وقف ندوة دلة البركة يرى النور

لاحم الناصر

TT

في مثل هذا الوقت من العام المنصرم بعد فراغي من حضور فعاليات ندوة دلة البركة للاقتصاد الإسلامي في دورتها الثلاثين، كتبت في هذه الزاوية مقترحا على الشيخ صالح كامل أن ينشئ وقفا لهذه الندوة، يضمن به استمرارها في حياته وبعد رحيله عن الدنيا (أطال الله في عمره على طاعته)، حيث إن الندوة لم تعد ملكا لدلة البركة أو الشيخ صالح كامل بل ملكا للأمة الإسلامية ككل، بل أصبحت الندوة بأبحاثها وقراراتها وفتاواها المرجع الأول للأمة الإسلامية في فقه المعاملات المالية، الذي تعاني الأمة فقرا مدقعا فيه من جميع الجوانب، بدءا من الفقهاء المتخصصين والمراجع العلمية وانتهاء بالمراكز البحثية.

ولا أبالغ إذا قلت إنه لا يمكن لباحث اليوم في مجال المالية الإسلامية الاستغناء عن نتاج الندوة العلمي في بحثه، ويكاد أن يكون الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها كل باحث في هذا الجانب، بالإضافة إلى قرارات المجامع الفقهية وقرارات الهيئات الشرعية المنشورة (وهي قليلة، كما أن الكثير منها يفتقر للمنهجية العلمية في التدليل والتعليل).

واليوم، وبعد أن حضرت الندوة في دورتها الحادية والثلاثين وقابلت الشيخ صالح كامل أود أن أزف لكم بشرى إنشاء الشيخ وقفا للندوة من ماله الخاص يتم من خلاله ضمان استمرار الندوة وأعمالها والخدمات المساندة لها من طباعة لقراراتها وأبحاثها مع ترجمتها إلى اللغات الحية الأخرى ليستفيد منها جميع المسلمين، والمهتمون بصناعة المال الإسلامي من غير المسلمين، كما أبشركم بأن الندوة بصدد إطلاق موقع لها باللغات الحية بحيث يتم وضع جميع الأبحاث والقرارات السابقة واللاحقة عليه والمواد المرئية التسجيلية للندوة، مع خاصية النقل المباشر لفعاليات الندوة من خلاله مصحوبة بترجمة فورية باللغة الإنجليزية.

إن هذا الوقف سيكون معلما بارزا من معالم الأمة في القرن الحادي والعشرين، بما يحمله من مضامين تذكر الأمة بمجدها التليد وأسلافها العظماء، عندما كانت الأوقاف العلمية تنتشر على طول وعرض رقعة الدولة الإسلامية، مما ساهم في نهضتها وسيادتها الحضارية ردحا من الزمن، حيث كان العلماء يعيشون حياة الأغنياء المترفين باستقلالية تامة، بعيدا عن الوقوف بأبواب السلاطين بفضل هذه الأوقاف، وهو ما ضمن حرية الكلمة واستقلالية الفتوى والقرار، فلا سلطان على العالم سوى مخافة الله والرغبة فيما عنده، وهو ما نأمل أن يحدثه إيجاد هذا الوقف من أثر في استقلالية الرأي الفقهي عن تأثير المؤسسات المالية.

وبهذه المناسبة أود أن أقترح على الشيخ أعمالا يتم إضافتها إلى مناشط الندوة بحيث تكون داخلة في الأعمال التي يغطيها الوقف، ومنها استحداث منح دراسية للدراسات العليا في مجال الصناعة المالية الإسلامية تحت مسمى منح ندوة البركة الدراسية، كما أقترح أن تطلق الندوة جائزة سنوية للجودة الشرعية تمنح لإحدى المؤسسات المالية الإسلامية ولإحدى النوافذ الإسلامية بالمؤسسات المالية التقليدية، حيث إن هذا الموضوع هو الهم الذي يؤرق المخلصين من أهل الصناعة وعلى رأسهم الشيخ صالح كامل، ووجود هذه الجائزة سيساهم بلا شك في حث المؤسسات المالية على الانضباط الشرعي من حيث الفتوى والتطبيق، كما أن وجودها سيزيد من وعي العملاء بأهمية الجودة الشرعية في المؤسسات المالية نتيجة لما سيصاحبها من تغطية إعلامية، وستصبح بمثابة البوصلة التي تساعدهم في اختيار المؤسسة المالية التي يتعاملون معها.

ولكي نضمن تأدية الجائزة للغرض الذي وضعت من أجله، فيجب أن تكون معاييرها واضحة وشفافة ومنشورة بحيث يتاح للجميع الاطلاع عليها، كما يجب أن يكون أعضاء لجنة الجائزة خليطا من العلماء والمهنيين المستقلين المشهود لهم بالنزاهة وبعض بيوت الخبرة والاستشارات المالية.

وختاما، أسأل الله جلت قدرته أن يجزي الواقف خير الجزاء، وأن يجعل كل ما قدمه ويقدمه لصناعة المال الإسلامي في ميزان حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

* مستشار في المصرفية الإسلامية