مطالبات بتقديم «المصرفية الإسلامية» كنظام آمن وقادر على معالجة خلل المؤسسات المالية العالمية

بعد توجه بلاد غربية لتعميم خدمات الصيرفة الإسلامية.. خبراء يدعون إلى مواكبة ذلك ومسك زمام المبادرة

TT

طالب خبراء اقتصاديون، القائمين على كبريات المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية، بتقديم المصرفية الإسلامية بشكل أفضل على أنها نظام مالي مأمون المخاطر وقادر على معالجة الخلل المالي والمصرفي الذي أصاب مؤسساتهم حتى الآن، داعين إلى مواكبة احتياج البنوك العالمية لأنظمة بديلة، بتقديم النظام المالي الإسلامي وما يتضمنه من حلول مصرفية آمنة.

وأكد الخبراء الاقتصاديون خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» على أهمية تجاوز القائمين على المصرفية الإسلامية لما برز من تحديات تمثلت في اختلاف وتعدد الفتاوى أو إلباس منتجات تقليدية ثوب الإسلام وهو منه براء كما في حالة التورق، في الوقت الذي لا يرى فيه من تجديد أو تطوير في هذا الصدد.

وأوضح الخبراء أنه وعلى الرغم من أن العديد من بلاد العالم التي تعرضت لهزة مالية ومصرفية كبيرة بسبب الأزمة المالية العالمية، باتت تجد في الأخذ بمبادرة المصرفية الإسلامية في تصحيح وضعها المالي والمصرفي، الأمر الذي يدعوا القائمين على المصرفية الإسلامية إلى مسك زمام المبادرة وتكثيف جهودهم وتعاونهم لتقديم النظام المالي بالشكل المطلوب.

وقال الخبير المصرفي عثمان بن ظهير، لـ«الشرق الأوسط» إن النظام الاقتصادي العالمي الذي كشفت الأزمة المالية العالمية عن عيوبه، أتاح فرصة ذهبية للنظام الاقتصادي والمالي الإسلامي لأن يتغلغل في كيان الاقتصادات الغربية، متوقعا أن يحل النظام المالي الإسلامي محلها في بعض البلاد التي اتجهت نحوه بجدية وأخذت مبادراته تناقش في برلمانها كبديل للتشريع المالي السائد فيها، مشيرا إلى أن بلادا متقدمة مثل فرنسا وبريطانيا تتجه نحو هذا المنحى، في الوقت الذي تحاول فيه بلاد أخرى مثيلة أن تعدل في قوانينها المالية.

وأكد بن ظهير أن النظام المالي الإسلامي مرن ويستوعب كل المستجدات وله القدرة على تطوير مسيرته، مبينا أن من الأمور التي كان المشككون فيها يرون أنها أحد أهم مهدداتها، أن المصرفية الإسلامية قد تعجز عن إيجاد بديل للبطاقات الائتمانية، موضحا أنها على عكس ذلك، إذ إن المصرفية الإسلامية استطاعت أن توجد عدة بدائل للبطاقات الائتمانية بداية بالصيغة التي تقوم على القرض الحسن والضمان، ثم ظهرت الصيغ التي تقوم على القرض الحسن والتصرف الفصولي أو القرض الحسن والتورق.

ويعتقد بن ظهير أن المصرفية الإسلامية استطاعت أن توجد الكثير من الصيغ التي تحقق جانب النفع للعميل والمصرف، مشيرا إلى أن صيغة البطاقة الائتمانية المسبقة الدفع هي مثال على المنتج الإسلامي الجيد الذي يبعد الناس عن الديون ويحقق الأرباح للمصرف.

وأشار إلى أن هذه المميزات ليست بكفيلة بأن تسوق المصرفية الإسلامية ومنتجاتها، مبينا ضرورة الاتجاه نحو مزيد من الابتكار والتطوير في المنتجات المالية الإسلامية والبعد عن التقليد والقص واللصق، مؤكدا في ذات الوقت أن هناك حاجة ماسة إلى منتجات تتوافق مع مقاصد الشريعة ليس فقط منتجات تتوافق مع الضوابط الشرعية.

ولعل المسؤولية هنا، والحديث لابن ظهير، تقع بشكل أكبر على الجامعات في الدول الإسلامية، إذ إنه يرى من المهم أن تخرج جيلا يجمع بين الفهم الفقهي والتطبيقي للعمل المصرفي كما يقع جزء من المسؤولية على أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئات الشرعية الذين في الواقع نرى لهم جهودا ملموسة في توجيه العمل المصرفي الإسلامي.

أما الخبير الاقتصادي عبد العزيز المهنا، فقد أكد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المصرفية الإسلامية أصبحت قطاعا مرحبا به من قبل المتعاملين معها حتى من غير المسلمين، مشيرا إلى توجه العديد من الصيارفة والأكاديميين إلى تخصيص دراساتهم فيها بعد إشاعتها في أوروبا وآسيا وأميركا، مبينا أن هناك منتجات مصرفية قديمة ظهرت في البنوك الأوروبية منذ القرن التاسع عشر واستمرت وتطورت، الأمر الذي يعطي دلالة واضحة على عدم تنافي ذلك مع الصرافة الإسلامية.

وأوضح المهنا أن قطاع الصيرفة الإسلامية أصبح تخصصا قويا ينافس الكثير من أنواع العمل الاقتصادي، معطيا حلولا للمصرفية بشكل عام، بحيث تلبي مطالب التنويع في الأوعية المصرفية التي برزت حديثا، بعد تجاوز حصرها في التعامل النقدي وشموليتها لجميع أنواع الاستثمار المصرفي الذي أصبح واسع المعالم متعدد الاتجاهات مع قدرتها على احتواء الكثير من المنتجات.

وأفاد الخبير الاقتصادي عبد العزيز المهنا بأن أوروبا كانت ترى أن ما نسبته 4 في المائة من النسب الكبيرة في الفوائد السنوية التي تقدم بصورة تقليدية لا يستطيعون الحصول عليها في غيرها، ولكنهم فوجئوا بأن المصارف الإسلامية تمنحهم نسبة أكبر مما يتصورون، إذ إن هذا النمط الجديد من العمل المصرفي وجد إقبالا جيدا وأفرد تخصصات قوية في كثير من بلاد العالم ومنها لندن ونيويورك وطوكيو، في الوقت الذي تعد فيه اليابان العدة لتعميم هذا النوع من الخدمات في بنوكها الكبرى ليكون في متناول يد المواطن الياباني.

وأضاف المهنا أن النظام البديل الذي يضعه الإسلام في قضية تحديد التعامل النقدي أكد أنه ليس نظاما مستحيلا وليس مضادا لأنواع الصرافة الأخرى بل يقف إلى جانبها منافسا لا طاردا، موضحا أنه إذا تمت صيانة الصرافة الإسلامية بقوة وتم توجيهها بشكل صحيح ستبعث برغبة ملحة لدى الأفراد والمؤسسات، لأن يكون للجميع حساب خاص في المصارف الإسلامية يحقق أرباحا جيدة، في حين أظهر أيضا في الصرافة الإسلامية قبول سائر التوجهات التنموية وتوجهات التأمين المالي.

وأشار الخبير المالي إلى أن هناك من يقول إن بطاقات الائتمان لا يشملها الصرافة الإسلامية، إلا أنه أكد أن قوانينها أثبتت قدرتها على استيعاب هذا النوع من بطاقات الائتمان، بل العكس، فقد ظهرت كثير من البطاقات التخصصية التي لم تكن البنوك التقليدية قادرة على إنتاجها، مبينا أن البنوك التجارية كانت تصدر بطاقات ائتمان تقوم على أساس الفوائد التقليدية ومضاعفة الفوائد في حين أن المصارف الإسلامية أظهرت بطاقة تعين المستهلك وتخفف من إشكالاته، بل وتعطيه الحق في أن تكون رقيبة على تصرفه، وهو ما يؤكد أن العمل بهذا الشكل هو الذي يعطي الصرافة الإسلامية موقعها المتجدد.

وقال المهنا إن الصرافة الإسلامية بدأت بنوع آخر من المسميات إذ لم تكن تسمى صرافة ولكنها كانت قائمة بنفس المفهوم منذ العصور الإسلامية الأولى.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن نسبة العمل المصرفي الإسلامي بالسعودية آخذة في النمو والتطور والشمولية، ولكن قد تنخفض هذه النسبة في التجارة العامة الكبيرة وربما لا تزيد نسبة التجارة الإسلامية لدى التجار الذين يتعاملون مع البنوك الكبيرة والتجارة عابرة القارات على 15 إلى 20 في المائة، إذ إن وجود هذه النسبة وارتفاعها من جميع الجهات في وقت واحد لم تكن تشكل فيه أي نسبة، غير أن الزمن كفيل بأن يعطيها القدرة على تحقيق القدر الأكبر من المكاسب، مع أهمية النظر إلى المستقبل بنظرة شفافة قادرة على تحديد الشبح القادم.

ويعتقد المهنا أنه ليس من الضرورة بمكان أن يطلق عليها اسم «صرافة إسلامية» ولكن الأهم من ذلك أن يكون هناك منتج مصرفي شامل ومنتجات مصرفية تحمل المنتج المصرفي، دون نسبتها إلى الدين وتكون حينئذ الصرافة الإسلامية شيئا طبيعيا.

وبحسب المهنا فإن هناك تجديدا يجري دائما على الأعمال التجارية والاقتصادية بوجه عام وهذا التجديد لا يأخذ في اعتباره العرق أو الدين أو الملة بل يأخذ في اعتباره الحاجات الخاصة والمصالح العامة، موضحا أن المصالح العامة تملي على الأكاديميين والمشرعين والمنظمين الاستثماريين البحث في الأوضاع التي تهدي إلى ضمان الربح واستبعاد الخسارة.

وأضاف: «في التعامل المصرفي التجاري يكون هناك جهة رابحة وحيدة وهي البنك، وجهة رابحة وحيدة وهي المستثمر الأكبر للمساهم في البنك، وعندئذ يكون هناك فرص مهيئة لضياع رؤى الأموال والخسارة في الطبقة الوسطى، حيث إن التعامل بالصرافة الإسلامية يحمي الطبقة الوسطى ويعطيها أهلية النهوض وانتشال الفئات ما دون خط الفقر إلى خطوط أعلى».

وأشار المهنا إلى أن المتعاملين في مجال الاقتصاد العالمي لاحظوا بالفعل أن هناك طبقية بدأت تتحرك وتتداخل الطبقات المالية وعندما يكون هناك مجال للتداخل الطبقي المالي سيخدم بالفعل الأوضاع الاقتصادية في أي بلد يقوم بتطبيقها على أكمل وجه، مؤكدا على أن للصرافة الإسلامية وجهة فيها لا تختلف إلا مع من يريد جني الأرباح بصفة منفردة وبعيدة عن مشاركة الآخرين في هذه الأرباح، إذ إن الصرافة الإسلامية تشرك المستهلك والمستثمر والمنتج للسلعة والمصرف وكل أطراف التعامل مع الصرافة الإسلامية.

وقال المهنا: «نحن في حاجة ماسة إلى أن تكون هناك أقسام للصرافة الإسلامية في كليات الاقتصاد والعلوم الإدارية ما دام هذا النوع من الفنون شائعا وأصبح أثره مقتفى حتى في الدول غير الإسلامية»، متسائلا لماذا لا يكون هناك قسم للصرافة الإسلامية في سائر الجامعات السعودية لأنها في حاجة ماسة إلى هذا النوع من الاقتصاد، وعن تحول الصرافة الإسلامية كفن مصرفي في الجامعات العربية والإسلامية وفي أطروحاتها العلمية.

ودعا المهنا لفتح مجال لنيل درجات الماجستير والدكتوراه في مجال المصرفية الإسلامية، لتعمق هذا المفهوم وتحقق اجتهادات وقياسات تظهر عن قوانين جيدة تطبق وتجعل هذه الصناعة جيدة ومرحبا بها حتى لا ترتدي ثوب التكهن وإنما ترتدي ثوب المنافسة الاقتصادية والمالية.

وبالعودة إلى الخبير المصرفي بن ظهير، فقد أقر بأن هناك من العوائق الرئيسية أمام تطور المنتجات المالية الإسلامية، ما يمكن أن يقعدها عن الدور المنوط بها وإبرازها كنظام مأمون المخاطر، وهو المنافسة بين المصارف في تعظيم الأرباح، وهذا يؤثر سلبا على جانب التطوير، مشيرا إلى أن المصارف دائما تحاول أن توجد المنتج الذي يبعد عنها المخاطرة ويضمن لها الربح لذا توسعت المصرفية الإسلامية في التورق والمرابحة حتى وصلت نسبة هاتين الصيغتين إلى 90 في المائة من مجموع المصرفية الإسلامية.

وقال: «هنا نقول إنه لا بد من وجود تشريعات مركزية تحمل هذه المصارف على الابتكار والتطوير إذ لو بقي الحال على ما هو عليه فقد نسيء على المدى البعيد للمصرفية الإسلامية، والأمل في الله أولا ثم في القائمين على هذه المصارف من جهات حكومية ومستثمرين وأعضاء هيئات شرعية وجهات بنية تحتية بأن تبذل المزيد من الجهود لتكون الصيرفة الإسلامية قادرة على قيادة النظام المالي العالمي».

أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن العطا، فيرى أن المصرفية الإسلامية لن يغنيها نجاحها إبان الأزمة المالية العالمية، من أن تقدم من جديد بشكل أكثر قوة ومنفعة للمتعاملين معها، مبينا أن الركون إلى تسويقها إعلاميا دون اللجوء إلى اتخاذ خطوات جادة لتطوير المنتجات الإسلامية والبحث عن الجديد فيها سيكون وبالا عليها، في الوقت الذي نحا بعض البنوك في بعض البلاد إلى اتخاذ خطوة رجعية بأن تغلق المنافذ الإسلامية في فروع بنوكها التقليدية، في الوقت الذي كان يتطلع فيه الغرب إلى برهان أقوى على جدوى المصرفية الإسلامية. وأوضح العطا أنه على الرغم من أن العديد من بلاد العالم التي تعرضت لهزة مالية ومصرفية كبيرة بسبب الأزمة المالية العالمية كما هو الحال في أميركا وبعض البلاد الأوروبية الأخرى، باتت تبحث في صدقية المصرفية الإسلامية كنظام منافس للنظام الاشتراكي والرأسمالي المعمول به هناك، في الوقت الذي أخذت فيه بعض البلاد المتقدمة تجد في الأخذ بمبادرة المصرفية الإسلامية في تصحيح وضعها المالي والمصرفي، إلا أنها تتعامل مع هذا الواقع بشيء من الحذر في ظل بروز الكثير من الاختلافات في أوساط الشرعيين الماليين في البلاد الإسلامية حول بعض المنتجات أو الوقوع في فخ التقليد غير المبرر.

ومع أنه أقر بأن هناك من يسارع للإقبال على منتجات جديدة في المصرفية الإسلامية، فإنه يرى فيه الريبة، مبينا أن ذلك يعد سرعة وإقبالا غير مطمئن قد يؤثر فيه اتجاه الأزمة المالية نحو الانفراج بسبب الإصلاحات التي تقوم بها بعض تلك البلاد التي تعمل بالنظام المالي غير الإسلامي.

وأرجع العطا هذا التوجس إلى عدم قدرة القائمين على أمر المصرفية الإسلامية على تقديمها للعالم كنظام مأمون المخاطر وقادر على معالجة الخلل المالي والمصرفي الذي أصاب مؤسساتهم حتى الآن، نسبة لبروز الكثير من التحديات التي تظهرها في مظهر المختلف على أمره سواء كان ذلك من حيث تعدد الفتاوى أو إلباس منتجات تقليدية ثوب الإسلام وهو منه براء كما في حالة التورق، في الوقت الذي لا يرى فيه من تجديد أو تطوير في هذا الصدد. ومع تأكيده على أن مبدأ المصرفية الإسلامية من حيث الجوهر نظام مالي ومصرفي فعال وضروري، فإن العطا لا يرى أنها الدواء لكل داء، بل إنها قابلة لأن تتحول إلى داء قاتل عندما تنحرف عن مسارها الصحيح، وتستخدم استخداما غير شريف أو غير شرعي ويكون هناك عملية لبس والتباس وصياغة لجداول مالية كاذبة في الوقت الذي تتفق فيه مع مبدأ الصرافة، ذلك لأن مبدأ الربح والخسارة مبدأ متعارف عليه في الصرافة الإسلامية.

وقال: «الخلل ليس في الصرافة الإسلامية كنظام مصرفي إسلامي حقيقي، وإنما الخلل يكون في عملية تطبيق القوانين والأنظمة، وهذا ليس شاملا فقط الصرافة الإسلامية وإنما جميع أنواع التعامل المالي والاقتصادي، لذا يجب ألا يكون هناك ثناء بعيد كل البعد عن تحديد مواطن الإثارة والفشل، مما يعني أن الفشل في الصيرفة الإسلامية يحصل عندما تستغل الثقة، لأن العمل المصرفي قائم على الثقة واستغلال أوضاع السوق والمصارحة بين المستثمر وجهة الاستثمار».