عثماني: لست راضيا عن عمل البنوك الإسلامية إلا بتطبيق شرطين

رئيس المجلس الشرعي في هيئة المحاسبة لـ «الشرق الأوسط»: فلسفة الاقتصاد الإسلامي هي المطلوبة في عمل المصارف

الشيخ تقي عثماني
TT

أكد أحد أبرز أعلام المصرفية الإسلامية في الوقت الراهن والخبير الشرعي، الشيخ تقي عثماني، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، أن المصرفية الإسلامية قدمت خدمات كبيرة للمجتمعات التي تعمل بها، معترفا بوجود قصور ملموس في صناعة المصرفية الإسلامية.

لكن عثماني قال إن صناعة المصرفية الإسلامية بوضعها الحالي أسهمت في إنقاذ المجتمعات الإسلامية من الوقوع في المشتقات المالية، والبعد عن الربا المحرم، كما أسهم في تجنبها كثير من تبعات الأزمة المالية العالمية.

وأوضح عثماني الذي يقيم ويعمل في باكستان، أن هناك بنوكا إسلامية تطبق الشروط التي تطلبها الهيئات الشرعية، لكنه أقر بأن هناك بنوكا، وهي قليلة قد تكون أخطأت في بعض المنتجات، لكنها لم تحد عن الواقع الحقيقي لها.

وأوضح في حوار لـ«الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر الهيئات الشرعية، الذي عقد مؤخرا في البحرين، أن المصرفية الإسلامية في باكستان لا تزال دون المستوى المأمول، وأن هناك جهودا كبيرة للعمل على انتشارها ونموها.

وإلى تفاصيل الحوار:

* كيف تقيم مؤتمر الهيئات الشرعية الأخير؟

- المؤتمر جيد، وحضره الكثير من العلماء في المصرفية الإسلامية، وقد قدمت بحوثا جيدة، وطرحت مواضيع جديدة لم تدرس في المؤتمرات السابقة، مثل ملف إدارة السيولة، خاصة بالنظر إلى الأزمة المالية التي أحدثت مشكلات، وإن كانت المؤسسات الإسلامية تأثرت بشكل أقل، ولكن تأثرت لأن بعض عملائها تأثروا بالأزمة.

* عندما صرحت قبل عامين بخصوص سوق الصكوك الإسلامية، هل كنت تتوقع أن تنهار السوق بهذا الشكل؟

- ما كانت لي فكرة حول ماذا سيحدث في سوق الصكوك، ولكن أنا أفصحت عما كنت أراه من الناحية الشرعية، لأنني كنت أرى أنه من الناحية الشرعية لا بد من إصلاح آلياتها، ولكن بالنسبة لماذا يحدث في السوق فليس لي علاقة به.

* لكن أنت لم تفصح عن واقع الحال إلا عندما سألك الصحافي؟

- لا.. أنا كنت قد تكلمت عن السوق في المؤتمر، وفي المؤتمرات الأخرى، ثم أفصحت عن ذلك في بعض الكتابات، وتكلمت عن ذلك في أكثر من مناسبة.

* وهل تحسن الوضع الآن في السوق؟

- لم أراجع الصكوك الجديدة، لأنني لم أتمكن من ذلك، لأن الصناعة المالية الإسلامية ليست عملي الوحيد، وإنما عندي جهات وعمل آخر، وأيضا عملي بعيد عن الشرق الأوسط فأنا في باكستان، وربما لا أطلع على ما يحدث في السوق.

* هل أنت راض عن الأدوات المالية التي تطرحها البنوك الإسلامية؟

- الرضا له معنيان، الأول أنه لو طبقت هذه الأدوات بجميع شروطها، فإنها جائزة شرعا، ثم المعنى الثاني، هو الطريق الأمثل الذي يمثل فلسفة الاقتصاد الإسلامي. لأنني أرى أن الطريق الأمثل للصناعة المالية الإسلامية، هو أن يكون التمويل على أساس المضاربة والمشاركة، لأنه بهذا الطريق يمكن أن تنتقل الأرباح الفعلية عن طريق البنوك إلى عامة المودعين. والوضع الآن في السوق التقليدية يعتمد على أن المودعين يودعون أموالهم في البنوك، وهذه البنوك تستغرق الأموال كلها، ثم الذي يستخدم هذه الأموال هم قلة قليلة، فكأنما هذه القلة القليلة هي التي تستفيد من أموال كل الناس، فحينما تربح هذه القلة من وراء العلميات الضخمة التي تكون في جيبها، وتعطي نسبة فائدة قليلة، التي تسمى «الفائدة» في البنوك التي تنتقل إلى المودعين، فهذه النسبة التي يحصلون عليها قد لا تكون مساوية لنسبة التضخم، فمعنى ذلك أن العامة لا يستفيدون من هذه الأموال.

لذا لو كانت هذه الصناعة تعود بالفائدة على الجميع، فهذه الفلسفة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، عن طريق المشاركة والمضاربة، فأنا لست راضيا بالمعنى الثاني، وإنما راض بالمعنى الأول إذا طبقت شروطه، في الوقت الذي لا نقول فيه إن كل المؤسسات المالية الإسلامية تطبق الشروط، بل هناك بعض البنوك الإسلامية التي تطبق الشروط المطلوبة للأدوات المالية.

* أنت عضو في المجلس الإسلامي، وهناك من حرم التورق المنظم، وهناك من أجازه، فكيف ذلك؟

- ليس هناك تحريم مطلق، وليس هناك تحليل مطلق. هم حرموا بشروط، وهم أحلوا بشروط. فليس هناك تعارض حقيقي بين القرارين، لأنك لو راجعت المعيار، الذي صدر عن المجلس الشرعي في هيئة المؤسسات المالية الإسلامية وتجد شروطا قاسية في جواز التورق.

* وهل تطبق هذه الشروط القاسية؟

- التطبيق.. لا نستطيع أن نحكم على المؤسسات بصفة عامة، إنهم طبقوه وقد يكون التطبيق مناسبا وقد لا يكون، وهذا ليس في التورق فقط، بل في المرابحات وكل شي.

* بشكل عام.. هل ترى أن البنوك الإسلامية خدمت مجتمعاتها؟

- كما ذكرت.. هي قدمت بعض الخدمات الجيدة، حيث إن المؤسسات التي تطبق الشروط أتاحت فرصة للمتعاملين معها، وأن تكون عملياتها موافقة للشريعة الإسلامية، وهذا مطلب كبير ومهم. ويعني أنهم كانوا قبل ذلك يلجأون للمعاملات الربوية، والآن التخلص من الربا، وهذا في حد ذاته مهم، ولو لم يكن هناك شيء آخر للتخلص من الربا فهذا مطلب كبير وخدمة كبيرة، فهذه المؤسسات قدمت هذه الخدمة. قلت إن هذه الأدوات التي تستخدم في البنوك الإسلامية ليست مفضلة، بل المفضل كما ذكرت هو المشاركة والمضاربة، ولكن هذه الأدوات على علتها لها ميزة بالنسبة للأدوات التقليدية، والميزة دائما مستندة إلى موجودات حقيقية، سواء كانت مرابحة أو إيجارة أو استصناعا، كلها مستندة إلى موجودات حقيقية تباع وتشترى وتستأجر، أما التقليدية فالتمويل لا يعتمد على موجودات حقيقية أبدا، لذلك ترى أن هناك سوقا كبيرة للمشتقات، وهذه المشتقات حجمها وقيمتها تجاوز حجم الحقيقية وتضاعف 12 مرة من قيمتها الحقيقية في كل الأرض، وهذا الذي أوقع الاقتصاد اليوم بالأزمة الشديدة، وهذه المؤسسات المالية الإسلامية بعيدة عن مثل هذه العمليات، التي ليس لها موجودات، فكلها مستندة إلى موجودات، وهي خدمة كبيرة، لا نستطيع أن نقول إنها لم تقدم أي خدمة كالتخلص من الربا وعمليات حقيقية.

* البعض يرى أنكم تحاكون المصرفية التقليدية وأسلمتها بدلا من أن تتميزوا بالأصالة؟

- في الواقع هذه نقطة واردة في نظري، وهذا ما أخشاه وكان ينبغي للمؤسسات المالية الإسلامية أن تميز نفسها عن التقليدية بالمقاصد (مقاصد الشريعة الإسلامية)، ليس بالابتعاد عن الربا، أي بالبحث عن مقاصد الشريعة، لكنه مع الأسف ظهر هناك اتجاه محاكاة لكل ما يأتي من البنوك التقليدية، وينبغي أن يكون له بديل في المصرف الإسلامي أيضا، وهذا اتجاه لا أتفق معه.

* لكن أليس لكم أطروحات في هذا المجال؟

- هناك مواضيع تميزنا فيها، وهناك مواضيع جرت فيها المحاكاة، وأنا لست راضيا عن أن يحاكى كل شيء من السوق التقليدية، فليس الفرق في الصورة، وإنما ينبغي أن يكون هناك فرق وتميز من الناحية الحقيقية للمقاصد.

* لماذا غضب البعض عندما طالبت بأن تتحجب موظفات البنوك؟

- حينما يدعي بنك من البنوك أنه إسلامي، فينبغي أن يكون إسلاميا، ليس في معاملاته فقط، بل في زيه، وفي جوه وفي جميع الأشياء، بأن يكون هناك مظهر عام من الاحتشام داخل البنوك.

* لكن بعضهم غير مسلمين؟

- ينبغي أن يبقوا على عقيدتهم، ولكن في الوقت نفسه لا بد أن يكونوا في مظهر عام ملائم.

* ما وضع المصرفية الإسلامية في باكستان حاليا؟

- تسير جيدة بالمعنى الأول الذي ذكرته.

* هل يمكن أن تكون نموذجا في المصرفية الإسلامية؟

- حاولنا، لأنها في الواقع، في المعنى الثاني، يصعب تطبيقه، إلا أن يكون عن طريق حكومة باكستان، وأن يكون تطبيق المصرفية الإسلامية على أساس الحكومة، وقد حاولنا وهي مستمرة حتى الآن. والغالب في عمل البنوك هو التقليدي في باكستان، ولا يزال الأمر بيد الحكومية التي يبدو أنها غير مقتنعة بها.