الصيرفة الإسلامية على طريق المشاهير

TT

منذ نجت الصيرفة الإسلامية من الأزمة المالية العالمية أصبحت محط نظر عالم المال في العالم بمختلف مناشطه من جامعات ومراكز أبحاث وصحافة، فهي عنوان يكاد يكون ثابتا في أجندة المؤتمرات والندوات المالية. كما أسست أقسام لها في الجامعات الغربية والعربية، وتصدر حولها يوميا الكثير من التقارير والأبحاث من مختلف الشركات المالية والاستشارية الكبرى، وتتابع نشاطها كبريات الصحف المالية العالمية، كـ«الإيكونومست»، و«الفايننشال تايمز»، و«الوول ستريت جورنال»، بل وتفرد لها التقارير والملفات الصحافية. وقد سعت كبريات الشركات المزودة للبيانات المالية، كـ«طومسون رويترز»، لإنشاء منصات خاصة بصناعة المال الإسلامية.

ولذا فقد أصبحت جميع حركات وسكنات هذه الصناعة مرصودة بدقة كما هي حياة المشاهير، فزالت الضبابية التي كانت تغلفها وأصبحت بياناتها أكثر شفافية ووضوحا، فلم يعد هناك مجال كبير للتعتيم على الأخطاء أو تجاهلها، ولم تعد العموميات تجدي نفعا في الإجابة عن التساؤلات المطروحة. حيث أصبحت هذه التساؤلات تطرح من قبل محترفين، فإما أن تكون الإجابة مقنعة وعلمية وإما تصنف في خانة المراوغة والتعتيم، مما يفتح الباب على مصراعيه لمتابعة أدق وفحص أشمل. ولا شك عندي أن أمر متابعة ومراقبة هذه الصناعة سيتطور بحيث يصل إلى متابعة صانعي القرار بها من مؤسسين ومجالس إدارات وتنفيذيين ووضعهم تحت المجهر.

إن هذه الرقابة والمتابعة ستضايق الكثير من المؤسسات المالية والقائمين عليها لأنها تحد من قدرتهم على التحكم في تدفق المعلومات، إلا أنها ستكون مفيدة لبيئة العمل وللمؤسسة المالية وللمستثمرين، حيث ستوفر حماية نسبية من ممارسات الفساد التي تنخر في بعض مؤسسات هذه الصناعة، وستؤدي إلى تطور الأداء المهني للعاملين في هذه الصناعة، حيث يعلم الجميع بأن عمله مراقب وأخطاءه مرصودة ولا يمكن التستر عليها. كما أنها ستؤدي إلى تطور خدمات هذه الصناعة بحيث تصل إلى مثيلاتها من الخدمات المقدمة في المؤسسات التقليدية من حيث الكفاءة والسرعة والتكلفة والسعي لرضا العملاء.

كما أن هذه الرقابة ستجعل الهيئات الشرعية أكثر تأنيا ودقة في فتاواها وقراراتها، فلا يصدر القرار إلا بعد دراسة وتمحيص وأخذ ورد وعن قناعة تامة مبنية على الدليل وظاهر التعليل، وهو أمر مشاهد محسوس حيث إنه بعد الضجة التي أثارها تصريح الشيخ تقي الدين عثماني حول الصكوك، أصبح أعضاء الهيئات الشرعية أكثر حرصا عند إصدار الفتاوى والقرارات. كما قامت بعض الهيئات الشرعية بمراجعة إجازتها لمنتج التورق المصرفي المنظم في السلع الدولية، وأصبحت تضغط من أجل التحول إلى السلع المحلية بعد الحملة التي شنتها الصحافة على هذا المنتج وما دار حوله من نقاش وصدر فيه من قرارات مجمعية.

إلا أن هذه الشهرة والرقابة العالمية التي تتمتع بها صناعة المال الإسلامي اليوم، مع ما فيها من إيجابيات كثيرة ذكرنا بعضها، فإنها تسببت في بعض الأذى لها، حيث لفتت أنظار بعض الحركات المتعصبة في الغرب إلى نشاط هذه الصناعة وقوة نموها فسعت لإجهاضها ومحاربتها بزعم أنها تسعى لأسلمة المجتمع الغربي فأنشأ بعض المتعصبين في أميركا حركة باسم «أوقفوا أسلمة أميركا».

ومن ثم يجب على صناعة المال الإسلامي أخذ هذا الأمر في الحسبان، بوضع الاستراتيجيات الملائمة للتعامل مع هذه الحركات والبحث في السبل الملائمة لتبديد المخاوف التي تثيرها لدى مجتمعاتها، مع الحرص على التعامل باحترافية بالغة مع الإعلام، والحذر من الوقوع في الفخ الذي تنصبه هذه الحركات لها بإظهارها على أنها مؤسسات دينية تبشيرية وليست مؤسسات مالية. ومن ذلك توعية أعضاء الهيئات الشرعية لديها بالطريقة المثلى للتحدث مع الإعلام وفي المؤتمرات المفتوحة، عبر إقامة الدورات التدريبية المتخصصة في هذا المجال لأن ما يقال في الإعلام يجب أن يختلف في الأسلوب عما يقال في المسجد أو مجالس العلم والمجالس الخاصة، وإن كان الحكم واحدا. اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.

* مستشار في المصرفية الإسلامية