خبراء مصرفيون: تطوير أنظمة ومنتجات البنوك الإسلامية يمهد الطريق لانتشارها في أوروبا وأميركا

أقروا بتعقيد المعايير المحاسبية.. وطالبوا بإيجاد حلول لندرة الكفاءات وتشجيع دمج المصارف الصغيرة

TT

أقر بعض خبراء المصرفية الإسلامية والاقتصاد، بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجه انتشار الصناعة في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من البلاد غير الإسلامية، مؤكدين على أن تطوير الأنظمة والمنتجات سيمهد الطريق لانتشارها في أوروبا وأميركا.

وقال خبراء المصرفية في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن خضوع المصارف الإسلامية لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، في ظل نقص الموارد البشرية المؤهلة، مع عدم تطور منتجاتها وابتكار الجديد منها، أعاق انطلاقتها وانتشارها بالشكل المطلوب في تلك البلاد.

ودعا الخبراء إلى ضرورة تضافر الجهود لاكتمال البنية التحتية، منها إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة تكون ملمة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية مع ضرورة زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة والخدمات المالية مع توسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية وتطبيق معاييرها.

ودعا الخبراء إلى العمل على دمج المصارف الصغيرة للاستفادة من مزايا الاقتصادات الكبيرة، مع ضرورة الاهتمام بالاستثمار في تدريب وتثقيف الموارد البشرية للعب دور إيجابي في هذا الاتجاه.

وأقر الخبير المصرفي الدكتور حسني الخولي بأن صناعة المصرفية الإسلامية تواجه حزمة من التحديات، رغم إنجازها للكثير من النجاحات فيما يتعلق بالمنتجات والصيغ المتطابقة مع الشرع، إلى جانب المعايير المنجزة وتلك التي في الطريق لإنجازها من حيث موجودات وأرباح تلك المصارف.

وأضاف الخولي أن المصارف المتوافقة مع الشرع، ما زالت تخضع لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، بل تحصرها وتقيد انطلاقتها، موضحا أن الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف المتوافقة مع الشرع تحتاج إلى تطوير لتناسب المتطلبات، والاحتياجات المستقبلية إلى جانب النقص الحاد في الموارد البشرية والمرشح للازدياد في ظل التوسع الذي سيشهده المستقبل القريب في إعداد المصارف، وتنوع الخدمات التي ستقدمها.

وفيما يتعلق بضرورة الاهتمام بالمعايير التي يجب معالجتها حتى تتماشى مع تحفيز انتشار المصرفية الإسلامية وصناعتها في أوروبا وأميركا، أكد الخولي أنه ما زال لدى بعض القائمين على إدارة المصارف المتوافقة مع الشريعة تصورات خاطئة، مفادها أن الفرق بين المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية يتمثل في بعض النواحي الشكلية، مصححا هذا الاعتقاد في أن الفرق بينهما كبير، يجسده الفرق بين حرمة المعاملة من حلالها مما يعوق وتيرة وسرعة انتشار المصرفية الإسلامية في البلاد الغربية، مستدركا أن تلك التطبيقات الخاطئة في طريقها إلى الزوال.

وأشار الخولي إلى أن انتشار المصرفية الإسلامية والمساعدة على التعاطي معها في أوروبا وأميركا وغيرها من بلاد العالم غير الإسلامي، لا يتأتى إلا بتضافر الجهود لاكتمال البنية التحتية، منها إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة الشيوخ والعلماء ذوي المعرفة الرفيعة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية.

ودعا الخولي إلى ضرورة العمل على تطوير الخدمات والمنتجات التي تقدمها المصارف الإسلامية لتناسب المتطلبات، والاحتياجات المستقبلية، بالإضافة إلى زيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، ومن ثم تقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل، إلى جانب تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، مع أهمية التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وعن رأيه حول أكثر مجالات صناعة منتجات المصرفية الإسلامية التي تحتاج إلى ابتكارات جديدة، يرى الخولي أن العميل الذي يتعامل مع المصارف المتوافقة مع الشرع ينشد منتجات وخدمات تلبى احتياجاته، بحيث لا تقوم على التدليس والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم، وهذا في رأيه أدعى بدعم صناعة المصارف المتوافقة مع الشرع لجميع المنتجات وتفهم متطلبات العملاء خدمة للإنسان في أي بقعة من بقاع العالم.

وفي هذا الصدد، لفت الخولي إلى أن التورق يصلح لتمويل رأس المال العامل، كأحد أدوات التمويل في المصارف المتوافقة مع الشرع وأكثرها شيوعا، كأن تدفع مثلا رواتب الموظفين أو غير ذلك من الاحتياجات، التي لا يمكن تمويلها بالأدوات الأخرى أو لسد احتياج بعض الأفراد للنقد.

إلا أن الخولي، يرى أن التورق تحول من حل لمشكلة السيولة إلى أداة التمويل الرئيسية لدى بعض المصارف نتيجة لسهولة الإجراءات سواء بالنسبة إلى العميل أو المصرف، مما أدى إلى النمو الهائل لهذه الأداة على حساب أدوات التمويل الأخرى.

وأكد الخولي على عدم إلمام الكثيرين ممن يعمل في هذا المجال بمخاطر الصيغ الإسلامية التي تختلف باختلاف الصيغة المستخدمة، حيث إن تركيزهم ينصب على أن تكون الأداة شرعية وسهلة الإجراءات لاعتقادهم أن مخاطر الصيغ واحدة، واعتقد الخولي أن هذا خطأ واضح، حيث إن لكل صيغة من صيغ التمويل مخاطرها.

ويعتقد الخولي أن الخطر الأكبر الذي يواجه صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل في الدول الغربية يتمثل في التمسك بالشكل دون الموضوع، إلا أنه قال إنه يمكن الحد من ذلك من خلال إلزام تلك المصارف بالرقابة الشرعية على أعمالها، والتوسع في ذلك بحيث يكون لكل مصرف مراقب شرعي خارجي يتوافر له الاستقلالية مثل مراقبي حسابات المصرف حتى لا تبتعد المنتجات الإسلامية عن مقاصد الشرع.

من ناحية أخرى، يرى الخبير المصرفي محمد الشلفان، أن توحيد المعايير التشريعية للصناعة هو التحدي الأصعب أمام المصرفية الإسلامية لكي تواصل انتشارها في الدول الغربية، مبينا وجود مدرستين مختلفتين تماما في المصرفية الإسلامية، إحداهما توجد في دول الخليج وتوجد الأخرى في ماليزيا.

وفي رأي الشلفان فإن الأسس التي تقوم عليها المنتجات في هاتين المنطقتين مختلفة عن بعضها، بل يعتقد أنه حتى في داخل المدرسة الواحدة، فإنه لا وجود لمعايير محددة وثابتة ومعتمدة في معظم الدول التي يتوقع منها أن تصدر الصناعة.

ويعتقد الشلفان أن الأمر قد يكون مقبولا عندما يكون القضاء شرعيا، حيث يبت القضاء الشرعي في مواطن الخلاف بناء على المفاهيم الشرعية المعروفة، وهو ما يتفق في معظم الأحيان مع تصور من صاغ هذه المنتجات والعقود ومع اللجان الشرعية التي أجازتها ابتداء، إلا أن هذا الأمر - والحديث للشلفان - سيكون مستحيلا عند الإحالة إلى الأنظمة التي لا تميز الشرعي عن غيره.

وأشار الشلفان إلى أن وجود قاعدة تشريعية أمر مهم لتطوير مسيرة المصرفية الإسلامية داخل إطار الدول الإسلامية، ولكنه أمر ضروري ولا مناص عنه، إذا ما أرادت الصناعة الانتشار خارج هذا الإطار، حيث لا بد من وجود أطر تشريعية يمكن اللجوء إليها في حال وجود خلاف ما مع مراعاة ما يتوجب مراعاته - شرعيا - في أحوال الاحتكام عند وجود خلاف ما.

وزاد الشلفان، أنه من التحديات التي تواجه انتشار المصرفية الإسلامية في الدول الغربية، نقص الخبرات والكفاءات في هذا المجال، بدءا بأعضاء اللجان الشرعية ومرورا بالمختصين بتطوير وهيكلة منتجات التمويل والاستثمار الإسلامية، في ظل ندرة عدد أعضاء اللجان الشرعية مقارنة بالنوافذ الإسلامية الموجودة.

وأوضح الشلفان أن عدد الكفاءات يتضاءل بشكل أكبر عند حصر الأعضاء المتحدثين للغة الإنجليزية، ناهيك عن النقص الكبير في عدد مطوري المنتجات الإسلامية المحترفين وكذلك المراقبين الشرعيين المصرفيين.

ويرى الشلفان، أن علاج هذا النقص عبر إيجاد معاهد وكليات متخصصة في المجال يعتبر تحديا كبيرا، مؤكدا على أنه بالرغم من أن الصناعة ليست موجهة للمسلمين فقط فإن الشريحة الأكثر اهتماما بها هي الشريحة المسلمة، وبالتالي فإن تحديد الدول التي تستطيع المصرفية الإسلامية النهوض منها في الدول الغربية هو تحد في حد ذاته، وذلك عبر دراسات دقيقة لنسب المسلمين واحتياجاتهم في الدول التي من الممكن البدء بها.

وأبرز الشلفان الفروق الحقيقية في جوهر المعاملات الإسلامية وإظهار الجوانب الأخلاقية به سواء المتعلقة بطريقة الاستثمار والتمويل وأهدافها، مؤكدا أن تسويق الصناعة على أساس كونها صناعة أخلاقية سيسهم في جذب سوق إضافية خارج دائرة المسلمين.

ودعا الشلفان إلى ضرورة إيجاد رقابة مركزية على تنفيذ المعاملات داخل الدول الرائدة في الصناعة حاليا، حيث يختفي هذا الدور داخل بعض الدول المشهورة في هذه الصناعة وهو ما يضعف مصداقية العمل المصرفي الإسلامي ويكثر من مسائل التشكيك والخلاف، الأمر الذي يجعل الجهود تنصب إما على معالجة الأخطاء وإما الجدل حولها بدلا من تطويرها وتصديرها، كما أن الصناعة تصدر كحزمة متكاملة واختفاء الدور الرقابي في دول تعتبر رائدة في المجال سيصعب من أمر نقل التجربة خارجيا.

وفي حديث ذي صلة، أوجز الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، أهم تحديات صناعة المصرفية الإسلامية التي تواجه انتشارها في الغرب تحديدا، حيث غياب الوعي الفكري المغذى بالفهم الإسلامي الصحيح، مع أهمية الإشارة إلى أن الصناعة المصرفية ليست إلا أداة يمكن تطبيقها من خلال الوعي والذوق العام وليست مجرد تجربة تعمم على الكل في ظل غياب الجانب الأهم وهو الفهم الصحيح لقواعد اللعبة.

كذلك من التحديات في رأي باعشن، تعميم المنهج الإسلامي الاقتصادي كنموذج وعقيدة تدرس من خلال النظم المصرفية الأخرى، مع أهمية ابتعاث الفرق المصرفية الغربية للنيل من العلوم الإسلامية أسوة بالعلوم الأخرى التي يدرسونها في معاهدهم وجامعاتهم، مع ضرورة الالتزام بالشروط والواجبات التي يحددها الشرع كنظام غير قابل للتعديل.

وتصور باعشن أنه يمكن الاهتمام ببعض المعايير التي يجب معالجتها في الغرب لتواكب وتلائم المصرفية الإسلامية ومن ثم المساهمة في زيادة مساحة انتشار المصرفية الإسلامية في الغرب، من خلال معالجة السياسات النقدية المصرفية وسياسات التمويل بجميع أنواعه، وكذلك القضاء على سعر الفائدة ليتدنى إلى أقل درجة ممكنة.

وأوضح أنه يمكن تنفيذ ذلك من خلال أجندة دورية بالتنسيق مع الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي إلى جانب علماء المجمع الفقهي الإسلامي وغيره من المؤسسات الدعوية الأخرى التي من شأنها أن تدفع الغرب إلى الاعتراف بأن المصرفية الإسلامية أساس مصرفي خال من عيوب النظام المصرفي التقليدي.

ودعا باعشن إلى ضرورة الاهتمام بالعمل على ابتكار الجديد في مجالات صناعة منتجات المصرفية الإسلامية، مبينا أن هناك منتجات أخرى تحتاج إلى إعادة صياغة، في الوقت الذي توجد فيه منتجات أخرى يجب أن تدخل في حيز منتجات المصرفية الإسلامية، ومنها نظام المزارعة ونظام المتاجرة.

غير أن باعشن يعتقد أن المحك الأساسي يبقى في مسألة التطبيق والتنفيذ، مشيرا إلى أن كليهما يحتاج إلى عنصر القدرة على تقبل الفكر الذي يفرضه الواقع.

أما فيما يتعلق بأكثر المخاطر التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في الدول الغربية، فيرى باعشن أنها تكمن في اعتبار النظام المصرفي مخرجا فقط للأزمة وليس أجندة بفهم عميق وإيمان راسخ، مع ملاحظة تطبيق النظام المصرفي الإسلامي، وكذا التمويل الإسلامي فقط لدى فئة قلة تؤمن بالفهم الإسلامي ومفاهيمه باعتباره عقيدة وليس وسيلة.

ومن المخاطر في رأي باعشن تجرد الغرب من الفهم الأولي لمبادئ الاقتصاد الإسلامي وصعوبة تقبله للفكر والنظام المالي والاقتصادي الإسلامي، في ظل تدني الرؤية لدى الكثير من الغربيين عن مستوى الفكر الإسلامي ومقارنته على الدوام بالفهم التقليدي، وكذلك وجود مخاطر أخرى مثل الإرهاب والجهل والمرض. وللخروج من هذه المخاطر، يعتقد باعشن أنه لا بد من العمل على تنقية وتصفية الأجواء إلى مدى يمكن فيه للغرب الفهم الصحيح للمسلم ومدى تمكنه من إيجاد حلول ناجعة لقضاياهم المتسرطنة التي ما فتئت تفتك بهم.