أثر القانون على الحكم الشرعي

لاحم الناصر

TT

مع نهاية عام 2009م صدم العالم بإعلان «مجموعة دبي العالمية» طلب تأجيل سداد صكوك بقيمة 3.5 مليار دولار تستحق في 14 ديسمبر (كانون الأول) على شركة «نخيل». وهنا وقع حملة الصكوك في حيص بيص وبدأ الجميع في البحث عن المخارج القانونية للأزمة سواء مصدر الصك أو حامله وبدأ البحث من قبل القانونيين في كيفية تعامل حملة الصكوك مع الأزمة وما الإجراءات القانونية التي يجب عليهم اتباعها لاستيفاء حقهم، في حال لم يصل الطرفان لاتفاق بشأن تأجيل الدفع وتحقق التخلف عن السداد. وهنا بدأ الجميع في تقاذف كرة المسؤولية بين القانونيين والشرعيين ووكالات التصنيف الائتماني. وما يهمنا هنا هو ما حدث من جدل حول قدرة حملة الصكوك في الوصول للأصول المكونة للصكوك ووضع اليد عليها حيث تبين أن القوانين الإماراتية تضع قيودا على تملك الأجانب لها، صحيح أن القانون الحاكم للصكوك والاختصاص القضائي هو القانون الإنجليزي والمحاكم البريطانية إلا أن التنفيذ يتطلب موافقة السلطات الإماراتية مما يعني وقوع حملة الصكوك تحت رحمة مصدرها ومحدودية خياراتهم القانونية. وحالة «نخيل» ليست الحالة الوحيدة بل هي الحالة السائدة في الصكوك حيث لا يتم نقل الملكية وتسجيلها وفقا للقوانين المنظمة في بلد الأصل، بل يكتفى بنقل ملكيتها إلى شركة ذات أغراض خاصة بهدف تقليل المصاريف أو بهدف التحايل على القوانين المحلية التي تمنع ملكية الأجانب أو تحد منها. ولقد كانت الهيئات الشرعية وما زالت تتساهل في هذا الجانب وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر ودراسة فقهية متأنية من حيث أثر القوانين المحلية التي تنظم الملكية في تمام الملك الشرعي الذي هو شرط لصحة التصرف في الشريعة الإسلامية. وهل في هذا التصرف افتئات على ولي الأمر الذي نظم هذه المعاملات لمصالح يراها وإن كان فيه افتئات فهل يجوز شرعا مع الإثم؟. وهل يجوز مثل هذا التصرف مع غلبة الظن بأن حملة الصكوك سيتضررون منه أبلغ الضرر عند تخلف مصدر الصك عن السداد؟. وقد جاءت الشريعة الإسلامية لمنع الضرر فالقواعد الشرعية تقول: (لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح). أليس هذا من الغش والتدليس على حملة الصكوك؟، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من غش فليس منا»، أليس هذا التصرف من أهم الأسباب التي تؤدي للخلاف الذي أتت الشريعة الإسلامية بمنع أسبابه بالتشديد على الإيضاح والبيان؟ أليس هذا التصرف مما يمنع تحقق الرضا الذي هو مناط حل أموال العباد في الشريعة الإسلامية؟.

ومن هنا فإنني أرى أنه يجب على مجمع الفقه الإسلامي تخصيص جلسة لدراسة أثر القوانين المحلية التي تمنع أو تحد من الملكية على الملك في الشريعة الإسلامية. كما أنه يجب على الهيئات الشرعية عدم إجازة أي منتج ما لم تستوف دراسته قانونيا ومعرفة مدى ملاءمته للقوانين المحلية وأن لا تسهل للقانونيين عملية التحايل على هذه القوانين بأي طريقة كانت. كما يجب عليها أن تحاول قدر الإمكان تحقيق العدل بين طرفي العقد في العقود التي تجيزها وأن تقف دائما مع الطرف الأضعف الذي ليس له دور في صياغة هذه العقود وهو العميل في غالب هذه العقود.

لقد أظهرت أزمة صكوك «نخيل» ما كان خافيا وأبدت للعيان ما كان مستترا وساعدت على معرفة نقاط الضعف والقوة في هذه الأداة المالية الإسلامية الحديثة وصدق الله حيث قال: «فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا» النساء آية 19. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية