خبير: منظرو المصرفية الإسلامية بين سندان «التحدي الكبير» ومطرقة «الفرصة التاريخية»

أكد على أن مسؤوليتهم تقع في بلورة نظام اقتصادي إسلامي متكامل منضبط وشفاف

TT

أكد خبير مصرفي أن الأزمة المالية العالمية وضعت منظري صناعة المصرفية الإسلامية في تحدٍّ كبير، وأمام فرصة تاريخية، تتمثل في مسؤوليتهم عن بلورة نظام اقتصادي إسلامي متكامل منضبط شفاف، لتعويض ما يفتقده كلا النظامين الرأسمالي والاشتراكي في وجه هذه الأزمة.

وقال الخبير المصرفي الدكتور سيد البشير حسين لـ«الشرق الأوسط» إن الاقتصاد الإسلامي كان أقل تأثرا بهذه الأزمة مقارنة بالاقتصاد التقليدي، مع ملاحظة تحقيقه سرعة نمو مقارنة بقطاعات السوق الأخرى، في ظل تباطؤ النمو المتوقع في الاقتصاديات المتقدمة.

وأشار الدكتور سيد البشير إلى أن حجم المصرفية الإسلامية نما خلال عام الأزمة، 2009، بنحو 28 في المائة، ليصل إلى قرابة تريليون دولار، متوقعا أن يصل حجم الاستثمارات الإسلامية إلى نحو 3 تريليونات دولار في عام 2015.

وأضاف الخبير المصرفي أن عدد المؤسسات والمصارف المالية وصل إلى نحو 750 مؤسسة تعمل في نحو 70 دولة حول العالم، وتقدر موجوداتها بأكثر من 700 مليار دولار في عام 2008م، بينما يبلغ عدد صناديق الاستثمار الإسلامية 830 صندوقا، تدير أصولا تقدر قيمتها بنحو 82 مليار دولار، الأمر الذي من شأنه تحسين صناعة المصرفية الإسلامية.

وبيّن الدكتور سيد البشير حسين أن التطور الذي لحق بصناعة المصرفية الإسلامية وضع صناعة النظام المالي الإسلامي في أولويات سلم اهتمام خبراء المال من مصرفيين ومستثمرين، ليس على المستويين الإسلامي والعربي فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، إذ أنشأت دول كفرنسا وأميركا لجانا لدراسة خصائص الاقتصاد الإسلامي، مشيرا إلى أن دولا أخرى كأستراليا وألمانيا وبريطانيا تحاول معالجة منتجاتها لتتواكب من المنتجات الإسلامية، في حين يدرس البنك الدولي فرض قوانين ملزمة للتمويل الإسلامي.

وقال خبير الصيرفة الإسلامية: «الآن وبعد مضي أكثر من عامين من بدء الأزمة في أغسطس (آب) من عام 2008، وبعد قراءة التطورات في شأن البديل الإسلامي المنتظر، يلاحظ السلحفائية التي يمضي بها الاجتهاد في تطويره، والتي هي أقرب إلى (مكانك سر) منذ الأزمة، خصوصا مع الوضع في الاعتبار عامل الوقت الذي تحتاج إليه لبلوغ مرحلة النضوج، وكذلك لاعوجاج التطبيق، وبُعده عن مقاصد وقواعد الشرع، الأمر الذي شوه من صورته».

وأضاف سيد البشير أن استمرار هذه السلحفائية والاعوجاج سيصيب هذه الصناعة في مقتلها، وسيجعلان نموها المأمول كفقاعة تتعاظم احتمالات سقوطها بين الفنية والأخرى، خصوصا أن تحديات هذه الصناعة وما يحجب بينها وبين بلوغ غاياتها المرجوة ما زالت قائمة.

ويرى الخبير المصرفي أن البديل الإسلامي ليس ناضجا أو جاهزا، لحداثة ومحدودية التطبيق حتى في البلدان الإسلامية ذاتها لأسباب تتعلق بدوافع سياسية، بجانب عدم تطوير المعاملات الإسلامية الأخرى بخلاف المعاملات المصرفية التي اختزل أو اقتصر التطبيق عليها تقريبا، إضافة إلى الخلاف والجدل المستمر بين المفكرين الإسلاميين حول بعض مكونات البديل الاقتصادي الإسلامي، في ظل العامل النفسي الذي أخذ يتنامى في الغرب الذي بات ينفر من كل ما يوصف بأنه إسلامي.

واستدل حسين على بداية السقوط بقرار المصرف المركزي لدولة قطر، بإغلاق الفروع الإسلامية للبنوك التقليدية بنهاية عام 2011، بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق معه حول ما ساقه من مبررات.

وأكد أن هناك حاجة ماسة وملحة إلى خارطة طريق للوصول إلى صناعة مالية إسلامية متكاملة ومتطورة تسير في الطريق الصحيح، تشتمل على محاور رئيسية، أولها قيام مرجعية موحدة للتنظير الاقتصادي والأكاديمي وللتطوير العلمي للصناعة، وللمراجعة المستمرة للتطبيق، وتقويم أي خلل أو اعوجاج، إذ يرى تتشتت مرجعيات الصناعة حاليا على مستوى العالمين الإسلامي والعربي، وبين المؤسسات ذات الصلة داخل الدول الواحدة.

وأضاف الخبير المصرفي أن هذا التشتت أدى إلى تضارب الفتاوى وتصاعد الخلافات بين محرم ومحلل، مستدلا على ذلك بإثارة قضية التورق المصرفي وما صاحبها من جدل، الأمر الذي ألحق بالصناعة الكثير من الخسائر، معتقدا أن أول خطوة في طريق التقييم والتقويم هي قيام مرجعية مستقلة داخل كل دولة، وتمثيلها في مرجعية واحدة مستقلة أيضا، على مستوى العالمين الإسلامي والعربي، وأن يكون أفراد هذه المرجعيات من أهل الاختصاص والخبرة في فقه المعاملات والاقتصاد والمال.

وبرأيه فإن قيام مركز بحثي تحت إدارة المرجعية الموحدة، ورفده بكوادر مؤهلة أيضا، ليتولى مسؤولية حصر وتصنيف البحوث والدراسات السابقة في الصناعة، والمراجعة المتأنية لتجارب الدول من حيث النظرية والتطبيق، ومن ثم وضع استراتيجية لتطوير صناعة المال الإسلامية، وتطوير آلية لعمل المركز لإعداد هذه الاستراتيجية، بحيث تستوعب آراء مختلف العلماء في المجال، وتستوعب كذلك خصائص وحاجيات المجتمع من الخدمات المالية، لتشمل كل أوجه الصناعة، التمويلي والاستثماري.

وأشار سيد البشير إلى أن المصرفية الإسلامية نجحت في إنتاج عقود التمويل المختلفة، والصكوك الإسلامية، وسداد وشراء المديونيات المصرفية، وإدارة الأصول الإسلامية، والأدوات والمشتقات المالية، والتأمين وإعادة التأمين التكافلي الإسلامي، والتمويل العقاري، والزكاة ومصارفها، والوقف الإسلامي كجزء من العمل الخيري، مستدركا: «ولكن هذا ليس كل شيء، فهناك الكثير من المنتجات المستحدثة التي ينتظرها العالم اليوم ليكون أكثر إيمانا بقدرة هذا النظام على التغلغل في عظم النظام المالي العالمي».

ودعا الخبير المصرفي إلى ضرورة قيام مركز يناط به إعداد خطة بحثية مستقبلية، طويلة المدى، لاستشراف آفاق هذه الصناعة، وتوجيه إنفاذ هذه الخطة والإشراف عليها، وتشجيع الباحثين في المجال ودعمهم ما أمكن، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجامعات التي تقدم درجات علمية في مجال صناعة المال الإسلامية.

وأوصى سيد البشير بأن يوكل لهذا المركز نقل نتائج هذه البحوث العلمية إلى الدول الأعضاء، وإلى المؤسسات المالية لنشر المعرفة العلمية، وترقية الصناعة، وللتوعية بالجانب الأخلاقي في الصناعة للابتعاد عن التدليس والغرر والجشع وكل صور الممارسات غير الأخلاقية، وكذلك لإحداث التفاعل المطلوب بين المركز ومرجعيات الدول المرتبطة بذلك.

وأكد أن مستقبل هذه الصناعة يتوقف على التطوير العلمي، من خلال الإبداع والابتكار، خصوصا في جانب المشتقات والأدوات المالية والتمويل المصرفي ليكونا من صميم عمل المركز، مبينا أن جانب الإبداع والابتكار يعد من أهم ما ينقص هذه الصناعة، ومن أهم أسباب تقاعسها.

ويرى الخبير المصرفي سيد البشير أن من الأهمية بمكان أن يعمل المركز على إنشاء قاعدة بيانات ومعلومات يسهل وصول الباحثين والمهتمين بالصناعة إليها، بالإضافة إلى إنشاء مجلس أعلى للتنظيم والرقابة والإشراف والتدقيق، ليعمل على مراجعة وإعداد تصور شامل للمعايير والقواعد التي تحكم عمل المؤسسات المالية الإسلامية ويلبي حاجة المستثمرين في الأسواق الرئيسية والثانوية، ووضع اللوائح والإجراءات اللازمة، بما يتفق مع المعايير الدولية الاحترافية في تقييم وإدارة الأصول ومستوى الإفصاح في التقارير السنوية، وفي الوقت نفسه بما يتوافق مع الأطر الشرعية.

واقترح أن يوكل لهذا المجلس مهمة تطوير المعايير والقواعد، حسب ما تقتضيه حاجة المعطيات المعاصرة، ولمواكبة التغيرات الاقتصادية المتلاحقة في عالم اليوم، وأن يقوم بتحديد النسب والمؤشرات الاحترازية لإدارة المخاطر بحصافة، ومراجعتها الدورية، مع إنشاء هيئات تصنيف تقيس مدى التزام المؤسسات المالية الإسلامية بالنواحي الشرعية في عملها، مع ضرورة الالتزام بأداء عمله بمهنية عالية.

ودعا خبير صناعة الصيرفة الإسلامية إلى رعاية وتطوير الكوادر البشرية في مجال الصناعة المالية الإسلامية من قانونيين ومصرفيين ومحاسبين، بتدريبهم باستمرار، ولإرساء ثقافة الاحترافية في تنفيذ الأعمال، مع مراعاة دمج محتوى برامج التدريب بين النظرية ودراسات الحالة ذات العلاقة، شريطة أن تتفق مع المعايير التي يصدرها مجلس الرقابة المشار إليه.

ولفت الخبير المصرفي إلى ضرورة الاستعانة بإدخال الوسائل التقنية الحديثة لتشمل كل المعاملات، كبطاقات الائتمان الإسلامية، وكذلك التعليم والتدريب الإلكتروني، وذلك تلبية لطموحات عملاء المصرفية الإسلامية والباحثين، بالإضافة إلى الترويج والتسويق الاحترافي للصناعة، للانتشار الجغرافي والنوعي للصناعة، لاستقطاب مساهمين جدد لرفع رؤوس أموال المصارف الإسلامية، وتنويع المنتجات والخدمات التخصصية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.