المؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة

لاحم الناصر

TT

في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 تم التوقيع على النظام الأساسي للمؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، من قبل محافظي البنوك المركزية لإحدى عشرة دولة إضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، وقد احتفت وسائل الإعلام المحلية والعالمية بهذا الحدث، احتفاء يليق بحجمه ومدى التأثير المتوقع له على صناعة الصيرفة الإسلامية، وتهدف هذه المؤسسة، كما هو معلن في البيان الصحافي الموزع من قبل مجلس الخدمات المالية الإسلامي راعي هذه المبادرة، إلى مساعدة صناعة الصيرفة الإسلامية في إدارة السيولة خصوصا قصيرة الأجل والتي تعتبر أحد التحديات المهمة التي تواجه صناعة الصيرفة الإسلامية، حيث لا يوجد حتى اليوم أي أدوات مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، تستطيع صناعة الصيرفة الإسلامية من خلالها إدارة سيولتها قصيرة الأجل بالكفاءة التي تتمتع بها صناعة الصيرفة التقليدية، حيث تعتمد الصيرفة الإسلامية على أداة المرابحة والوكالة بأجر والمضاربة لإدارة السيولة. وهاتان الأخيرتان (أي الوكالة بأجر والمضاربة تنتهيان بالمرابحة) إلا أن هذه الأدوات يعيبها طول إجراءاتها وارتفاع كلفتها ومن ثم فهي لا تصلح لإدارة جميع أنواع السيولة قصيرة الأجل مثل (الأوفر نايت)، والتي بقيت إشكالية لدى صناعة الصيرفة الإسلامية حتى اليوم، وبهذا بقيت الصيرفة الإسلامية بعيدة عن الكثير من المنتجات المصرفية التي تقدمها البنوك المركزية لإدارة هذا النوع من السيولة لعدم وجود بديل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما أن الصيرفة الإسلامية تعاني كذلك من مسألة محدودية قدرتها على توريق ديونها وهو ما يحول كذلك دون كفاءة إدارتها للسيولة، وهو ما يرفع نسبة مخاطر السيولة لديها، ولمقابلة هذه المخاطر فقد حرصت المصارف الإسلامية على الاحتفاظ بمعدل عال من السيولة لديها، وهو ما يحرمها من الاستفادة من هذه الأموال في مجال التمويل والاستثمار فيؤثر سلبا على أرباحها ويحد من قدرتها على المنافسة.

لقد استشعرت بعض المصارف الإسلامية أهمية وجود مركز لإدارة السيولة يعنى بتوليد الأدوات المالية التي تستطيع المصارف الإسلامية من خلالها إدارة سيولتها بالكفاءة المناسبة، فأنشأت مركز إدارة السيولة بالبحرين، وهو شركة خاصة يسهم فيها كل من بنك البحرين الإسلامي وبنك دبي الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية وبيت إدارة السيولة التابع لبيت التمويل الكويتي، إلا أن المركز ورغم مرور تسع سنوات على تأسيسه لم يستطع حل هذه الإشكالية، ومن ثم فقد كانت هذه المبادرة من قبل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، لإنشاء المؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة، التي عجلت بظهورها على ما يبدو الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من أزمة سيولة عالمية لم تسلم منها المؤسسات المالية الإسلامية.

إن موافقة أحد عشر بنكا مركزيا على إنشاء هذه المؤسسة ليدل دلالة واضحة على ما وصلت إليه صناعة الصيرفة الإسلامية من أهمية في السوق المصرفية لهذه الدول، وهو اعتراف واضح وصريح لا يقبل النقاش من قبل هذه البنوك المركزية بصناعة الصيرفة الإسلامية كصناعة مالية مستقلة لها خصوصيتها، ومن ثم فإنني اأعتقد بأن هذه الخطوة سيكون لها تأثير إيجابي في طريقة تعاطي بعض البنوك المركزية مع الصيرفة الإسلامية داخل أسواقها، كمؤسسة النقد العربي السعودي، التي لم تعترف بصناعة الصيرفة الإسلامية قانونيا حتى اليوم، بحيث يتم التعاطي مع هذه الصناعة إيجابا بدلا من تجاهلها وذلك عبر سن الأنظمة واللوائح الخاصة بها.

لقد كنت أطمح، كغيري، إلى أن تكون الرياض هي دولة المقر لهذه المؤسسة وأن يكون مركز الملك عبد الله المالي هو مقر السوق المالية الإسلامية، ولا شك أن هذا الأمر لو حصل لكان فيه إحياء لدور المملكة العربية السعودية الريادي في صناعة المال الإسلامي، الذي بدأه الملك فيصل (رحمه الله) عندما أنشأ أول مصرف إسلامي في العالم، هو البنك الإسلامي للتنمية، كذراع مالية لمنظمة المؤتمر الإسلامي، التي كانت ثمرة لسعي الفيصل (رحمه الله) لوحدة الأمة الإسلامية والنهوض بها.

* مستشار في المصرفية الإسلامية