النوافذ الإسلامية أم المصارف الإسلامية

TT

في بداية تجربة الصيرفة الإسلامية لم يكن هناك سوى مصارف إسلامية خالصة، فلم يكن هناك ما يسمى بالنوافذ الإسلامية، حيث لم تكن المصارف التقليدية أدركت بعد حجم المنافس الذي دخل سوق صناعة الصيرفة، وكانت تعتقد أنها تجربة قائمة على الحماسة الدينية لن يكتب لها النجاح لأنها لن تستطيع أن تقدم البديل الملائم لصناعة الصيرفة التقليدية مما سيؤدي إلى اختفائها تلقائيا، إلا أن ثبات صناعة الصيرفة الإسلامية في بداياتها وقدرتها على تقديم البديل الموثوق به مع دعم المجتمع لها بحكم توافقها مع معتقداته الدينية أدى إلى نجاحها مما جعلها منافسا قويا لصناعة الصيرفة التقليدية، فقد استطاعت في وقت قياسي اقتطاع حصة كبيرة من السوق مما أدى بصناعة الصيرفة التقليدية إلى مراجعة موقفها من هذه الصناعة ومحاولة مجاراتها عبر طرح منتجات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية حتى لا تفقد حصتها السوقية. إلا أنها واجهت معضلة كبيرة وهي إقناع عملاء الصيرفة الإسلامية بالوثوق بها من حيث قدرتها على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ورغبتها في تنفيذها دون التلاعب بها أو الاحتيال عليها، ومن هنا لجأت إلى إنشاء النوافذ الإسلامية كإدارات مستقلة داخل هذه المؤسسات وعينت هيئات شرعية للإشراف عليها بحيث تقوم بإجازة المنتجات ومراقبتها، وبهاتين الخطوتين استطاعت مؤسسات الصيرفة التقليدية حيازة ثقة الشريحة العظمى من عملاء الصيرفة الإسلامية مما أهلها لمنافسة المؤسسات المصرفية الإسلامية الخالصة، حيث وصل عدد النوافذ المالية الإسلامية في المصارف التقليدية نحو 350 نافذة وهو ما يقارب عدد المصارف الإسلامية، إلا أن نظرة الشك وسوء الظن ظلت هي السائدة لدى معظم عملاء الصيرفة الإسلامية تجاه هذه المؤسسات ومنتجاتها الإسلامية وتظهر هذه النزعة ونتبينها عند أول نقاش يحصل حول أي منتج من منتجات الصيرفة الإسلامية. والحقيقة أن هذه النزعة لم تولد من فراغ أو جاءت عفو الخاطر بل هي نتاج ممارسات هذه المؤسسات، فجميع المنتجات التي هي محل خلاف بين العلماء وتخضع للفحص والتدقيق هي من ابتكار هذه المؤسسات، بدءًا من التورق المنظم وصكوك المشاركة والمضاربة التي يتعهد فيها المصدر بإعادة شراء الصك بقيمته الاسمية عند استحقاقه وانتهاء ببطاقات الائتمان القائمة على قلب الدين أو رسوم الإصدار العالية التي تخفي الفوائد الربوية، مع ضعف الرقابة الشرعية لدى هذه النوافذ وعدم العناية بها العناية التي تليق بمكانتها، حيث هي الضامن الوحيد للتطبيق الصحيح لقرارات الهيئة الشرعية، وإهمالها يدل على أن مخالفة القرار الشرعي هو عمل ممنهج وليس خطأ في التنفيذ، كما أن الكثير من عملاء الصيرفة الإسلامية يرون أن المصارف التقليدية تؤدي أعمالا لا أخلاقية من وجهة نظر الشريعة الإسلامية مثل تعاطي الربا والمضاربة على المشتقات وتمويل الأنشطة المحرمة في الشريعة الإسلامية وأن أموالهم التي تأخذها هذه المصارف عن طريق هذه النوافذ الإسلامية قد تذهب لتمويل هذه الأنشطة نتيجة أن الفصل ليس فصلا تاما وحقيقيا.

ومن هنا نشهد اليوم إحجاما من قبل كثير من عملاء الصيرفة الإسلامية عن التعامل مع النوافذ الإسلامية ومنتجاتها متى ما وجد المصرف الإسلامي الخالص، وقد كتبت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريرا حول هذا الأمر، حيث بدأت المصارف البريطانية الكبرى مثل (إتش إس بي سي، ولويدز) فقدان عملائها لصالح المصارف الإسلامية في بريطانيا، وبحكم اهتمامي بهذه الصناعة أستطيع أن أؤكد أن هذا التوجه موجود لدى عملاء الصيرفة الإسلامية في المملكة، فالحالة ليست خاصة ببريطانيا بل هي حالة عامة لدى عملاء الصيرفة الإسلامية، إلا أن البعض قد لا يسلم لنا بذلك،ولذا أرى أنه يجب على المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية التعاون مع إحدى مؤسسات الأبحاث التي تعنى بالاستطلاعات لإجراء مسح حول هذه النقطة بحيث نصل إلى الحقيقة التي تقنع المؤسسات المالية التقليدية بمراجعة تجربتها في مجال الصيرفة الإسلامية ومعالجة أخطائها لأن خروجها من حلبة المنافسة ليس في صالحها وليس في صالح صناعة الصيرفة الإسلامية.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية