مصرفيون: تحديات تواجه مستقبل انتعاش الصناديق الاستثمارية الإسلامية

أصولها تقدر بنحو 35 مليار دولار منفذة عبر 555 صندوقا استثماريا

بطاقات الائتمان الإسلامية أصبحت شائعة الاستخدام في الأعوام الأخيرة («الشرق الأوسط»)
TT

شهدت الصناديق الاستثمارية الإسلامية قبولا عالميا متزايدا، خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد المتغيرات التي طالت الصناديق التقليدية جراء الأزمة المالية العالمية، إلا أن عددا من خبراء المصرفية الإسلامية يؤكدون أن القنوات الاستثمارية في منتج الصناديق الإسلامية يواجه تحديات قد تعوق من نشاطها خلال الفترة المقبلة.

وأرجع الخبراء المصرفيون أن تلك التحديات تتضمن البعد الدولي لهذه الصناديق، التي يأتي في مقدمتها كيفية القدرة على التوفيق الدائم بين الشريعة والقانون الدولي، والسياسات الاقتصادية العالمية، وظروف الاقتصاد الدولي في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية، ومن ثم القدرة على كسب ثقة المستثمرين، في ظل غموض الاستثمارات العالمية، وتشعبها، بجانب غياب المصداقية والشفافية والالتزام بالمعايير الشرعية، مما يجعل الوصول إلى طبيعتها الرئيسية أمرا غاية في الصعوبة.

وتوقع الخبراء أنه خلال الخمس سنوات المقبلة ستسيطر صناديق الاستثمار الإسلامية على السوق السعودية، مشيرين إلى أن حجم الأصول الإسلامية في الوقت الحاضر، بحسب ما ذكرته وكالة «تومسون رويترز» العالمية، يبلغ نحو 35 مليار دولار منفذة عبر 555 صندوقا استثماريا، مشيرين إلى أن أغلب هذه الصناديق موجه إلى قطاع الأسهم والسندات.

وقال الدكتور توفيق الطيب البشير، خبير المصرفية الإسلامية، إن صناديق الاستثمار من أهم وسائل تعبئة المدخرات في الوقت الحاضر، سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أو الشركات في الدولة الواحدة، كما أنها أداة لتحقيق التكافل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وذلك عن طريق نقل المدخرات من دول الفائض إلى دول العجز.

وعرّف البشير صناديق الاستثمار الإسلامية، بأنها عبارة عن محافظ تجتمع فيها المدخرات الصغيرة والمتوسطة لتكون حجما من الأموال يمكن أصحابها قليلي الخبرات، أو الذين ليست لديهم رؤى واضحة لمشاريع مثمرة، من الاستفادة من المصارف الإسلامية صاحبة الصناديق، كمدير لهذا النوع من الاستثمار والاستفادة من ميزات التنويع في سلة الاستثمار، الذي يؤدي إلى تقليل المخاطر الاستثمارية، مبينا أن هذه الصناديق تنشأ عن طريق الاشتراك فيها بشراء وحدات استثمارية متساوية القيمة.

* السعودية تحوز أكبر الصناديق

* قال البشير: «السعودية تحوز 147 صندوقا، تدير نحو 18 مليار دولار، في حين لدى ماليزيا 194 صندوقا تدير أكثر من 8.6 مليار دولار، استنادا إلى تقرير صدر عن (ليبر) للأبحاث».

وأشار إلى أن التقرير كشف أن للولايات المتحدة أربعة صناديق فقط تدير أكثر من 2.5 مليار دولار. وفي الكويت هناك 36 صندوقا تدير 2.1 مليار دولار. وفي جنوب أفريقيا هناك ثمانية صناديق تدير 644 مليون دولار في حين تستحوذ البحرين على 20 صندوقا تدير 394 مليون دولار. وفي الإمارات هناك 3 صناديق تدير 78 مليون دولار، وتدير قطر 16 مليون دولار من خلال صندوق واحد فقط».

وأوضح البشير أن تلك الصناديق تعمل في قنوات الأسهم والسلع كصناديق المرابحة وصناديق السلم وصناديق التأجير، مقرّا بعدد من التحديات التي تواجه نشاط الصناديق الاستثمارية، تأتي في مقدمتها القدرة على التوفيق الدائم بين الشريعة والقانون الدولي، ذلك لأن معظم هذه الصناديق ليست ذات طبيعة محلية، بالإضافة إلى تحدي القدرة على التوظيف الأمثل لموارد هذه الصناديق، والسياسات الاقتصادية العالمية، وظروف الاقتصاد الدولي في ظل تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية.

وبالنسبة لتطوير عمل الصناديق بما يضيف لصناعة الإسلامية، يعتقد البشير أنه ليس هناك نقص من الناحية التأصيلية أو الفنية أو الخبرات في مجال الصناديق الإسلامية، ولكن القضية تكمن في اتباع المصارف الإسلامية للتقنيات والمنتجات الغربية أكثر من اعتمادها على وضع موجهات ومنتجات محلية لخدمة التنمية، وإنعاش الاقتصاد المحلي، والإقليمي، مشيرا إلى إمكانية عمل ورش عمل مشتركة يقيمها خبراء من جميع البلدان العربية والإسلامية لعمل موجهات وخطط عمل تستطيع هذه الصناديق من خلالها توظيف أموالها بالشكل الذي يخدم هذه الدول وشعوبها، وتقليص الاعتماد على الاستثمار في البلاد الغربية والسلع الدولية والعملات.

من جهته، لفت الدكتور مستعين علي عبد الحميد، خبير المصرفية الإسلامية، بأن أهمية صندوق الاستثمار الإسلامي تنبع من كونها تمثل وسيلة استثمارية غالبا ما تكون متوسطة الأجل تتناسب مع متطلبات الأفراد والشركات الذين يريدون تنويع استثمارات أموالهم في البضائع وغيرها من الأصول المختلفة، وذلك من خلال تجميع اشتراكات هؤلاء المستثمرين بشرائهم وحدات استثمارية متساوية القيمة تطرحها إدارة الصندوق للبيع، بقصد توظيفها في نشاط اقتصادي معين ثبتت جدواه وتحقيقه عائدات استثمارية عالية يصعب على أولئك المستثمرين الدخول فيها منفردين.

وأضاف عبد الحميد أن أهم ما يميز صناديق الاستثمار الإسلامية عن غيرها من الصناديق التقليدية هو التزامها في جميع مراحلها وعملياتها بأحكام الشريعة الإسلامية، موضحا أنه إذا كان الصندوق الإسلامي يقوم بالتعامل في الأسهم ينبغي أن يراعي أربعة أسس؛ الأول: هو اختيار الشركات التي يكون أساس نشاطها مباحا؛ فلا يستثمر في البنوك أو الشركات المنتجة للمواد المحرمة، والثاني: أن يحسب المدير ما دخل على الشركات التي تكون أسهمها في الصندوق من إيرادات محرمة، مثل الفوائد المصرفية، ثم يقوم باستبعادها من الدخل الذي يحصل عليه المستثمر في الصندوق. في حين يتمثل الأساس الثالث بالتقيد بشروط صحة البيع؛ فلا يشتري أسهم شركة تكون أصولها من الديون أو النقود «لعدم جواز بيع الدين لغير من هو عليه»، ولضرورة التقيد بشروط الصرف في حالة النقود.

وأوضح أنه طالما الشركات لا تخلو من نقود وديون في موجوداتها، أعمل الفقهاء المعاصرون قاعدة «للكثير حكم الكل»، فإذا كانت الديون قليلة كان الحكم للغالب الكثير لا للقليل، وحد القلة الثلث، ولذلك إذا كانت هذه الديون أقل من الثلث كان الحكم للغالب وليس للقليل، مشيرا إلى أن رابع الأسس يفيد بألا يمارس المدير في الصندوق عمليات غير جائزة، مثل البيع القصير للأسهم أو الخيارات المالية أو الأسهم الممتازة.

* صيغ الصناديق

* أما عن أشكال الصناديق الاستثمارية الإسلامية، ذكر عبد الحميد، أن صندوق الاستثمار الإسلامي يمكن أن يقوم على أساس صيغة أو عقد المضاربة (أغلب الصناديق الإسلامية نشأت هكذا) أو المشاركة أو الإجارة.

ولكن عبد الحميد أفاد بأن الواقع حاليا يؤكد أن الغالبية العظمى من الصناديق الإسلامية تقوم على أساس الإجارة، وحتى التي كانت على أساس المضاربة تحولت إلى صيغة الإجارة في المنطقة الخليجية والعربية, معتقدا أن هذا يعكس حقيقة مؤسفة، وهي أن هذه الصناديق لا تراعي في أدائها لأعمالها وخدماتها معايير رفيعة للنزاهة والإنصاف، كما لا تتصرف بمهارة وعناية وحرص تكفل مصالح عملائها، وبالتالي لا يختلف الحال بين الصناديق التي تنشئها المصارف التجارية الإسلامية أو التقليدية.

ولفت إلى أن إدارات الصناديق (وخاصة تلك التابعة للمصارف)، بمجرد اكتشافها أن الصناديق الاستثمارية المنشأة على أساس المضاربة تقوم صيغتها على تقاسم الأرباح والخسائر، وبمجرد حدوث حالة واحدة من حالات الخسارة تهرب المصارف التي ترفع شعار الإسلام وبكل انتهازية من صيغة المضاربة إلى صيغة الإجارة. وذلك أن صيغة الإجارة تمكنها من اقتطاع أجرتها رأسا من أصل رأسمال الصندوق، وليس من الربح كما هو الحال في صيغة المضاربة. ومن ثم فقد لا تكلف إدارة الصندوق نفسها كبير عناء في الإدارة وفي مراعاة الحرص والدقة وتوفر مستوى مناسب من الهيكل التشغيلي والكفاءة الإدارية والبراعة الاستثمارية ونحوها من القواعد التي تمكنها من الوفاء بالتزاماتها القانونية والشرعية والنظامية تجاه عملائها، الذين ائتمنوها على استثمار أموالهم.

وهذا في رأي عبد الحميد، أن غياب المصداقية والشفافية والالتزام بالمعايير الشرعية والشعارات الإسلامية التي ترفعها إدارات هذه الصناديق من أهم التحديات التي تواجهها، وأما عن واقعها الحالي بالاستناد إلى تقرير المؤسسة العالمية للاستشارات «إرنست آند يونغ» إلى أن عام 2009 شهد تحولا في استثمارات الصناديق عن فئات الأصول التقليدية، كالأسهم العادية وصناديق الاستثمار العقاري، إذ أُطلِقت فئات جديدة للأصول تتضمن صناديق الاستثمار المتداولة المتوافقة مع أحكام الشريعة وصناديق التحوط، في وقت لم تُطلَق فيه أي صناديق للتمويل العقاري عام 2009، مقارنة بإطلاق 10 صناديق عام 2008 و18 صندوقا عام 2007. وأشار إلى أن انعدام ثقة المستثمرين زاد الودائع لدى المصارف بدلا من استثمارها في الصناديق.

* نصفها قد لا يحقق ربحية

* شدد الدكتور مستعين علي عبد الحميد على أن نصف صناديق الاستثمار الإسلامية قد لا يحقق ربحية، لافتا إلى أن التقرير ذكر نسبة تقدر بأكثر من 70 في المائة من صناديق الاستثمار الإسلامية تقل عن 75 مليون دولار للصندوق، في حين تقل حصة 55 في المائة منها عن 50 مليونا، وتراجع معدل الرسوم التي تفرضها صناديق الاستثمار الإسلامية نحو 25 في المائة، مقارنة بعام 2006. وتوقع أن يستمر الأداء على هذا المستوى في المستقبل القريب.

لاحظ عبد الحميد أن معظم صناديق الاستثمار الإسلامية يركز من جديد على فهم متطلبات مستثمريها في فترة ما بعد الأزمة. ذلك أن إعادة بناء ثقة المستثمرين هي أمر بالغ الأهمية، وأصبحت الآن على رأس قائمة أولويات صناديق الاستثمار، لافتا إلى أن بعض قطاعات المستثمرين بدأت تبدي إشارات مبكرة للتعافي الاقتصادي تنعكس أيضا في التوجه نحو فئات الأصول التي تنطوي على أخطار استثمارية أكبر مع تراجع عمليات التخصيص لمنتجات الأسواق النقدية عام 2009، وتفضيل واضح للعلامات التجارية الأكبر والأكثر رسوخا في السوق.

أما فيما يتعلق بكيفية تقدير أصول هذه الصناديق، استدل عبد الحميد بما ورد عن المؤسسة العالمية للاستشارات «إرنست آند يونغ» بأن مجمل أصول صناديق الاستثمار الإسلامية العالمية بلغت 52.3 مليار دولار عام 2009، بزيادة طفيفة عن المستوى المسجل عام 2008، والبالغ 51.4 مليار دولار.

في حين بلغت الأصول المدارة للصناديق المشتركة العالمية التقليدية وفي الفترة نفسها 22 تريليون دولار عام 2009، مقارنة بـ19 تريليون دولار عام 2008.

ووفق «إرنست آند يونغ» أيضا فإن عام 2009، شهد إطلاق 29 صندوقا إسلاميا جديدا، ما يعوض في شكل ما عن الصناديق الإسلامية التي صُفِّيت في الفترة ذاتها، وبلغ عددها 27 صندوقا.

ولفتت الشركة المحاسبية إلى أن إطلاق الصناديق الاستثمارية وصل إلى أعلى مستوياته عام 2007 مع إطلاق 173 صندوقا، لكن منذ ذلك الوقت، شهد إطلاق الصناديق الاستثمارية الإسلامية تراجعا كبيرا.

وأهم المجالات التي تطرقها هذه الصناديق، بحسب عبد الحميد، هي الأسهم والعملات والعقارات والملاحة الدولية، والاستثمارات المحلية، والبضائع، والمؤشرات، مشيرا إلى أن أكثر الصناديق أمنا هي صناديق البضائع، ثم العقارات، وأكثرها فشلا هي صناديق الأسهم. وربما يكون ذلك بسبب الأزمة العالمية.

بالإضافة لما سبق قوله عن التحديات، قال عبد الحميد إن الثروة القابلة للاستثمار والمتوافقة مع الشريعة إذا كانت قد نمت بنسبة 20 في المائة لتصل إلى 480 مليار دولار عام 2009، بعد أن كانت 400 مليار دولار عام 2008، وذلك بحسب مجموعة الخدمات المالية الإسلامية في «إرنست آند يونغ» ولا تزال دول مجلس التعاون الخليجي أكبر مساهم، موضحا أن هذا في حد ذاته يمثّل تحديا كبيرا وفرصا ثمينة غير مستغلة للمؤسسات والشركات المحلية والدولية التي يمكنها إدراك الاحتياجات المتزايدة لمستثمريها وتلبيتها.

وأما عن التطوير ومعالجة السلبيات ومواجهة التحديات، قال عبد الحميد، لا بد أولا للجهات الإشرافية والرقابية أن تترك الدور السلبي الذي ظل يلازمها في رقابة وضبط المؤسسات الخاصة التي تعمل في مجال الصناديق وخاصة البنوك والمؤسسات المالية، وألا تكتفي بدور وضع المعايير الأنظمة دون وضعها موضع التطبيق.

* أهم صناديق الأسهم

* فضل بن سعد البوعينين الخبير الاقتصادي، أضاف كون أن صناديق الاستثمار تمثل محافظ تجتمع فيها مدخرات المستثمرين بأحجامها المختلفة، فإنها تشكل مجتمعة رأسمال استثماريا قويا، تمكن مدير الصندوق من تنويع استثماراته بهدف تعظيم الربح، وتقليل المخاطر. ولفت إلى أن تحوّل أموال الصندوق إلى وحدات استثمارية متساوية القيمة عند الإصدار، تكون تلك الوحدات عرضة للتغير بحسب أداء الصندوق، حيث تقسم أصول الصندوق الصافية على عدد الوحدات المصدرة لتحديد قيمة الوحدة، وتأخذ الصناديق الاستثمارية صفة شركة استثمار وتكون خاضعة لإشراف جهات حكومية متخصصة.

ويُقصد بصناديق الاستثمار الإسلامية تلك التي يلتزم المدير فيها بضوابط شرعية تتعلق بالأصول والخصوم والعمليات الاستثمارية، تقوم في الأساس على تحريم فوائد النظام التقليدي وتجنب السلع المحرمة، وعقود البيع المحرمة. وتتميز هذه الصناديق بمطابقتها لتعاليم الشرع، التنوع، الإدارة المتخصصة، السيولة، وخفض التكاليف، ومزايا أخرى كثيرة.

وذكر البوعينين أن من أنواعها صناديق الأسهم الإسلامية، حيث تمثل أهم الصناديق التي تستحوذ على الجزء الأكبر من الأموال المستثمرة في الصناديق الإسلامية، وصناديق السلع التي تقوم على شراء السلع بالنقد ثم بيعها بالأجل، شريطة أن تكون من السلع المباحة، وتلك التي يجوز شراؤها بالنقد وبيعها بالأجل، ويخرج من ذلك الذهب والفضة، ويمكن أن تعمل صناديق السلع بصيغة البيع الآجل، أو المرابحة، أو السلم، وصناديق المرابحة، وصناديق التأجير، وغيرها من الصناديق الأخرى.

ومن ناحية توافق هذه الصناديق مع الشريعة، قال البوعينين إن الصناديق الإسلامية في السعودية تخضع لرقابة مشددة من قبل الجهات المسؤولة، والهيئات الشرعية التي تقع عليها المسؤولية في تحقيق التوافق الكلي بين استثمارات الصندوق ومتطلبات الشريعة من جهة، وبينها وبين تعليمات الهيئة الشرعية خاصة فيما يتعلق بآلية الاستثمار والعمل.

إلا أن الخبير الاقتصادي عاد فقال: «هناك بعض الاختلافات بين الهيئات الشرعية فيما يتعلق بالاستثمار في أسهم الشركات التي تظهر في قوائمها المالية قروض تقليدية، حيث تذهب بعض الهيئات إلى تحريم الاستثمار فيها، في الوقت الذي تجيز فيه هيئات أخرى التعامل بها، شريطة ألا تتجاوز نسبة القروض نسبة محددة من رأس المال، ومن هنا يجب على المستثمر أن يتأكد من هذه الجزئية، وأن يذهب نحو الفتوى التي يؤمن بها، وإن كان يعتقد أن الهيئات الشرعية في السعودية لا يمكن أن تجيز استثمارا ما لم يكن متوافقا مع متطلبات الشريعة».

ويعتقد البوعينين أنه يمكن تطبيق معايير صناديق الاستثمار الإسلامية في السعودية على الصناديق في الخليج والعالم الغربي، إلا أنه ينبغي التنويه بأن الأسواق العالمية قد تحتاج إلى تكييف شرعي لبعض منتجاتها الاستثمارية، والعلاقة المالية التي لا يمكن أن تتم بمعزل عن القطاع المالي الغربي، وبذلك قد تتوسع بعض الهيئات الشرعية في إجازتها بعض العلاقات المالية المختلف عليها تيسيرا على المسلمين في الخارج، وتسهيلا لانتشار الصناديق الإسلامية، وهو هدف لا بد من أن يكون موجودا لدى الجميع. إضافة إلى ذلك، قال: «تحتاج الهيئات الشرعية إلى عمل مضاعف لإيصال فلسفة الشريعة في تعاملها مع المال وفق الضوابط الشرعية، وتحدي الأهداف التي يجب الالتزام بها لضمان التوافق الكلي»، مؤكدا أن العمل في الأسواق الغربية تحتاج من العلماء الشرعيين المتخصصين في فقه المعاملات إجادة اللغة الإنجليزية بشكل يمكنهم من ترجمة الأحكام من جهة، ومعرفة التعاملات الاستثمارية بعمق من جهة أخرى.

وأكد البوعينين أن أصول الصناديق الإسلامية في ازدياد مطرد، بل إن الطلب بات يرغم القطاعات المصرفية والاستثمارية على توفير الصناديق المتوافقة مع الشريعة تلبية لمتطلبات المستثمرين. وأعتقد البوعينين أن خلال الخمس سنوات المقبلة ستسيطر صناديق الاستثمار الإسلامية على السوق السعودية.

* التصنيف حسب المخاطر

* بحسب الخبير الاقتصادي البوعينين، يمكن تصنيف صناديق الاستثمار من حيث المخاطرة عالية، متوسطة، ومتدنية المخاطر، وتكون رغبة المستثمر محددة لوجهته الاستثمارية، والصناديق الإسلامية لا تعني بعدها عن المخاطر بل إنها تتحمل في بعض الأحيان مخاطر عالية، لذا يرى البوعينين ضرورة التنبه إلى ذلك. ومن التحديات المهمة التي تواجه صناديق الاستثمار الإسلامية، يعتقد البوعينين قدرتها على خلق أساليب جديدة لإدارة الصناديق الاستثمارية، وتوجيه أموالها لاستثمارات قد لا تكون مباحة في الوقت الحالي نتيجة قصر النظر، أو ربما رفض الهيئات الشرعية لقبول بعض الاستثمارات التي لم يُحيطوا بها علما.

ومن التحديات أيضا قدرة مديري الصناديق على تطبيق تعليمات الهيئة الشرعية بدقة، وهنا قال البوعينين: «إن بعض القرارات الاستثمارية قد تُخل في بعض الأحيان بالالتزام الدقيق بالفتوى الشرعية؛ إما للجهالة، أو الاستعجال، أو ربما لأسلوب التطبيق، وهذا يستدعي إلمام مديري الصناديق بأساسيات فقه المعاملات المرتبط بطبيعة عملهم، فالالتزام بتعليمات الهيئات الشرعية قد يحتاج إلى دراية تنقل مدير الصندوق من مرحلة التنفيذ الآلي، إلى التنفيذ ببصيرة، ومعرفة تمكن المدير من اكتشاف الخلل، وإن خفي على الهيئة الشرعية بسبب طبيعة عملية الاستثمار الغامضة في بعض جوانبها».

وزاد إلى تلك التحديات، غموض الاستثمارات العالمية، وتشعبها، ما يجعل الوصول إلى طبيعتها الرئيسية أمرا غاية في الصعوبة، وهنا يرى البوعينين أنه قد تختلط الأمور بعض أعضاء الهيئات الشرعية، وعلى صلة بذلك، فعدم إلمام كثير من العلماء الشرعيين باللغة الإنجليزية المسيطرة على المنتجات الاستثمارية العالمية، قد يؤثر سلبا في المخرجات النهائية، وهذا قد يؤثر في الثقة مستقبلا. ويعتقد أن تنوع الاستثمارات في الصناديق الإسلامية يعني تنوعها الجغرافي وهذا يشكل ضغطا على مديري الصناديق، والهيئات الشرعية، خاصة في جانب الإلمام، ويؤدي أيضا إلى تدني مستوى ثقة المستثمرين «العملاء» في الصندوق لعدم معرفة طبيعته الكلية، وتفاصيل الاستثمارات التي يشارك بها. وهنا يشير فضل البوعينين «لذا نقول إن كسب ثقة المستثمرين هي من التحديات المهمة التي يجب على مديري الصناديق تحقيقها».

ومن التحديات كذلك الثقة بالشركاء الغربيين، وهم جزء من المنظومة الاستثمارية العالمية، فالتزامهم بالمعايير الشرعية التي وافقوا عليها يمكن أن تكون محل جدل، فالوازع الديني هو المحرك في هذا الجانب، ومتى فقد الوازع فربما اخترقت التعهدات المكتوبة، خاصة مع وجود السرية التي يمكن من خلالها إخفاء التجاوزات. وأضاف البوعينين تحديا آخر يتعلق بقلة منافذ المصرفية الإسلامية عالميا، وهذا برأيه يجعل خيارات صناديق الاستثمار الإسلامية محدودة جدا، إضافة إلى ندرة الهيئات الشرعية الضليعة بالمنتجات الاستثمارية الغربية، ومحدودية الرقابة الشرعية التي يفترض أن تكون على اطلاع دقيق بجميع الاستثمارات التي يقوم بها الصندوق.