غدا.. أنظار صناعة المصرفية الإسلامية تتجه صوب جدة السعودية مع انطلاق ندوة «البركة» السنوية

عدنان يوسف رئيس المجموعة: «الزكاة» و«تعهدات مديري العمليات» أبرز المواضيع الجديدة التي ستناقش هذا العام

كثير من المصرفيين يعولون على ندوة «البركة» في تخريج جيل جديد من الشرعيين («الشرق الأوسط»)
TT

تتجه أنظار العاملين في المصرفية الإسلامية غدا الأربعاء صوب محافظة جدة (غرب السعودية) مع انطلاق فعاليات ندوة البركة الحادية والثلاثين، التي تنظمها وترعاها مجموعة «البركة» المصرفية.

وتعرض الندوة التي تنظم بصفة سنوية في شهر رمضان من كل عام بعض المسائل المصرفية المستجدة والتعرض لها بالبحث والمناقشة من الناحيتين الشرعية والفنية من قبل نخبة من العلماء والفقهاء المعروفين على الصعيدين الإسلامي والدولي.

بالإضافة إلى مجموعة من الخبراء في مجال المال والأعمال والمصرفية والتمويل الإسلامي، بهدف الاتفاق على مجموعة من التوصيات والفتاوى التي تسهم في إثراء العمل المصرفي الإسلامي وترشده، وتطرح حلولا ناجحة للمشكلات التي تواجه التطبيق العملي لها.

وأصبحت الفتاوى والتوصيات التي تصدر عن الندوة مرجعا علميا، وقاعدة بيانات ومعلومات تسترشد بها الأبحاث والفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، والمجامع الفقهية، والهيئات والمنظمات المختلفة في سائر أنحاء المعمورة؛ حيث تستند معظم قرارات وتوصيات الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية والهيئات والمنظمات المختلفة على تلك الثروة من الفتاوى والتوصيات كما تعتبر قاعدة ومنطلقا ومعينا لتأسيس كثير من منشآت ومنظمات الأعمال الإسلامية. وقال عدنان أحمد يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة «البركة» المصرفية، إن المحاور العلمية لندوة هذا العام تشمل دور الجهات الرقابية في الضبط الشرعي للصكوك والأدوات المالية الأخرى، وكذلك قضايا معاصرة في الزكاة ويقصد بها المسائل المستجدة من حيث أنواع الأموال العصرية الممثلة للموجودات الزكوية (الأسهم) أو ما يضم للموجودات (الديون) وغيرها.

وأضاف يوسف أنه ستتم كذلك مناقشة تعهدات مديري العمليات الاستثمارية مثل تعهد المضارب لأرباب المال بشراء موجودات المضاربة عند انتهاء مدتها، وتعهد الوكيل بضمان مديونيات من يتعامل معهم وتعهد أحد الشريكين بضمان المشاركة وغيرها من التعهدات، ثم مخاطر الثقة في تطبيقات المضاربة وعلاجها. وتابع أنه سيشارك في الندوة بتقديم البحوث فيها والتعقيب عليها والمشاركة في مداولاتها، نخبة من العلماء والفقهاء والخبراء في مجالات التمويل والاقتصاد الإسلامي إضافة إلى جمهور المدعوين من العلماء والمفكرين والباحثين والمهتمين بشؤون الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية، إلى جانب التنفيذيين في المؤسسات المالية الإسلامية من داخل السعودية وخارجها. وانطلاقا من الدور الهام الذي تلعبه ندوات «البركة» على صعيد تأصيل أحكامها الفقهية، بدأ التفكير العميق والمضني في تصميم أدوات مالية إسلامية لحل مشكلات عميقة تواجه مسيرة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، تتمثل في مشكلة ضخ وامتصاص السيولة في غياب خطة مشتركة بين البنوك الإسلامية للتعاون والتكامل فيما بينها ومشكلة وجود الفرص الاستثمارية الجاهزة والمبنية على دراسات جدوى مهنية وتسييل الاستثمارات عند الحاجة. وبعد دراسات وتجارب وبحوث تم الاهتداء إلى تأسيس بعض الشركات في مجال الأوراق المالية والصناديق الاستثمارية في المنطقة العربية والإسلامية. وراعت الفتاوى الصادرة عن ندوات «البركة» المصرفية السابقة حداثة التجربة وأهمية إثبات وجودها وقدرتها على الاستجابة لحاجات المتعاملين والمنافسة التي تواجهها من قبل البنوك التقليدية، وعدم اعتراف الجهات الإشرافية ممثلة في السلطات النقدية بها، الأمر الذي ضيق على تلك المصارف الناشئة، واستدعى نوعا من التيسير والتخفيف عليها من قبل العلماء الأفاضل، وذلك في إطار أحكام وقواعد الفقه الإسلامي، وكانت هذه إحدى تداعيات قيام الندوة ثم نجاحها. وفي ظل تنامي مفهوم العمل المصرفي الإسلامي، وزيادة عدد المؤسسات المالية الإسلامية، وتزايد حجم موجوداتها وودائعها بشكل مطرد، وبعد نشأة كثير من المؤسسات الدولية الداعمة للعمل المصرفي الإسلامي وتفهم المصارف المركزية لعملها وآلياتها واتجاه كثير منها للتصديق لها وفق أنظمتها الخاصة بها والإشراف عليها وفق معايير وضعت خصيصا لها. وبعد أن تعددت المنتجات المالية الإسلامية التي تخدم الحكومات والهيئات والأفراد وامتد العمل المصرفي الإسلامي إلى الأسواق والمراكز المالية الدولية جاء الوقت لأن تحكم تلك المصارف الإسلامية من ناحية التطبيقات بالعزائم بدلا من الرخص، وبالفتاوى الدائمة بدلا من تلك المؤقتة أو المرحلية.

ويضيف الرئيس التنفيذي لمجموعة «البركة» المصرفية، أن انعقاد ندوة البركة بهذه الصورة الدورية المنتظمة يعتبر فرصة سانحة للعلماء والمفكرين والمصرفيين وكبار المسؤولين والتنفيذيين في الصناعة المالية الإسلامية للنقاش وتبادل الآراء في القضايا المصرفية والمالية الملحة والمستجدة في الصناعة كما أنها فرصة للتنفيذيين ببنوك البركة للالتقاء المباشر وتبادل الخبرات والتشاور في كل ما يتعلق بسير العمل المصرفي الإسلامي في وحداتهم والاستفادة من ذلك كله في تطوير أعمالهم ومواجهة ما قد يعترضهم من مشكلات طارئة والتعامل مع المستجدات التي تطرأ على النظام المصرفي العالمي.

من جهته، أوضح عبد الرزاق بن محمد الخريجي نائب الرئيس التنفيذي ورئيس مجموعة «تطوير العمل المصرفي الإسلامي» في البنك الأهلي، أنه بالنظر إلى ما قامت به ندوة البركة اليوم ومقارنتها بالمؤتمرات التي تتم على مستوى المصرفية الإسلامية ككل، نجد أنها متميزة بأنها غير تجارية، وأن نجاحها في استمراريتها الثلاثين عاما الماضية. وبعدد الحضور الكبير الذي يحضر الندوة كل عام.

وبين الخريجي أن هناك بعض المميزات للندوة، منها نوعية الحضور الذي يضم عددا كبيرا من المهتمين بالمصرفية الإسلامية، والجميع أصبح اليوم يحرص على حضور الندوة، إلى جانب نوعية المتحدثين، والمواضيع التي تطرح في الندوة، وهي الأساس الذي يبنى لمستقبل المصرفية الإسلامية، وأن كل هذه العوامل تعتبر أهم الأسباب الرئيسية للنجاح الكبير للندوة.

وأضاف الخريجي أنه لا شك أن مواضيع الندوة التي تطرح كل عام مهمة جدا لعمل المصرفية الإسلامية ومن الأساسيات المهمة لبناء العمل المصرفي، وفي بعض الأحيان القليلة يكون هناك تكرار لبعض المواضيع، وهذا قد يعود لأهمية بعض المواضيع.

وتابع أن المسؤولين عن الندوة يحرصون على الاستئناس برأي العاملين في المصرفية الإسلامية، فضلا عن الممارسين أو المشاركين أو المتحدثين، وهذا ما يعزز من إثرائها. ويرى الخريجي أن الندوة بإمكانها المساهمة في بناء جيل جديد من الشرعيين الشباب في المستقبل، وأنهم يتمنون أن تساعد الندوة على إظهار كثير من المشايخ والتشريعيين وإعطاء الفرصة للوجوه الشابة حتى يكونوا داعمين للعمل المصرفي الإسلامي، وحتى تستطيع الندوة المزاوجة بين الجيل الحالي للشرعيين وجيل الشباب.

واعتبر الخريجي الندوة مساهمة في الاقتصاد الإسلامي بشكل عام، والمصرفية الإسلامية تعتبر جزءا من هذا الاقتصاد، ولذلك العيون دائما ما تراقب ما ستسفر عنه قرارات وتوصيات الندوة في كل عام.

كما يرى الدكتور عز الدين خوجة الأمين العام للمجلس العام للبنوك الإسلامية، أن الندوة باتت صرحا كبيرا وشامخا في الصناعة المالية الإسلامية، مبينا أنه عند الحديث عن الصناعة فإننا نتكلم عن الندوة التي انطلقت عام 1981 في رحاب المدينة المنورة، وهي تعتبر مبكرة جدا في ذلك الوقت.

وأوضح خوجة الذي رافق صالح كامل مؤسس الندوة منذ انطلاقتها، أن المؤسس كان عنده رؤية بعيدة، وأراد أن يؤصل للعمل المصرفي الإسلامي وأن يضع آلية معينة تساعد هذه الصناعة لأن تستمر في توجهها وفي نموها في الطريق الصحيح، وكانت الفكرة الأساسية في أنه لا بد من ربط الفنيين والتنفيذيين ورؤساء البنوك مباشرة مع العلماء والشرعيين ومناقشة قضايا تتم خلال السنة وتثار على المستوى التطبيقي، ومن ثم يعرض الجانب الفني على العلماء والشرعيين ومن ثم يتم الحكم حوله ومناقشته.

وقال خوجة إن ما يميز هذه المجموعة والندوات أنه بعد سنوات استطاعت أن تثبت لها وجودا مستمرا على الرغم من كل الظروف، وأنه لا توجد أي ندوة استطاعت أن تحقق هذه الاستمرارية وهذا النمو في نوعية المواضيع والقضايا وفي نوعية الحضور التي أصبحت تستقطب خبراء ومتحدثين من مختلف الدول، وأن الندوة كونت بذلك ثروة فقهية كبيرة جدا ولا يستطيع أي شخص يعمل في المصرفية الإسلامية أن يتجاهل هذه الحقيقة من خلال ما يصدر عنها من توصيات وقرارات تعتبر دقيقة وهي متاحة وتطبع بشكل دوري ومستمر وتتاح لكل مهتم بهذه القضايا.

وأضاف الأمين العام للمجلس: «إننا رأينا بعض القرارات يبلور بعضها البعض وأصبح يستفيد منها الجميع كالمعايير الشرعية المطبقة في بعض البنوك، وهي تتميز بعمقها وواقعيتها وهي مؤصلة بالجانب الشرعي».

وتابع الدكتور عز الدين خوجة أنه بدأ بحضور الندوة منذ الدورة الثانية في تونس، مشيرا إلى أنه طوال هذه السنوات استطاعت الندوة تقريب الرؤى بين الفنيين والشرعيين، مما كان له الأثر في تقوية المصرفية الإسلامية.