دراسة مصرفية: البنوك الإسلامية حائرة في كيفية استثمار متأخرات القروض المتعثرة

أشارت إلى أن مبالغة المصارف في الشروط والزيادة في تكاليف التمويل بسبب عدم فرض فوائد على التأخير

TT

كشفت دراسة بحثية أن المتأخرات المستحقة في المصارف الإسلامية، لأشخاص تأخروا عن دفع أقساطهم الواجبة عليهم تجاهها، ناتجة من عدم فرض الفوائد على التأخير في البنوك الإسلامية، مما أوقع المصارف في مشكلة كبيرة، تكمن في تحريم الديون المتأخرة أو استثمارها، وبالتالي الاستفادة من عوائدها، الأمر الذي يتسبب في آثار سلبية على ميزانيتها، وعلى منافستها البنوك التقليدية، بحكم أن الأخيرة لا تتأثر بتلك المتأخرات.

وأوضحت الدراسة، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، أنه تترتب على تأخير سداد الديون آثار، أهمها، حرمان البنوك الإسلامية من تلك المبالغ المدينة، ومن استثمارها، والاستفادة من عوائدها خلال فترة التأخير، لكن الدراسة أقرت بقدرة المصارف الإسلامية على تحقيق الكثير من النجاحات خلال عقودها الثلاثة الأخيرة، وذلك عائد إلى اهتمام البنوك العالمية الكبرى بالتعاون معها، ومن ثم فتح بعضها لفروع إسلامية، بل لبنوك إسلامية مستقلة، مما يبرهن على نجاحها.

وبين نواف يوسف أبو حجلة، الباحث والخبير في المصرفية الإسلامية، في الدراسة التي قام بها، بعنوان: «المتأخرات في المصارف الإسلامية.. الأسباب والحلول»، أنه على الرغم مما حققته المصارف الإسلامية من نجاحات، فإنها واجهت مشكلات وعقبات كثيرة، تأتي في مقدمتها مشكلة الديون التي يتأخر سدادها لأي سبب كان، حيث لا تستطيع فرض فائدة وزيادة بسبب التأخير أو التوقف عن السداد، في حين لا توجد هذه المشكلة لدى البنوك التقليدية التي تتعامل بالفوائد، إذ إن الفوائد تحتسب فيها من بداية القرض إلى نهايته.

وتحرم البنوك الإسلامية أخذ فوائد على المتعاملين في القروض نتيجة التأخير، باعتبارها تدخل ضمن الأموال المحرمة، التي لا تتفق مع أعمالها، كمصارف تقدم خدمات إسلامية.

وأبان الباحث أن البنوك الإسلامية تتعامل مع عملائها في الغالب عن طريق الالتزامات الآجلة، ولذلك تصبح دائنة لهم، سواء أكان الدين ناتجا عن عقد المرابحة، أم البيع الآجل، أم الاستصناع، أم نحو ذلك، بحكم أن النشاط الرئيسي لها هو تحقيق الأرباح، من خلال العقود الآجلة التي تكون أثمانها مؤجلة ومقسطة.

وأشار أبو حجلة إلى أن المشكلة تكمن في أن هذه الأثمان، التي تحولت إلى ديون في ذمم العملاء، إذا تأخر أداؤها في أوقاتها المحددة، فإن البنك الإسلامي يخسر عوائد هذه الديون المتأخرة، وذلك لأن أرباحه تعود عند إجراء العقود الشرعية إلى ملاحظة الزمن طولا وقصرا، فإذا تأخر السداد كليا، أو سداد بعض الأقساط، فإن هذه الأرباح لن تتحقق بصورة متكاملة.

واستدرك الباحث أن بعض العملاء يتأخرون عن دفع أقساطهم الواجبة، أو يتعمدون عدم الدفع بسبب عدم فرض الفوائد على التأخير في البنوك الإسلامية، لكل ذلك تقع مشكلة كبيرة للبنوك الإسلامية، تكمن في أنها تحرم من هذه الديون المتأخرة، أو من استثمارها والاستفادة من عوائدها، ومن هنا تخسر نسبة لا بأس بها من العوائد، يكون لها تأثير سلبي على ميزانيتها، وبالأخص في التنافس مع البنوك التقليدية التي لا تتأثر بهذه المتأخرات؛ لأن الفوائد تعمل حسب الزمن، وعداداتها تحسب الفوائد كلما تأخر موعد السداد.

وتترتب على تأخير سداد الديون، كما جاء في الدراسة، آثار سلبية كبيرة على البنوك الإسلامية، من أهمها: الحرمان من تلك المبالغ المدينة، ومن استثمارها، والاستفادة من عوائدها خلال فترة التأخير، وبالتالي تتأثر ربحية البنك الإسلامي فيكون في وضع لا يستطيع معه منافسة البنوك التقليدية التي تحسب فوائد التأخير ولا يهمها ذلك.

وتوجهت هيئات شرعية أخيرا في عدد من البنوك الإسلامية إلى فرض غرامات تأخير، بدلا من أخذ فوائد من المتأخرين أو المتعثرين عن السداد، في الوقت الذي أوجبت تلك الهيئات صرف تلك الغرامات في أعمال الخير، كالصدقة، وغيرها من الأعمال الخيرية، للخروج عن دائرة التحريم في الفوائد. وتتجه البنوك الإسلامية، بحسب الدراسة، نحو المبالغة في طلب الرهونات والضمانات، والتشدد في إعطاء فرص التمويل للعملاء، خوفا من التأخير في السداد، مما يجعل تعامل البنك الإسلامي محصورا في فئة من الناس تتوافر لديهم ما يتطلبه التمويل الإسلامي من الضمانات الممتازة، وهذا من أعظم المخاطر، لأن ذلك يؤدي إلى جعل المال دولة بين الأغنياء، في حين أن مقاصد إنشاء البنوك الإسلامية هو إفساح المجال لأكبر قدر ممكن من العملاء.

وأشار أبو حجلة إلى توجه البنوك الإسلامية نحو رفع هوامش الربح خوفا من المماطلة، حتى أصبح التمويل عن طريق البنك الإسلامي أعلى كلفة، مقارنة بالفوائد التقليدية، ولأجل ذلك، كما يرى الباحث، ينتقد الكثيرون هذا المسلك، حتى يقولوا: «كأن البنوك الإسلامية تستغل اسم الإسلام لرفع تكلفة تمويلها».

وترتب على ذلك - كما يرى الباحث - أن العملاء الممتازين الذين لا يماطلون «ما عدا الملتزمين جدا»، لا يأتون إلى البنوك الإسلامية، حيث التكلفة عالية والخدمات المتاحة فيها أقل بكثير من البنوك التقليدية.

وأرجع الباحث أسباب تعثر أو تأخر سداد الديون بصورة عامة إلى عدة أسباب، أولها الإفلاس، وعدم القدرة على السداد بسبب العجز المالي، أي أن تكون للمدين أموال، ولكنها لا تكفي لسداد ديونه، وبعبارة أخرى، يستغرق الدين مال المدين، فلا يكون في ماله وفاء بديونه. وبالنسبة للبنوك الإسلامية، تستطيع الحجر على المدين، وإذا كان لديها رهن، فلها الأولوية بقيمة المرهون، وإلا فتأخذ نصيبها حسب قسمة الغرماء.

أما السبب الثاني، كما يعتقد أبو حجلة، يعود إلى المماطلة، حيث يكون للمدين أموال، ولكنه يماطل عمدا، للاستفادة من المديونية، وبالأخص عندما يريد الاستفادة من عدم وجود فوائد على الديون في البنوك الإسلامية، ومن هنا، فكلما تأخر في السداد، استفاد من المديونية.

واعتبر الباحث أن المماطلة محرمة بلا خلاف، مستندا إلى تسمية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها بالظلم، فقال: «مطل الغني ظلم»، ولذلك يجوز للحاكم أن يحبسه إلى أن يظهر إعساره، استنادا على الحديث الآخر أيضا، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته».

وأما الأسباب الخاصة بالمتأخرات في البنوك الإسلامية، كما يعتقد الباحث، فهي تعود إلى عدم الأخذ بالأسباب الفنية والوسائل العلمية المطلوبة، من دراسة الجدوى الاقتصادية الجادة، ودراسة الشركات أو الأفراد الذين يطلبون التمويل عن طريق الالتزامات الآجلة.

كذلك من أسباب المتأخرات في البنوك الإسلامية، بحسب الدراسة، المجاملات التي تحول دون الأخذ بتنفيذ الوسائل والإجراءات المطلوبة، مع عدم وجود إدارات قوية للائتمان والبحوث والدراسات، في ظل التركيز على التمويل عن طريق المرابحات، وبالأخص المرابحات الاستهلاكية، وعدم التركيز على أساليب الاستثمار الأخرى، مثل المشاركات، والمضاربة، والاستصناع، وإنشاء شركات استثمارية متعددة الأغراض، تقوم بأنواع من التجارة والاستثمار المباشر وغير المباشر، بالإضافة إلى عدم أخذ ضمانات كافية من الرهن.

وقال الباحث: «إن موضوع الكفالة لهذه الديون ونحوه لأي سبب كان، أرشدت إليه الشريعة الإسلامية، حيث طلبت توثيق الدين بالكتابة، حيث أمر الله تعالى بالكتابة والإشهاد عندما يكون الدين مؤجلا». وتلفت دراسة «المتأخرات في المصارف الإسلامية.. الأسباب والحلول» إلى أهمية توثيق الدين بالرهن، حيث يكون للدائن الحق بعد حلول الأجل، وعدم دفع دينه، أن يرفع الأمر إلى القاضي، فيبيع الرهن وينصفه منه، إن لم يجبه الراهن إلى ذلك، بجانب توثيق الدين عن طريق الكفالة، التي هي ضم ذمة الكفيل إلى المدين في تحمُّل الدين، مع أهمية إقرار حق حبس العين المباعة إلى أداء الحق وقبض الثمن، أو أن يشترط عدم تسليم المباع إلا بعد نقد الثمن. ويرى الباحث أنه بالإمكان استفادة البنوك الإسلامية مما سبق، من خلال عدم تسجيل العقار في السجل، أو السيارة لدى إدارة المرور رسميا، إلا بعد انتهاء الأقساط، ولكن يتم العقد كتابيا بين البنك والعميل، ويتم كل شيء حسب الأصول، ما عدا التسجيل الرسمي.

واقترحت الدراسة حلولا لمشكلة المتأخرات في المصارف الإسلامية، حيث أوضحت أن الحلول والبدائل التي يمكن أن تساعد في حل المشكلة، أو تحلها، نوعان؛ حلول عملية تساعد في حل المشكلة ولكنها لا تحلها جذريا، وحلول أساسية.

ولفت أبو حجلة، الباحث والخبير في المصرفية الإسلامية، إلى أن الحلول العملية المساعدة تشمل الإجراءات الإدارية التي تسبق التمويل، ثم الحلول العملية التي تُتخذ بعد التأخير، وأن هذه الإجراءات الإدارية، التي ينبغي أن تسبق التمويل، تتمثل في تعاون البنوك الإسلامية فيما بينها، وحتى بينها وبين المؤسسات المالية الأخرى، لأجل معرفة الأشخاص الملتزمين بالدفع، والأشخاص المماطلين، وذلك من خلال تبادل المعلومات الخاصة بالشركات والأشخاص، ومن هنا، فحينما يتقدم شخص للتمويل، على البنك أن يستفيد من ملفه الخاص به عنده، أو عند غيره في مجال السداد أو المماطلة. ويرتبط بهذا إدخال هؤلاء المماطلين في القائمة السوداء، كعقوبة رادعة للمماطلة.

كذلك من الحلول التي اقترحها الباحث، الأخذ بالأسباب الفنية والوسائل العلمية المطلوبة من دراسة الجدوى الاقتصادية الجادة ونحوها، مع أهمية عدم التركيز على المرابحات والبيع الآجل، بل ضرورة الدخول في المشاركات والمضاربة والاستصناع، أو التجارة، أو إنشاء شركات للاستثمار المباشر وغير المباشر، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام الحاسم بالقوانين واللوائح المنظمة لأمور البنك دون مجاملة، مع أخذ ضمانات كافية من الرهن والكفالة ونحوهما.

أما الإجراءات التي يمكن اتخاذها عند تأخر السداد، كما يعتقد الباحث، تتلخص أولا في التصرف في الدين المتأخر، وذلك من خلال الاتفاق مع المدين نفسه ببيع الدين بالعين (كالعقار ونحوه)، مع ملاحظة إدخال ما خسره البنك في الثمن المتفق عليه، مع ملاحظة حل آخر مكمل، وهو أن يقوم البنك الإسلامي بعد شراء العقار أو نحوه بتأجيره للمدين نفسه إجارة منتهية بالتمليك، كما يمكن القيام بالحوالة ونحوها.

وثاني إجراءات سداد المتأخرات كما يرى الباحث، تتمثل في دخول البنك مع المدين في مشاركة في عقار، أو نحوه بقيمة الدين وحينئذ تتحقق شركة الملك فيستفيد البنك من أجرة العقار أو نحو ذلك، وهذا إنما يتحقق في المدين المعاون أو بعبارة أخرى مع المدين المعسر، وذلك لأن المدين المماطل لا يريد التعاون مع البنك، وإنما يريد حصوله على مكاسب جراء هذه المماطلة، والمطلوب من البنك الإسلامي أن يتعامل مع المدين المعسر.

وهناك ما اعتبرته الدراسة من الحلول الأساسية، وصنفته إلى قسمين، أولهما حل المشكلة، من خلال تضمين العقد في البداية عند التعاقد ما تسميه البنوك الإسلامية بغرامات التأخير، وهي في حقيقتها تعتبر شرطا جزائيا، أما غرامة التأخير فهي عقوبة جنائية تعود حصيلتها إلى الدولة. والقسم الثاني، في رأي الباحث، يأتي في شكل التعويض عن الضرر، من خلال مطالبة البنك للمدين بتعويضه عن الضرر الذي أصابه جراء مماطلته، من خلال العمل لإصدار حكم من المحكمة، أو من خلال التحكيم.

وتشير الدراسة إلى وجود إمكانية الحد أو التخفيف من مشكلة المتأخرات، باتباع الكثير من الأساليب، ومنها تعاون البنوك الإسلامية فيما بينها في المعلومات المتوافرة عن المستثمرين، والاتفاق على جعل المدين المماطل في القائمة السوداء، ومن ثم إشهار اسم المماطل في وسائل الإعلام، مع الأخذ بالوسائل الفنية للجدوى الاقتصادية للمشروعات الممولة.

ودعا الباحث إلى أخذ ضمانات كافية من الكفالة والرهن ونحوهما، ومنها ربط الدين بكل ما لدى المدين من حقوق في البنك، مع أهمية الدخول مع المدين في شركة الملك، عن طريق جعل الدين ثمنا لنسبة من عقار، أو لمصنع يملكه المدين، بالإضافة إلى الاستفادة من التأمين على الدين، سواء كان في البداية، أو في وقت آخر، عن طريق شركات التأمين الإسلامي، حيث إن ذلك جائز، ويحمي البنوك الإسلامية في حالات كثيرة.

كما طالب بإيجاد صندوق مشترك بين البنوك الإسلامية المتعاونة، يكون خاصا بالديون المتعثرة أو المشكوك فيها، بالإضافة إلى شراء العقار أو المصنع أو نحوهما من المدين بالدين، ثم تأجيره تأجيرا منتهيا بالتمليك، والعمل على زيادة نسبة الربح بالنسبة لمن يشك في مماطلته، ثم إذا وفى بدينه، يلزم برد ما دفعه من باب التنازل، استئناسا بمسألة «ضع وتعجل»، مع أهمية الخروج عن عالم المرابحات، والأوراق إلى الدخول في عالم التجارة والاستثمار والأسواق.

وأكدت الدراسة أنه في حال التزام البنك بالقواعد الفنية والإجرائية والوقائية في التعرض لمخاطر التأجيل والمماطلة، حتى تكون قليلة ومعقولة ومقبولة، لا يؤثر في الأرباح، ولا يشكل نسبة خطيرة، علما بأن التجارة لا تخلو من مخاطر، كما أن لها أرباحا.

وتعمل بعض البنوك فيما بينها على عمل قائمة سوداء للعملاء المتعثرين، بغية حصرهم، حتى لا تتكرر قوائم المتعثرين، الأمر الذي أسهم في إنشاء شركات ائتمانية، كما هو الحاصل في السعودية بعد إنشاء شركة «سمة»، التي أسهمت، إلى حد كبير، في حصر المتعثرين عن السداد، أو المماطلين، الأمر الذي مكن البنوك التقليدية والإسلامية من الاستفادة من هذه الخدمات في تقديم مزيد من التمويلات للعملاء الملتزمين.