استقبال الصيرفة الإسلامية لرمضان

لاحم الناصر

TT

يستعد المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لاستقبال رمضان صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، يجمعهم الشوق فهم كمدله صب أضناه الشوق إلى حبيبه، فهو يترقب حضوره بعد طول غياب ويستعد للقائه أحسن استعداد، ومن ثم فإنك تجد المساجد تجملت بأحسن حللها لاستقبال القائمين وخيم الموائد نصبت لاستقبال الصائمين وأهل البر والإحسان ممن تفضل الله عليهم، فأفاض عليهم من نعمه بالمزيد قد شمروا عن ساعد الجد يخططون ويعدون العدة لكيفية تقديم المساعدة لإخوانهم من المحتاجين والتوسعة عليهم في شهر البر والإحسان اقتداء بالحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري، رحمه الله: (كان رسول الله -‏ ‏صلى الله عليه وسلم - ‏‏أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه ‏ ‏جبريل،‏ ‏وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول الله -‏ ‏صلى الله عليه وسلم -‏ ‏أجود بالخير من الريح ‏ ‏المرسلة‏)، وفي خضم هذه الاستعدادات نلاحظ غيابا يكاد يكون كاملا لصناعة الصيرفة الإسلامية ومؤسساتها عن المشهد، فلا برامج إفطار ترعاها، ولا خطة لمساعدة المعوزين والمحتاجين للتوسعة عليهم في رمضان تضعها، وليس لها أي جهود تذكر في رعاية برامج التوعية في هذا الشهر الكريم، سواء التي تقام في المساجد كحلقات تحفيظ القرآن الكريم وحلقات الدرس والعلم وحفظ الحديث الشريف أو البرامج التلفزيونية أو الإذاعية، وهذا الغياب لا يمكن تبريره لمؤسسات تستمد شرعيتها في مجتمعها، ولدى عملائها من زعمها بأنها تطبق الشريعة الإسلامية، فهي تستمد قوتها وتحقق أرباحها برفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية التي تحض على الإنفاق ورعاية المحتاج والتكافل بين مكونات المجتمع، كما أنها بغيابها هذا تتخلى عن القيام بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مجتمعها الذي تمارس أعمالها فيه، وهذا أمر غير مقبول في العرف المؤسساتي الحديث، فقد أصبحت المسؤولية الاجتماعية ركنا أساسيا في الهيكل التنظيمي المؤسساتي الحديث، ومن هنا يجب على مجالس الإدارات في هذه المؤسسات إضافة بند على جدول أعمال الجمعية العمومية كل سنة يتعلق بموافقة الجمعية على تخصيص مبلغ من أرباح المؤسسة، كتبرع يتم صرفه في رمضان على المناشط الخيرية لأن هذا المال الذي ستتبرع المؤسسة به، هو مال مجموع المساهمين، ولذا لا بد من موافقة الجمعية العمومية عليه، لأن حل أموال العباد منوط برضاهم، وهذا الرضا لا يتحقق بموافقة مجلس الإدارة فقط، كما أن تخصيصه من الجمعية العمومية كل سنة يجعله أمرا ثابتا في مصروفات المؤسسة غير قابل للتغيير أو عدم التنفيذ، فلا يخضع لأهواء الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة في قابلية الصرف من عدمه، كما أنني أدعو الجمعيات العمومية في المؤسسات المالية الإسلامية، بل وجميع المؤسسات المالية إلى إعفاء جميع الأعمال الخيرية من الرسوم، بحيث تصبح الخدمات المقدمة من المؤسسات المالية في هذا الجانب مجانية.

وفي مقام البذل والعطاء في رمضان أود الإشادة بمبادرتين لمؤسستين ماليتين، إحداهما إسلامية صرفة، والأخرى لديها نافذة إسلامية، فأما المؤسسة المالية الإسلامية الصرفة، فهي «دلة البركة»، ومبادرتها هي ندوتها المباركة التي تعقدها سنويا في رمضان، وأما المؤسسة المالية التي لديها نافذة إسلامية، فهي «بنك الرياض»، وكانت مبادرته في رمضان الماضي، حيث تبنى البنك توزيع سلال غذائية على المحتاجين بالتعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية، وهي مبادرة أتمنى أن تتبناها جميع المؤسسات المالية وأن تتطور إلى صور أخرى من البذل والعطاء والتوسعة على المسلمين في هذا الشهر الكريم، ولعل من أهم صور البذل والعطاء التي يتم التوسعة على المحتاجين بها في هذا الشهر الكريم الذي يأتي هذه السنة في أشد الفصول حرارة، هو تقديم ما يخفف عنهم هذه المعاناة، وذلك بالتبرع بتحمل تكاليف الكهرباء وتوفير المكيفات والثلاجات لهم، بحيث يقضون هذه الفريضة براحة ومن دون مشقة ولا شك أن هذا الأمر من أرقى صور التكافل الاجتماعي بين المسلمين، وهو ما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فهل تحب أخي المسلم صيام هذا الشهر في هذا الصيف اللاهب دون تكييف؟؟ أرجو أن تكون الإجابة بالعمل، لا بالقول.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.

* مستشار في المصرفية الإسلامية