الهيئات الشرعية وتقنين أعمال الصيرفة الإسلامية

TT

تعمل الصيرفة الإسلامية في العالم العربي منذ ما يربو على 30 عاما من دون أن يتم الاعتراف بها من قبل الجهات التشريعية والرقابية. وأقصد بالاعتراف هنا، سن التشريعات والقوانين واللوائح التي تتناسب مع طبيعة صناعة الصيرفة الإسلامية؛ حيث تعمل الصيرفة الإسلامية تحت مظلة قوانين المصرفية التقليدية، وهو ما يحد من قدرة الصيرفة الإسلامية على المنافسة العادلة، نظرا للطبيعة المختلفة للصناعتين. وبالتالي فقد سعت الصيرفة الإسلامية إلى التأقلم مع هذا الوضع الشاذ عبر محاولة استنساخ منتجات الصيرفة التقليدية بحيث تتواءم مع المتطلبات الشرعية. لقد أدرك القائمون على هذه الصناعة مقدار الضرر الذي يتسبب به مثل هذا الوضع غير الطبيعي الذي تعيشه صناعة الصيرفة الإسلامية، على نمو هذه الصناعة وقدرتها على الإبداع والابتكار الأصيل المستمد من أصولها التي تقوم عليها، ومن ثم فقد سعوا بكل ما أوتوا من قوة لدى الجهات الرقابية والتشريعية في العالم العربي لتغيير هذا الواقع عبر سن التشريعات والقوانين التي تتناسب مع طبيعة هذه الصناعة. فلا تكاد تجد مؤتمرا أو ندوة أو مقالة أو بحثا أو تقريرا، يتحدث عن الصيرفة الإسلامية إلا وتجد فيه تنويها بأهمية سن الجهات التشريعية والرقابية لقوانين وأنظمة ولوائح خاصة بالصيرفة الإسلامية. كما أن عدم وجود هذه الأنظمة والقوانين والتشريعات يعتبر تحديا يواجه الصيرفة الإسلامية.

لقد كانت المؤسسات الشرعية هي المبادرة لهذه الدعوة المستمرة في تبنيها، وعلى رأسها مجمع الفقه الإسلامي الذي لا يكاد يخلو قرار من قراراته المتعلقة بالمصارف الإسلامية من توصية للجهات الرقابية والتشريعية في البلدان الإسلامية، على سن الأنظمة والتشريعات المناسبة لهذه الصناعة، ومنها على سبيل المثال قراره رقم 76 (8/7) بشأن مشكلات البنوك الإسلامية، الصادر في دورة انعقاده الثامنة؛ حيث أوصى القرار بما يلي:

أولا: مواصلة البنوك الإسلامية الحوار مع البنوك المركزية في الدول الإسلامية، لتمكين البنوك الإسلامية من أداء وظائفها في استثمار أموال المتعاملين معها، في ضوء المبادئ الشرعية التي تحكم أنشطة البنوك وتلائم طبيعتها الخاصة. وعلى البنوك المركزية أن تراعي متطلبات نجاح البنوك الإسلامية للقيام بدورها الفعال في التنمية الوطنية، ضمن قواعد الرقابة بما يلائم خصوصية العمل المصرفي الإسلامي، ودعوة منظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية لاستئناف اجتماعات البنوك المركزية للدول الإسلامية، ما يتيح الفرصة لتنفيذ متطلبات هذه التوصية.

ثانيا: دعوة الجهات المنوط بها سن الأنظمة لإرساء قواعد التعامل الخاصة بصيغ الاستثمار الإسلامية، كالمضاربة والمشاركة والمزارعة والمساقاة والسلم والاستصناع والإيجار.

كما أوصى في دورة انعقاده التاسعة عشرة في قراره رقم (177) بشأن دور الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك الإسلامية، بتبني السلطات الإشرافية في كل دولة إصدار تشريعات وقوانين لتنظيم أعمال الرقابة الشرعية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحويلها إلى جهة مستقلة. وفي قراره رقم 178 بشأن الصكوك الإسلامية، دعا إلى قيام السلطات التشريعية في الدول الأعضاء بإيجاد الإطار القانوني المناسب والبيئة القانونية الملائمة والحاكمة لعملية التصكيك من خلال إصدار تشريعات قانونية ترعى عمليات التصكيك بمختلف جوانبها وتحقق الكفاءة الاقتصادية والمصداقية الشرعية بشكل عملي، هذا فيما يتعلق بمجمع الفقه الإسلامي.

أما ما يتعلق بالهيئات الشرعية للمصارف فهي لا تزال في حوار دائم مع الجهات الرقابية في الدول التي تعمل فيها، لحثها على سن الأنظمة والتشريعات التي تناسب الصيرفة الإسلامية، بل إن الأمر تخطى مرحلة الحوار إلى المناشدة عبر الندوات العامة واللقاءات والمقالات الصحافية. ومنها هذه الزاوية التي ما فتئت تطرح هذا الموضوع بين الفينة والأخرى، فهل بعد ذلك كله يمكن أن يقبل أي منصف أن تتهم الهيئات الشرعية بأنها تقف أمام تقنين وتنظيم أعمال الصيرفة الإسلامية من قبل الجهات الرقابية، ويبرأ المسؤول عن ذلك؟!

* مستشار في المصرفية الإسلامية