ممارسة البنك لأعماله المصرفية البحتة مثل فتح الاعتمادات والحسابات بأنواعها والقروض ونحوها من الأعمال المصرفية الأخرى، أما عدا ذلك من الدعاوى غير المصرفية فتُنظر من قبل الجهة المختصة أصلا بنظرها».

وتابع «إلا أن هذه اللجنة، عمليا، تنظر في جميع أنواع المنازعات التي يكون أحد طرفيها بنكا، في حين أن النظام نص على الدعاوى المصرفية مثل الحسابات وفتح الاعتمادات والقروض المصرفية أي التقليدية، أما في حالة عقود التمويل الإسلامي فهي عقود بيوع مثل المرابحة والتورق والسلم والاستصناع وكذلك عقود الإيجار لأنها بيع منفعة. فاللجنة إذن غير مختصة بنظر عقود التمويل الإسلامي نظاما».

وفي المقابل، يعتقد آل دحيم أن الحجة السابقة التي تعتمد عليها المحاكم الشرعية في السعودية، لعدم نظرها في المنازعات المصرفية بأنها تقليدية، قد سقطت في الوقت الراهن، بل يرى أنه من الواجب على القضاة الأفاضل النظر في قضايا التمويل الإسلامي، حيث إن المحاكم الشرعية وبالأخص الدوائر التجارية في ديوان المظالم - المحكمة التجارية في النظام الجديد - هي المختصة نظاما وشرعا بنظر مثل تلك الدعاوى.

وأضاف الخبير في المصرفية الإسلامية أن المسؤولية الشرعية تقع على عاتق القضاة في تصحيح مسار عقود التمويل الإسلامي، كعقود التورق المنظم، حيث يكثر اللغط حول شرعيتها، بل إن نظر المحكمة الشرعية لمثل تلك القضايا سيكون حجر الأساس في تصويب وإرساء المعاملات الإسلامية وتطبيقها وزيادة الثقة من قبل مجتمع الأعمال والأفراد، كما يزيد من اندماجها في الاقتصاد والحفاظ على معاملات المجتمع المالية والاقتصادية.

كما يجب - والحديث لآل دحيم - إيجاد تشريعات تنظم عمل المصرفية الإسلامية في السعودية لأن الوضع الحالي باعتقاده، يضع هذه الصناعة المهمة أمام تحديات نظامية قد تقوض مسيرتها وتبقيها أسيرة لعمليات المرابحة حيث إنها العقود الوحيدة تقريبا التي تقوم بها البنوك لدينا مما يفوّت الفرصة على عقود التمويل الأخرى والتي تسهم بشكل أكبر في البناء الاقتصادي والاجتماعي للأمة مثل عقود السلم والاستصناع والمزارعة وغيرها.

وعلى أرض الواقع، قال الدكتور فهد بن حمود العنزي، الخبير القانوني وعضو مجلس الشورى السعودي، رئيس مكتب «العنزي وشركاه» في السعودية، أمر فضّ النزاعات في المسائل المتعلقة في المصرفية الإسلامية في السعودية تعرض لكثير من التحديات، مؤكدا قدرة المحاكم المحلية على استيعاب الوضع وتحقيق الكثير من النجاحات في هذا الصدد.

وقال العنزي «هناك الكثير من العمل الذي تقوم به المكاتب الاستشارية في مجال المحاماة بالتعاون مع المحاكم المحلية في هذا الأمر»، موضحا أنهم بصدد تطوير العمل في هذا المنحى مع مكتب «كرويل آند مورينغ» للمحاماة الأميركي، الذي وقع معهم اتفاقية ثنائية في هذا الشأن بالإضافة إلى الخدمات القانونية ذات الصلة على اختلاف مشاربها.

وبين العنزي أن هذه الشراكة جاءت تمشيا مع المطلب الملح للخبرات الدولية للحاجة الماسة للخبرات القانونية، وذلك لتطوير العمل القانوني المهني، مع توسيع آفاق قدرات المحامي ومن ثم تزويده بكافة المهارات الإضافية المطلوبة في هذا المجال.

وأوضح العنزي أن «الدور الأساسي الذي يمكن أن تلعبه هذه الشراكة الجريئة، بالإضافة لتبادل الخبرات، التمثيل لكلانا في الخارج والداخل بشكل يعكس الكفاءة المهنية العالية، وذلك إيمانا بأهمية الاندماجات والاتفاقات القانونية بما لديها من خبرات واسعة في مجال عملها».

وأشار العنزي إلى الحجم الكبير من القضايا والمشاريع المشتركة في مجال الخدمات القانونية ذات الصبغة الإسلامية، والتي ستسفر عن جهد وثمرة الاتفاق المشترك في الوصول لتسويات عاجلة وعادلة لكثير من القضايا الشائكة، مبينا أن أهمها قضايا الطاقة بمختلف أشكالها، والتأمين، والمقاولات بجانب عملية الاندماجات بين الشركات ذات الاهتمام المشترك.

من جانبه، أشار السيد دبليو إم راندولف سميث، المسؤول في اللجنة التنظيمية بمكتب «كرويل آند مورينغ»، والذي يعمل منذ مدة في مجال القضايا القانونية والنزاعات، إلى وجود تجارب سابقة في هذا المجال، مبينا توفر محامين ضليعين ينشطون في مجال التسويات القانونية الإسلامية في كثير من بلاد العالم لا سيما أميركا وبلاد غربية وشرق أوسطية.

وأضاف موريس ف ديفيو، المدير الإقليمي لمكتب «كرويل آند مورينغ» أن التمويل الإسلامي في تنام مستمر، أخذ يحوز على كثير من اهتمامات البلاد الغربية وشمال أفريقيا بجانب آسيا وأميركا، مما يعني بالضرورة توالد مشاكل وقضايا في هذا المجال، وهذا ما حفزهم على الاستعانة بخبرات قانونية إسلامية.

أما فيما يتعلق بحكر البت في قضايا النزاعات المصرفية الإسلامية، قال مستشار المصرفية الإسلامية السعودي لاحم الناصر، إن مسألة النص على اختصاص المحاكم البريطانية في النظر في قضايا الصيرفة الإسلامية وخضوع هذه الصناعة للقوانين الوضعية البريطانية كانت وما زالت موضع جدل بين علماء الشريعة من أعضاء الهيئات الشرعية وغيرهم كما أنها ما زالت تؤرق الهيئات الشرعية التي تقر مثل هذه النصوص وتضعها في حرج بالغ.

ويعتقد الناصر أن ذلك حدا بكثير من هذه الهيئات إلى السعي الدؤوب لتخفيف الحرج بتقييد هذا الاختصاص والمرجعية بعدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية، غير أن الناصر استدرك في الوقت نفسه، بأن واقع السوابق القضائية للمحاكم البريطانية يدل على إهمال هذا القيد وعدم العمل به، ومن ثم فإن المرجع كما يرى الناصر فهو القانون البريطاني، باعتباره السلطة المهيمنة على العقد حتى ولو خالف الشريعة الإسلامية.

ولفت الناصر إلى أن هذا التوجه في البت في النزاعات المصرفية الإسلامية، جعل الهيئات الشرعية والقائمين على صناعة الصيرفة الإسلامية في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، يدركون ذلك، وتبين لهم مدى التناقض بين سعيهم لتطبيق شرع الله في المعاملات مع إقرارهم للقانون الوضعي بل وجعله الحكم والمهيمن على العقد، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذا تناقض ما بعده تناقض، موضحا أن ذلك كان بمثابة نقطة انطلاقة لإيجاد مركز للتحكيم الإسلامي.

وأقر الناصر بأن بعض دول شرق وجنوب آسيا مثل ماليزيا تحديدا، حاولت أن تستقل عن المحاكم البريطانية فيما يختص بالبت في النزاعات المصرفية، موضحا أن ماليزيا أوجدت محاكم تحكم بالشريعة الإسلامية للفصل في نزاعات الصيرفة الإسلامية، وأن هذه الاستقلالية تعتبر خطوة متقدمة على ما هو عليه الحال في الخليج، وأن التحكيم مكلف ولا يمكن تطبيقه على جميع العقود.

وفي هذا السياق قال الناصر «من هنا فإنني أطالب الجهات الرقابية في منطقة الخليج بالاستفادة من التجربة الماليزية من حيث سن القوانين التي تناسب صناعة الصيرفة الإسلامية وإنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضاياها، حيث إنه من المعيب أن تبقى هذه الصناعة دون تشريع أو تقنين في أكبر سوق لها في حين تتسابق دول العالم للتشريع لها وتقنين أعمالها».