إندونيسيا نمر الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

إندونيسيا أرخبيل يضم نحو 17508 جزر، وتبلغ مساحتها نحو 1919440 كم، وتقع في جنوب شرقي آسيا، عاصمتها جاكرتا، ويبلغ عدد سكانها نحو 230 مليون نسمة، فهي بذلك تعد رابع دولة في العالم من حيث عدد السكان، وحيث إن جل سكانها يدينون بالدين الإسلامي فهي الدولة الإسلامية الأولى في العالم من حيث السكان، ويعتبر الاقتصاد الإندونيسي من الاقتصادات النامية والمتطورة، فهي إحدى دول ما يعرف بـ«النمور الآسيوية» التي تضم إلى جانبها، سنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايلاند وتايوان، وقد سميت بذلك لتحقيقها نموا كبيرا في الاقتصاد والتصنيع وتطوير الرأسمال البشري، مما جذب الاستثمار الأجنبي لها فأصبحت قبلة له، إلا أن هذه النمور تعرضت لأزمة مالية في عام 1997م، بسبب ما سمي بـ«الأموال الساخنة» (أموال المضاربات)، فتهاوت قيمة عملات هذه الدول حتى فقدت الروبية الإندونيسية في عام 1998م نحو 74 في المائة من قيمتها، فكانت العملة الأشد تضررا، وقد أدى ذلك إلى هبوط الأسواق المالية في هذه الدول، نتيجة للبيوع الهائلة من قبل المضاربين، ففقدت أسواق الأسهم في هذه الدول نحو 65 في المائة من قيمتها وبلغت خسائر هذه الدول نحو 700 مليار دولار في أقل من سنة، لقد دفعت إندونيسيا ثمن هذه الأزمة سياسيا واقتصاديا، إلا أنها عادت مرة أخرى لتحقيق النمو بفضل الله، ثم بما تحمله من مقومات اقتصادية ذاتية وبفضل الدعم الدولي في ذلك الوقت، خاصة أميركا التي كانت تملك استثمارات تبلغ نحو 300 مليار دولار، فلم تكن على استعداد لخسارتها.

لقد استوعبت إندونيسيا الدرس جيدا، بحيث استطاعت الصمود أمام الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم في عام 2007م، وتخطتها بأقل الأضرار، فمرت العاصفة عليها بسرعة، فلم ينتصف عام 2009م حتى كانت السوق المالية الإندونيسية تحقق ارتفاعات مذهلة تفوقت به على جميع الأسواق الآسيوية، عدا مومباي وشنغهاي، والروبية الإندونيسية استعادت معظم خسائرها مقابل الدولار، في حين أن العجز في موازنتها لم يتجاوز في عام 2009م سوى 1.6 في المائة من إجمالي الدخل، كما يتوقع البنك المركزي أن يحقق الاقتصاد الإندونيسي في عام 2010م نموا قدره 7 في المائة.

ومع كل هذه الأرقام الإيجابية للاقتصاد الإندونيسي، فإن صانعي القرار كانوا يفتقرون لرؤية استراتيجية بعيدة المدى تستغل الموقع الجغرافي المميز والبيئة الاجتماعية الحاضنة، لجعل جاكرتا عاصمة المال الإسلامي لشرق آسيا وهي المؤهلة لذلك، وهو ما فطنت لأهميته جارتها ماليزيا، فوضعت اللبنة فوق الأخرى على مدى سنين، لتكون بوابة هذه الصناعة ومركزها المالي في شرق آسيا، وهو ما استطاعت تحقيقه.

لقد عرفت إندونيسيا صناعة الصيرفة الإسلامية عام 1992م، حيث أسس أول بنك إسلامي، وهو بنك معاملات إندونيسيا، إلا أن نموها لم يتجاوز نموها منذ عام 2000م إلى 2009م متوسط 2.5 في المائة، إلى 5 في المائة، فيما بلغ عدد المصارف الإسلامية في إندونيسيا بنهاية عام 2009م ستة مصارف وعدد النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية 25 نافذة والمصارف الريفية الحكومية الإسلامية 138 مصرفا، إلا أن صانعي القرار في إندونيسيا لم ينتبهوا للقوة المالية لهذه الصناعة الواعدة إلا مؤخرا، فسعوا لمجاراة جارتهم، عبر تحفيز هذه الصناعة والاهتمام بها، فسنوا التشريعات الخاصة بها، وأصدرت الحكومة بعض الإصدارات السيادية للصكوك الإسلامية.

لقد أثمرت هذه التدابير الحكومية الرامية لتحفيز هذه الصناعة نموا غير مسبوق في أصولها، حيث بلغت نسبة النمو نهاية 2009م نحو 37 في المائة، مقارنة بعام 2008م، كما يتوقع أن تبلغ نسبة النمو في عام 2010م نحو 81 في المائة، وفقا لتقرير نشرته صحيفة «جاكرتا بوست».

إلا أنه ومع نسب هذا النمو العالية التي حققتها أصول صناعة الصيرفة الإسلامية في إندونيسيا مؤخرا، فما زالت نسبة هذه الأصول من مجمل أصول الصناعة المالية لا تتجاوز 2.5 في المائة، وهو رقم لا يتناسب مع ما تملكه هذه الدولة من محفزات لنمو هذه الصناعة.

ومن ثم فإن من المتوقع أن تسعى الحكومة لزيادة نسبة مساهمة هذه الصناعة في مجمل الصناعة المالية عبر زيادة المحفزات الضريبية وسن المزيد من التشريعات القانونية الملائمة لها، وإصدار المزيد من الصكوك السيادية. وبذلك ستصبح إندونيسيا نمر الصيرفة الإسلامية.

* مستشار في المصرفية الإسلامية