دراسة: «الاستصناع» و«السلم» و«المضاربة».. أدوات مالية تسهم في تحقيق أهداف المصارف الإسلامية

دعت إلى تطوير أدوات التمويل في البنوك بما يرفع كفاءتها ويزيد إسهامها في عملية التنمية

TT

كشفت دراسة بحثية في قطاع المصرفية الإسلامية عن أن أسلمة المصارف في بعض الدول أسهمت في تحريك الادخار الاستثماري وتضاعف الودائع الاستثمارية، وذلك خلال الفترة الماضية. وأشارت الدراسة إلى أنه في السودان تضاعفت الودائع الاستثمارية 20 مرة في غضون خمس سنوات من بدء تطبيق التجربة، في الوقت الذي ارتفعت فيه الودائع تحت الطلب بشكل بطيء.

وأكدت الدراسة أن المصرفية الإسلامية، تعتبر أكبر أداة رئيسية لتوسيع قاعدة الادخار والاستثمار، استنادا إلى دراسة أخرى حديثة قام بها مكتب البحث التابع للمجموعة الدولية للمال والأعمال (IBF) أكدت أن 6 في المائة من أصحاب مؤسسات المقاولات يرفضون القروض غير الإسلامية، على الرغم من حاجتهم لها، وأنهم مستعدون لاستخدام التمويلات المبنية على المشاركة.

وبينت الدراسة أن المصرفية الإسلامية تسهم مبدئيا في مقاومة التضخم؛ باعتبار أن نمو الكتلة النقدية في الاقتصاد القومي الذي يمكن أن يتحول إلى تضخم مرتبط في نظام التمويل بالمشاركة بنسبة الأرباح من الودائع الاستثمارية، وليس مرتبطا بنسبة الفوائد المترتبة على القروض.

وأوضح نواف يوسف أبو حجلة الباحث والمحاضر في المصرفية الإسلامية في دراسة خص بها «الشرق الأوسط»، أن خصوصية المصارف الإسلامية تظهر كذلك من خلال إمكانيات التمويل التي تغطيها عادة المصارف التجارية، خاصة في المجالات التي تحمل طابع المخاطرة مثل تمويل المشاريع الفلاحية.

وأفاد الباحث بأن المؤسسات المالية الإسلامية في مصر تنشط كثيرا في هذا القطاع، وقطاع الصناعة التقليدية، بالإضافة إلى القطاعات المختلفة الأخرى، بينما يسهم «مصرف فيصل الإسلامي السوداني» في تمويل قطاعي النقل والتجارة الخارجية، إضافة إلى تمويل قطاعات الصناعة والفلاحة والصناعة التقليدية.

وأشار في الدراسة التي كانت تحت عنوان «المصارف الإسلامية ودورها في قطاعات التنمية وآليات التطوير» إلى قابلية المصارف الإسلامية لتمويل القروض الصغيرة التي اكتشف دورها في مقاومة الفقر والبطالة ومقاومة الهجرة العشوائية إلى المدن الكبيرة، والتي لا يتوفر لأصحابها ضمانات كافية للحصول عليها من المصارف التجارية، مرجحا بأن تكون البديل العملي للقروض الصغيرة التي تقوم بها المؤسسات المالية التقليدية الدولية.

كما يرى الباحث أن للمصارف الإسلامية دورا تنمويا يظهر كذلك من خلال الخدمات الاجتماعية المجانية في شكل قروض حسنة، ومساعدات خيرية، ممولة من زكاة المصارف نفسها، أو من تخصيصها لأوقاف مالية في وجه من وجوه الخير، أو خدمات اجتماعية ذات طابع اقتصادي عندما يكون مصدرها صناديق مالية مهمة تقتضي توظيف هذه الأموال في مشاريع لها مردودية اقتصادية، بجانب قدرتها في جباية الزكاة وتوظيف أموالها.

ويؤكد أن المصارف الإسلامية تمكنت من اختراق أسوار النشاط المصرفي التقليدي، واستطاعت بآلياتها وأدواتها المستحدثة أن تدخل في دائرة هذا النشاط فئات من المدخرين وأصحاب المشاريع لم يكن لهم نصيب فيه قبل ذلك.

ويرى أبو حجلة أن المصارف الإسلامية أتاحت تمويلا لم يكن متاحا من قبل لأصحاب المشاريع الصغيرة، وأن أبرز وأنجح التجارب في التمويل الصغير هي تجربة «بنك فيصل» فرع أم درمان، و«بنك الجيرمين» على الرغم من أن هناك تجارب كثيرة ناجحة في إندونيسيا وبنغلاديش وماليزيا ومصر والأردن. ومع ذلك، يعتقد أبو حجلة أن نجاح هذه البنوك في خدمة التنمية لن يتحقق إلا بشروط ثلاثة، منها تطوير مستمر لآلياتها وأدواتها التمويلية بما يزيل عنها أي لبس من حيث هويتها الإسلامية، وارتفاع كفاءتها من جهة تعبئة واستخدام مواردها التمويلية بما ينعكس على مستويات ومعدلات أرباحها المحققة، بالإضافة إلى زيادة إسهامها في عملية التنمية ببعديها الاقتصادي والبشري.

ويذهب إلى أن صيغة المرابحة على الرغم من مآخذها، خدمت آلافا من أصحاب المشاريع الصغرى بشروط أفضل مئات المرات التي لا تقارن بشروط التمويل في سوق الائتمان غير الرسمي، حيث لم تكن في السابق تحصل على أكثر من 1 في المائة من احتياجاتها التمويلية من البنوك التقليدية فيما عدا حالات استثنائية كالهند مثلا التي تولي حكومتها اهتماما فائقا بالمشاريع الصغيرة.

وفي هذا السياق، يقترح الخبير في قطاع المصرفية الإسلامية أن يتخلى البنك الإسلامي عن القيام بعمليات الشراء للسلع المطلوب تمويلها بصيغة المرابحة، ووضع هذه السلع في مخازنه ثم تسليمها للعميل، مع ضرورة أن يتفق البنك مع عدد من الشركات التجارية الكبرى التي تعمل في مجال تسويق منتجات متخصصة أو متنوعة على أن يقوم بتحويل طلبات عملائه الراغبين في الشراء بالمرابحة إليها.

ويلاحظ أنه كلما صار البنك أكثر نجاحا في الحصول على أسعار مميزة من خلال عمليات الوساطة استطاع خفض الفرق بين سعر المرابحة الآجلة وسعر السوق، وربما تصاغر هذا الفرق إلى الصفر أحيانا، ويجري بعد قيام إدارة المرابحة في البنك بطلب السلعة من الشركة وتحديد وقت ومكان تسليمها إلى العميل.

وأشارت الدراسة إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة المتناقصة في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أصبحت محل اهتمام عالمي لدورها المتوقع في التنمية بشقيها الاقتصادي والبشري. ويأخذ الباحث على عمليات الإجارة التي تقوم بها البنوك الإسلامية والمسماة بالإجارة المنتهية بالتمليك أنها تتشابه كثيرا مع عمليات البيع أو الشراء التأجيري التي تقوم بها الشركات في كل العالم بتنسيق مع البنوك وبيوت التمويل وشركات التأمين على أساس نظام الفائدة، ومن جهة أخرى يؤخذ على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك من الجهة الشرعية، خلطه بين شروط الإجارة وحقوق التملك.

واقترحت الدراسة توسع البنوك الإسلامية في نشاط الإجارة، وفق أساليب جديدة جائزة شرعا وذات كفاءة اقتصادية، مع ملاءمتها للواقع العملي، من خلال قيام البنك بتكوين شركات متخصصة لممارسة نشاط الإجارة، على أن تتوسع هذه الشركات التوسع بمرونة كافية في عمليات الإجارة. ويقترح الباحث قيام البنك بطرح صكوك إجارة لتمويل الشركات المزمع إنشاؤها، على أن يكون للبنك حصة في هذه الصكوك في حدود ما تسمح به اللوائح أو القوانين المنظمة للأعمال المصرفية عموما. وتتميز عمليات الإجارة بأنها تدر دخلا دوريا منتظما، وعلى درجة عالية من الضمان، ما يعني أنه من الممكن للبنك أن يجتذب من خلال بيع صكوك الإجارة جمهور العملاء الذين يريدون دخلا دوريا منتظما وشبه مضمون، ويرى أنه كلما تم هذا الاختيار بدقة وكلما أديرت شركات الإجارة بكفاءة أمكن تحقيق نجاح أكبر.

ويعتقد أبو حجلة أن هذه العمليات يمكن أن تسهم كثيرا في تنمية مشاريع متوسطة وكبيرة أيضا إذا ما تمت إعادة تنظيمها على أسس أكثر واقعية، وفي إطار مبادئ التمويل الإسلامي. والتطوير المقترح بحسب الباحث، هو قيام البنك الإسلامي بتنفيذ المشاركة المتناقصة عن طريق المساهمات فيقدم البنك بتقسيم رأسماله المطلوب إلى أسهم يقوم أصحاب المشروع بشراء نسبة لا تقل عن 20 في المائة، ويسهم البنك بنسبة صغيرة (قد تتراوح ما بين 2 في المائة و5 في المائة مثلا وذلك لأغراض السيولة الخاصة بالبنك)، ويعرض الباقي من الأسهم للبيع لعملائه أصحاب الحسابات الاستثمارية ويكون إصدار هذه الأسهم على أساس شروط المشاركة المتناقصة بما يعني أن أصحاب المشروع سيقومون بمشاركة البنك وبقية المساهمين في الأرباح المحققة بما يجري الاتفاق عليه.

كما يقومون بإعادة شراء 80 في المائة من الأسهم لدى شركائهم على مدى زمني يتفق عليه (مثلا من خمس إلى عشر سنوات) في تواريخ محددة مستقبلة، وبنظام الاقتراع. ويتصور الباحث أن نجاح مثل هذه العمليات يسهم بفعالية في تمويل المشاريع الناشئة من دون إرهاقها بأعباء المديونية وفوائدها المخلة، ولكن لا بد من توافر معلومات كاملة تتاح للعملاء المساهمين عن طريق البنك عن هذه الشركات قبل قيامها، ولا بد من مشاركتها في مناقشة أعمالها بعد ذلك في جلسات الجمعية العمومية، وهذا أمر في صميم جوهر نظام المشاركة الإسلامي، خشية حدوث انحرافات في الإدارة، كذلك ينبغي إعادة تقييم الأسهم عند استرداد المساهمين قيمتها حسب أسعارها السوقية، وليس الاسمية، فالسهم حصة شائعة في الملكية وأصول الشركة خاضعة للزيادة أو النقص في القيمة السوقية تبعا لحالة الأرباح المحققة. وبالنظر إلى دور عقد الاستصناع بحسب الباحث، فإنه من الممكن تحقيق أرباح مناسبة من عمليات الاستصناع ما دامت الإدارة تحركت بحرص في عمليات الوساطة بعد دراسات وافية عن إمكانيات الصانع والتزامه الدقيق بالعقد وشروطه من ناحية، والمقدرة الوفائية للجهة الطالبة (المشتري النهائي) من ناحية أخرى. وفي مجال الحديث عن دور البنك الإسلامي في عملية التنمية يرى الباحث أن عمليات الاستصناع ذات أهمية خاصة بالنسبة لأصحاب الأعمال الصناعية الصغيرة، فالشركات الصناعية الكبيرة أو المتوسطة قادرة على أن تتقدم مباشرة للجهات التي تطلب تصنيع سلع بمواصفات معينة وتقوم بتمويل عملياتها من دون صعوبات، أما أصحاب الأعمال الصغيرة فهم يواجهون عادة مشكلات حادة في الحصول على التمويل اللازم لأعمالهم من مصادرهم الذاتية أو من المصادر التمويلية التقليدية، وعلى رأسها البنوك التجارية، لذلك فإن دخول البنك الإسلامي ممولا لصغار الصناع ووسيطا بينهم وبين الشركات الكبرى والمؤسسات العامة التي تطلب تصنيع سلع بمواصفات معينة يمكن أن يهيئ لهم فرصة غير عادية للنمو، بينما يحقق له أيضا إيرادات مناسبة من وراء ذلك النشاط، مع ملاحظة أن دور البنك الإسلامي لا يزال محدودا للغاية إلى الآن في هذا المجال.

أما فيما يتعلق ببيع السلم فإنه بحسب أبو حجلة، يمكن أن يحتل كصيغة لاستخدام الموارد التمويلية للبنك، مكانة أهم من بيع المرابحة الآجلة إذا أديرت عملياته بكفاءة، مع ملاحظة أن تعظيم ربح البنك من عمليات السلم سوف يتحقق كلما زاد الفرق بين ثمن الشراء من المنتجين وثمن البيع للبضاعة في سوق العقود الآجلة، وكلما تضاءل الفرق الزمني بين تاريخ تسلم البضاعة من المنتج وتاريخ تسليمها للمشترى النهائي.

وأما بالنسبة لدرجة المخاطرة في بيع السلم فإنها برأي الباحث، تتعاظم كلما قلت الثقة في مقدرة البائع بالسلم على تسليم البضاعة بالمواصفات المطلوبة أو في التاريخ المحدد، أو كلما تعذر على البنك إجراء التغطية اللازمة في سوق العقود الآجلة للبضاعة المسلم فيها، أو تعذر عليه التنبؤ باتجاهات الأسعار المستقبلية لهذه البضاعة، ولذلك فإن الإدارة الناجحة لعمليات السلم من قبل البنك تستدعي تقليل هذه المخاطرة إلى حدها الأدنى الممكن، ويرى الباحث أنه من الأفضل أن يستعين البنك في عمليات السلم بخبراء أو وكلاء أو شركات متخصصة في عمليات البيع والتسليم الآجل.

ويقترح أبو حجلة لأجل أهداف التنمية الاقتصادية، أن يعتمد البنك الإسلامي على عمليات بيع السلم بشكل خاص في مجال التجارة الخارجية (التصدير والاستيراد) من خلال وكلاء متخصصين أو شركات أن يجري الاتفاق مع أعداد كبيرة من منتجي سلعة تصديرية معينة أن يتم شراء إنتاجهم في تاريخ لاحق محدد، وبمواصفات وكميات محددة بطرق السلم، على أن يتم إجراء عمليات بيع سلم لمستوردي هذه السلعة في خارج البلاد في التاريخ نفسه.