مصرفيون: اندماج البنوك الخليجية يخرجها من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية

أكدوا أن المصرفية الإسلامية ساعدت القطاع المصرفي الخليجي على امتلاك مقومات الربحية

TT

أكد خبراء مصرفيون أن قدرة القطاع المصرفي الخليجي، على امتلاك مقومات الربحية تعود إلى ما حققه في مجال صناعة المصرفية الإسلامية، على الرغم من تراجع أدائه، مؤكدين أن القطاع ليس بمنأى عن الأزمة المالية العالمية، وعلى الرغم من تحفظ البنوك من أزمة الائتمان العالمية، فإنها انتقائية في تمويلاتها.

ودعا الخبراء إلى ضرورة اتباع سياسة اندماج البنوك والمؤسسات المالية الخليجية ولا سيما الإسلامية منها، لمسايرة السياسة نفسها التي تتبعها قطاعات كبيرة في أنحاء العالم المختلفة، مع أهمية الانفتاح على نشاطات غير تقليدية كتمويل مشاريع البنية الأساسية والصرف الأجنبي، واتباع سياسة استحواذ أو شراكة مع بنوك عالمية قوية وفق معايير المصرفية الإسلامية، حتى تخرج من عنق زجاجة التباطؤ الذي يعاني منه النمو الاقتصادي بشكل عام.

ولفت الخبراء إلى ضرورة استفادة البنوك الخليجية المحلية من الفرص الناشئة من تزايد مشاريع البنية الأساسية في أنحاء المنطقة والصرف الأجنبي وتقديم الاستشارات للصناديق السيادية، موضحين أن على القطاع المصرفي الاستثماري أن يحذو حذو البنوك العالمية في زيادة دخولها من القروض المجمعة وعمليات الاندماج والاستحواذ وإصدارات الأسهم والسندات.

وقال الخبراء: «إن السيولة المصرفية السعودية تحديدا، استطاعت أن تنجو من طوق منطقة الخطر»، مع إقرارهم بأنها تواجه تحديات ارتفاع القروض المشكوك في تحصيلها من 1.8 في المائة في العام الماضي إلى 5 في المائة عام 2010، متوقعين بأن تقوم «مؤسسة النقد العربي السعودي» بمعالجة هذا الأمر من خلال العمل على زيادة ودائعها في البنوك في العام الحالي لدفع عجلة الإقراض البنكي حتى يسهم في عملية تنشيط الاقتصاد السعودي، ومن ثم محاربة البطالة من خلال خلق فرص استثمارية جاذبة.

وفي هذا السياق، أكد الخبير المصرفي، الدكتور بندر العبد الكريم أنه ما زال القطاع المصرفي الخليجي عامة، والسعودي خاصة، يملك مقومات الربحية بسبب النجاحات التي حققتها المصرفية الإسلامية، على الرغم من تراجع أدائه في الربع الرابع والأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم، مشيرا إلى انخفاض الأرباح في معظمه كان نتيجة عمل مخصصات للديون المشكوك في تحصيلها أو الاستثمارات.

وأبان العبد الكريم، أن البنوك السعودية تعثرت في العام 2009 لانخفاض الربحية بسبب مخصصات القروض المتعثرة، حيث تضاعفت تلك المخصصات بالمقارنة مع العام السابق لتصل إلى نحو 11 مليار ريال مع تعرض عدد من الشركات السعودية والإقليمية لمشكلات مالية، مشيرا إلى أن مخصصات خسائر القروض زادت إلى 1.5 في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي في 2009 ارتفاعا من 0.67 في المائة في عام 2008، بينما ارتفعت القروض المتعثرة إلى أكثر من ثلاثة في المائة من إجمالي الائتمان المصرفي في عام 2009 أي نحو مثلي مستواها في عام 2008.

وعن مخاطر استمرار المصارف السعودية في السير على نهجها الخاص بالتشدد في تقديم القروض وفيما إذا بالإمكان أن يسهم هذا التوجه في الدخول في دوامة الأزمة المالية العالمية، يقول العبد الكريم: «إن تشدد البنوك كان ناتجا عن رغبتها في معرفه وتقدير تأثير الأزمة المالية العالمية على عملائها وإعادة تقييم المحفظة الائتمانية في ظل المخاطر الناتجة عن الأزمة العالمية».

وبين أن هناك أزمة سيولة تعاني منها جميع المصارف في العالم، وأن المصارف السعودية لا يوجد بها أزمة كالتي يعاني منها العالم نتيجة عدم تأثر الاقتصاد السعودي مباشرة بالأزمة في الوقت الذي تلعب فيه الصناعة المصرفية الإسلامية دورا كبيرا فيها، في ظل استعدادات أبدتها مؤسسة النقد ووزارة المالية لضخ السيولة في البنوك متى ما كان هناك حاجة.

إلى ذلك، يرى عبد الرحمن الجدعان، الخبير المصرفي أن ما حدث في منتصف ونهاية عام 2008 من أزمة مالية عالمية أثرت وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جميع اقتصاديات العالم بصورة متفاوتة، مؤكدا أن الاقتصاد السعودي ليس بمنأى عن هذه الأزمة، بحكم أن العالم أصبح قرية واحدة يربطها الكثير من التبادل التجاري والمشاريع الاقتصادية المشتركة في ظل العولمة.

ولكن هذا التأثير بحسب الجدعان، لم يكن مباشرا لبعض دول المنطقة، وبالأخص السعودية، بحكم حداثة انفتاح الاقتصاد السعودي على العالم، معزيا أثر نتائج القطاع المصرفي في الربع الأخير من عام 2008 نتيجة للاستثمارات الخارجية وتبعات الأزمة المالية العالمية على سوق الأسهم السعودية وهذا ما يوضح تفاوت نتائج المصارف السعودية.

وأوضح الجدعان أن التشدد في تقديم القروض حاليا يعتبر قرارا حكيما لعدم وضوح الرؤية بعد، فكثير من الاقتصاديين يتوقع ازدياد الأزمة المالية العالمية والتسرع في اتخاذ بعض الإجراءات المنفتحة والتوسع في الإقراض حاليا قد يؤدي إلى نتائج عكسية تضر بالمستهلك والمستثمر في الوقت نفسه.

أما مسألة نقص السيولة، فيرى الجدعان أنها قد خرجت من منطقة الخطر ولو أنها جاءت بفوائد كبح جماح التضخم الذي بدأ ينخفض على نطاق عالمي وهو ما يؤثر على المستهلكين بشكل مباشر، مؤكدا أن البنوك السعودية استطاعت أن توفر القروض طويلة الأجل بتقديمها التمويل القصير والمتوسط الأجل، بعد فترة التباطؤ الذي عانى منه القطاع الخاص في ظل تراجع الإقراض للمشاريع الخاصة، في الوقت الذي كانت تبحث فيه عن «الربح السريع».

ومع ذلك، أشار الجدعان إلى أن ركود قطاع الأعمال في شهر أغسطس (آب) الحالي سيفرز بعض المخاطر المحدودة قصيرة الأجل بالنسبة للتي تتعلق بنمو الإقراض في هذا الشهر، مشيرا إلى ازدياد مطالبات البنوك للقطاع الخاص بما يقارب 4.4 في المائة إلى 760.35 مليار ريال منتصف عام 2010 مقارنة بالزمن نفسه منتصف العام الماضي، وتتضمن قروض البنوك بزيادة في الاستثمارات الخاصة الآمنة الشهرية تقدر بـ8.5 في المائة.

وأسند الجدعان لبيانات مؤسسة النقد، أن أغلب هذه القروض ذهبت إلى المشاريع طويلة الأجل، بسبب الطلب الكبير على هذه القروض في السوق لوجود الكثير من المشاريع تحت التنفيذ وخاصة الحكومية منها، مؤكدا أن نمو قروض البنوك، على الرغم من تحسنه، يبقى عاجزا عن الوصول إلى مستويات ثنائية الأرقام كالتي بلغها في عامي 2007 و2008، في الوقت الذي تحاول فيه البنوك التوسع في القروض الجديدة.

وقال الجدعان: «السوق المصرفية الاستثمارية في الخليج نما 17 في المائة سنويا في كل قطاعاته ما عدا السمسرة في الفترة من 2005 حتى 2007، لكن إيرادات القطاع المصرفي الاستثماري تراجعت إلى 4.2 مليار دولار في 2009 بعد أن وصلت إلى الذروة عند 5.5 مليار دولار في 2007» بحسب تقرير لمؤسسة «إيه تي كيرني للاستشارات».

وفي إشارة إلى منتجات مالية مثل السندات أو الصناديق المتداولة في البورصات، قال الجدعان: «إن أغلب البنوك الخليجية المحلية لم تحقق نموا ولم تستطع المحافظة على أي نوع من أنشطة الأوراق المالية في أغلب الحالات»، موضحا أن البنوك المحلية التي تجد سوقا متخصصة ملائمة وتحقق ربحية تعيد صياغة نفسها، وقد تصبح أهدافا جذابة لعمليات الاستحواذ، بينما من المستبعد أن تجذب البنوك الضعيفة أي اهتمام من قبل البنوك الأجنبية.

وبرأي المحلل المالي والخبير المصرفي، إسماعيل السلوم، فإن البعض قد يعزو النظرة التشاؤمية إلى مستقبل البنوك السعودية لعام 2010 بناء على النتائج الربعية لعام 2008، والتي سببتها زيادة مخصصات مالية لمواجهة الانخفاض في قيمة الاستثمارات المحلية والخارجية ومحافظ الائتمان للبنوك، مما أدى إلى تراجع أرباح البنوك للربع الرابع بنسبة 24 في المائة مقارنة مع الربع الثالث وبنسبة 11 في المائة مقارنة مع الربع نفسه لعام 2007.

وبناء على ذلك، والحديث للسلوم، فإنه من الأمور الإيجابية للبنوك السعودية أنها ليست معرضة بشكل قوي لقروض الرهن العقاري كما هو وضع البنوك الأجنبية، إضافة إلى أن المحافظ الاستثمارية لدى البنوك السعودية في السوق الأميركية متحفظة نوعا ما، ومعظمها يستثمر في سندات حكومية وسندات للشركات، مشيرا إلى من بين التحديات ارتفاع القروض المشكوك في تحصيلها من 1.8 في المائة في العام الماضي إلى 5 في المائة عام 2010.

ويتفق السلوم مع ما ورد على لسان العبد الكريم في أن التشدد في تقديم الإقراض من قبل البنوك السعودية هو نابع من حرصها على المحافظة على عدم ارتفاع نسبية الإقراض إلى الودائع.

وبرأيه، فإن ودائع البنوك خلال سنة 2008، نمت بصورة أضعف من حجم النمو في عملياتها الإقراضية. فبالتالي، وعلى الرغم من أن السياسات التي تنتهجها البنوك السعودية والنابع من أزمة الائتمان العالمية متحفظة، فإنها ستكون انتقائية في تمويلاتها. عليه، كما يقول السلوم، فإن قيام «مؤسسة النقد العربي السعودي» بزيادة ودائعها في البنوك لدفع عجلة الإقراض البنكي يصب في مصلحة تنشيط الدور الاقتصادية السعودية وتخلق فرصا استثمارية جاذبة، كما أنها تساعد على تخفيف نسبة الإقراض للودائع مما يساعد بدوره البنوك على سهولة اتخاذ القرار في عملياتها الإقراضية.

وكل هذه بحسب السلوم، ستدعم مسيرة الاقتصاد السعودي وستوفر مناخا آمنا وظروفا جيدة للبنوك السعودية من خلال ما تبديه الحكومة السعودية من دعمها المتواصل للنهضة الاقتصادية المحلية والاعتماد على الإنتاج المحلي الذي لن يؤدي إلا لرفع مؤشرات معدل الناتج المحلي السعودي، والذي بالتالي، يتيح للسعودية ظروفا اقتصادية أفضل.

ولا يذهب السلوم إلى ما ذهب إليه بعض المحللين والخبراء الماليين إلى تفاؤلهم باحتمالات أن يكون عام 2010 عام استقرار وتحسن تدريجي في الأسواق المالية السعودية، باعتبار تباين الأسباب التي أدت إلى تراجعها مع نظيراتها في أوروبا وأميركا، مؤكدا أن السعودية لن تكون بمعزل عن باقي دول العالم التي ستتأثر بتباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة.