2009.. السنة الحرجة

لاحم الناصر

TT

وفقا لتقرير أصدره المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، يمكن لنا أن نطلق على عام 2009 السنة الحرجة في عمر الصيرفة الإسلامية في الخليج، ففيها وقعت الكثير من الأحداث، التي أثرت على مسيرة هذه الصناعة في المنطقة، التي هي مهد هذه الصناعة حيث فيها ولدت ومنها انطلقت، وهي عمودها الفقري الذي يحملها، حيث تتركز فيها أصول هذه الصناعة ومؤسساتها.

لقد شهد هذا العام تسجيل أولى حالات انخفاض في أصول هذه الصناعة في كل من الكويت بمعدل 2 في المائة وفي البحرين بمعدل 6.4 في المائة عن العام السابق، الذي كانت الدولتان قد سجلتا فيه معدل نمو بلغ 15.6 في المائة في الكويت و45.5 في المائة في البحرين، في حين سجلت بقية دول الخليج تراجعا غير مسبوق في معدلات نمو أصول هذه الصناعة، فلم يتجاوز نمو أصول الصناعة في المملكة العربية السعودية 5.4 في المائة، وفي الإمارات 3.8 في المائة وفي قطر 23.8 في المائة، وذلك بعد أن كانت معدلات نمو أصول هذه الصناعة العام السابق قد بلغت 35.2 في المائة للسعودية و21.5 في المائة للإمارات و48.8 في المائة لقطر.

كما شهد هذا العام حدثا خطيرا تمثل في انقلاب الجهة الرقابية في إحدى أهم الدول الداعمة لهذه الصناعة عليها، وذلك بعد أن عانى القطاع المصرفي في هذه الدولة أزمة ناتجة عن تعثر بعض المؤسسات المالية الإسلامية في الوفاء بالتزاماتها، ولا شك في أن هذا الانقلاب يعد تصرفا غير مسؤول، يمكن أن يلغي جميع إنجازات هذه الدولة في مجال الصيرفة الإسلامية، ويقضي على طموحها إلى أن تكون مركزا ماليا لهذه الصناعة في المنطقة.

إن هذا الانقلاب من وجهة نظري، لا يعدو أن يكون نوعا من محاولة التنصل من المسؤولية الناتجة عن إخفاق هذه الجهة الرقابية في القيام بواجباتها على الوجه المطلوب مما أنتج هذه الأزمة، وذلك بإلقاء التبعة على هذه الصناعة ومؤسساتها، وكما يقول المثل العربي: (على نفسها جنت براقش)، فالمؤسسة الرقابية تجني إهمالها الرقابة على هذه المؤسسات فترة طويلة، حيث كانت تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب، فهل يعقل مثلا أن إحدى المؤسسات المالية الاستثمارية الإسلامية إلى أفلست، كانت تدار بالبريد الإلكتروني، وأن مجلس إدارتها لم يجتمع منذ فترة، وأن الأموال تخرج منها بشكل سري حتى المدير التنفيذي لا يعلم عنها شيئا، ثم بعد ذلك نقول إن الخطأ هو خطأ صناعة الصيرفة الإسلامية. إن صناعة الصيرفة الإسلامية كأي صناعة مالية، تعاني الفساد في بعض مؤسساتها، وبالتالي فإن عدم وجود قوانين تحكم عملها بدقة ورقابة صارمة ترصد كل أعمالها وحركتها، ستكون بيئة مثالية لارتكاب المخالفات سعيا وراء الربح السريع، خصوصا إذا علمنا أن الكثير من القائمين على هذه الصناعة من التنفيذيين أو أعضاء مجالس الإدارات هم غير مقتنعين بالصناعة والأسس التي تحكمها، وينظرون إليها كأسلوب من أساليب التسويق ليس إلا، ومن ثم فهم بعيدون كل البعد عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومثلها وأخلاقياتها، فلا بد إذن والحال كما ذكرنا من وجود رقابة محكمة، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

كما شهد هذا العام كذلك تراجعا في إصدارات الصكوك وتم تسجيل الكثير من حالات الإخفاق في السداد وطلبات إعادة الهيكلة، وقد كان أبرز هذه الحالات صكوك شركة «نخيل»، التي ثار حولها الكثير من اللغط بين الدفع في موعد الاستحقاق أو التأجيل حتى تم الدفع في النهاية، وكذلك صكوك دار الاستثمار الكويتية، التي تخلفت الدار عن دفعها، وقد بلغت إصدارات الصكوك المتعثرة حتى اليوم 51 صكا حول العالم. إلا أن الصكوك أثبتت مع كل ما مر بها، أنها ما زالت ورقة مالية مرغوبا فيها حتى اليوم، ويدل على ذلك الإقبال الذي شهده إصدار شركتي الكهرباء وبن لادن السعوديتين.

إن عام 2009م وما شهده من أحداث، يجب أن لا يمر على صناعة الصيرفة الإسلامية والقائمين عليها والجهات الرقابية مرور الكرام، بل يجب عليهم أن يستقوا منه الدروس والعبر وأن تتم معالجة الأخطاء التي تسببت في هذه الأحداث، كما يجب على الصناعة ابتكار أنظمة للإنذار المبكر لمثل هذه الأزمات.

إن ما مر في عام 2009م يؤكد لنا أهمية وجود قوانين ولوائح تفصيلية خاصة بالمصرفية الإسلامية، وأنظمة رقابية دقيقة وصارمة تناسب هذه الصناعة وأنشطتها، وإدارات تنفيذية مهنية ومؤهلة، تتسم بالقوة والأمانة، وعلى قناعة تامة بأصول هذه الصناعة والتزام تام بأخلاقياتها.

وصدق الله تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) سورة النساء آية 19

* مستشار في المصرفية الإسلامية