الصيرفة الإسلامية وفقا لمعجم أكسفورد

لاحم الناصر

TT

عرف معجم أكسفورد الصيرفة الإسلامية بأنها: نظام مصرفي قائم على مبادئ الشريعة الإسلامية، أهمها تحريم الربا (ويعني عدم التعامل بالفائدة أخذا وإعطاء)، كما أنها تتعامل في العادة وفقا لمبدأ تقاسم الأرباح.

فهل هذا التعريف ينطبق على الصيرفة الإسلامية بوضعها الراهن؟ والإجابة عن هذا السؤال بالنظر إلى التعريف تنقسم إلى شقين، الشق الأول: ما يتعلق بتحريم الربا، المتمثل في عدم التعامل بالفائدة أخذا وإعطاء بشكل مباشر، فهذا أمر مقطوع به ولا يتطرق له النقاش؛ حيث يعلمه كل من له أدنى معرفة بالصيرفة الإسلامية نظاما ومؤسسات، فهو الأساس الذي قامت عليه الصيرفة الإسلامية، فلا يمكن لعاقل أن يصف نظاما أو مؤسسة مصرفية بأنها إسلامية وهي تتعامل بالربا.

أما الشق الثاني من التعريف فهو محل النقاش اليوم بين المهتمين بهذه الصناعة؛ حيث إن المشاركة اليوم بجميع أنواعها وصورها من مشاركة ومشاركة متناقصة ومضاربة، تكاد لا تجد لها أثرا في معاملات الصيرفة الإسلامية اليوم، وأعني بذلك الصيرفة الإسلامية التجارية، فهي في جل معاملاتها تتعامل بالعقود المنتجة للديون مثل عقود المرابحة بأنواعها والتي غلب عليها اليوم التورق المصرفي المنظم، وعقود الإجارة بأنواعها والتي في غالبها تنتهي بتمليك العين المؤجرة للمستأجر، وعقود السلم والاستصناع، وحين تضطر اضطرارا للتعامل بعقود المشاركات، عندما لا تجد بدا من ذلك، فإنها تلجأ إلى تفريغها من مضمونها عبر الشروط والالتزامات التي تضمنها هذه العقود، مثل إلزام العميل بالتعهد بشراء نصيبها بالقيمة الاسمية (التاريخية)، إلى ما هنالك من الشروط التي تخل بالبنيان الشرعي للعقد؛ نظرا لكونها تناقض مقتضى العقد الذي أراده الشارع (عز وجل)، فهي عقود مشاركات صورية وليست حقيقية.

إن هذا التعريف للصيرفة الإسلامية لا يعبر عن حقيقة الصيرفة الإسلامية اليوم ولا يستقيم مع واقعها، فهو مستمد من النظرية التي قامت عليها الصيرفة الإسلامية وليس من واقعها، ومن ثم فهذا التعريف لا يمكن التعويل عليه في معرفة الصيرفة الإسلامية؛ حيث إن المقصود بالتعريف هو تحديد ماهية الشيء المعرف، بكلمات جامعة تجمع كل الصور الممكنة للمعرف، ومانعة تمنع غيره من الدخول فيه، وبالتالي فإن الأولى أن تعاد صياغة تعريف الصيرفة الإسلامية وفقا لهذا المفهوم، مع الأخذ في الاعتبار الممارسة الواقعية لهذه الصناعة؛ بحيث يؤدي التعريف الغرض المنوط به، ومن هنا فإنني أرى أن تعريف الصيرفة الإسلامية الأقرب لواقعها هو (الصيرفة الإسلامية، نظام مصرفي يستمد أحكامه من فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية) فهذا التعريف جامع مانع؛ فهو جامع لشتى صور المعاملات الواردة في الشريعة الإسلامية، فلم يخصص الصناعة بصورة دون غيرها مثل التعريف السابق، والذي جعل المشاركة في الأرباح صفة لازمة لها، كما أنه مانع لغيرها من أنواع الصيرفة التقليدية المشابهة لها في بعض الوجوه من الدخول فيها، مثل بعض المنتجات التقليدية التي لا تتعامل بالفائدة ولكنها لا تتقيد بأحكام فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية، مثل شروط العقود وأركانها، أو تكون من صور المعاملات الممنوعة في الشريعة الإسلامية ليس لأجل الربا ولكن لأسباب أخرى مثل بيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وغيرها من الأحكام التي تنفرد بها الشريعة الإسلامية عن غيرها من القوانين الوضعية والشرائع السماوية.

كما أن هذا التعريف كذلك يمنع من إطلاق صفة الإسلامية المطلقة على هذه الصناعة؛ فهو يخصصها بفقه المعاملات ومن ثم فهي غير ملتزمة ببقية أحكام الشريعة الإسلامية كأحكام اللباس والاختلاط وغيرهما.

* مستشار في المصرفية الإسلامية