خبير مصرفي: مفاهيم «المسؤولية الاجتماعية للبنوك الإسلامية» تحتاج إلى «توضيح»

أكد وجود فجوة بين تطبيقات العقود الشرعية وواجبات المؤسسات المالية

ناصر الزيادات الباحث في جامعة درم ببريطانيا
TT

في الوقت الذي يرى فيه بعض علماء الشريعة الإسلامية، تحقق المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات المالية بمجرد تحقيقها لمقاصد الشريعة بالتطبيق الحقيقي للعقود الإسلامية، أكد خبير مصرفي وجود فجوة بين تطبيقات العقود المالية الإسلامية في العصر الحديث، «حتى وإن صح تطبيقها»، وواجبات المؤسسات المالية الإسلامية.

وقال الخبير المصرفي ناصر الزيادات، الباحث في جامعة درم ببريطانيا والممارس المعتمد في التحقق من الاستدامة، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك عددا من المفاهيم حول المسؤولية الاجتماعية للبنوك الإسلامية تحتاج إلى توضيح بشكل يتسم بقدر كبير من الشفافية والدقة، مشيرا إلى أن فلسفة النظام الاقتصادي الإسلامي تختلف عن فلسفة النظام الرأسمالي الذي تعمل فيه المؤسسات المالية الإسلامية.

ووصف الخبير المصرفي ناصر الزيادات، من يعتقد بأن المسؤولية الاجتماعية تتعلق بالعمل الخيري، «أي في جانب الصدقات ضمن المفهوم الشرعي»، بالأمر الخاطئ، مؤكدا أن المسؤولية الاجتماعية وفقا للمعايير العالمية تمتد لتشمل التزام المؤسسات بمراعاة هموم واهتمامات وتوقعات الأطراف ذات الصلة بالشركة وتغطي الجوانب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية ضمن ما يعرف بمفهوم الحد الثلاثي الأدنى من المسؤولية.

وفي رأي الزيادات، فإن ذلك يعني بالضرورة أن العمل الخيري يعد جزءا بسيطا من المسؤولية الاجتماعية، لكنه ليس كلها، مبينا أن ما يحصل في تطبيقات البنوك الإسلامية في المسؤولية الاجتماعية لا يتعدى كونه عملا خيريا يقع ضمن مفهوم قوله تعالى: «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ».

وأضاف الزيادات أن غالبية هذه البنوك، تعلن عن صدقاتها من خلال برامج العلاقات العامة والإعلام، وأنها لا تزال تقع ضمن الشق الأول من قوله تعالى «فَنِعِمَّا هِيَ»، وهنا المديح للصدقات، مشيرا إلى أن الأخير للبنوك يتمثل في إخفائها «وَإِنْ تُخْفُوهَا... فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»، متسائلا في ذات الوقت عن سبب اختيار البنوك مديح الصدقات وعدم اختيارها الخير لنفسها.

وذكر الخبير المصرفي، أن المسؤولية الاجتماعية تعد بالفعل مفهوما ولد من رحم الرأسمالية في خمسينات القرن الماضي، ويعد العالم الاقتصادي باون أول من أطرها في مفهومها الحديث في كتابه «المسؤولية الاجتماعية لرجل الأعمال» عام 1953، مبينا أن الدول الصناعية كانت آنذاك قد خرجت من فترة الحرب العالمية الثانية ووجدت الحكومات نفسها أمام الكثير من التحديات للنهوض بالاقتصادات بعد الحرب.

ووفق الزيادات؛ كان من جملة التحديات فشل الشركات في القطاع الخاص في تحقيق بعض من جوانب الرفاه الاجتماعي للمجتمع، فظهر مفهوم «المسؤولية الاجتماعية» على اعتبار أنه عامل أخلاقي يلزم الشركات بتحمل جزء من تلك المسؤوليات تجاه المجتمع، مبينا أن فكرة المسؤولية الاجتماعية واجهت هجوما مكثفا من قبل الاقتصاديين الكلاسيكيين آنذاك من أمثال ثيودور ليفيت، وميلتون فريدمان، مستدركا بأن من أيدوا الفكرة من علماء الاقتصاد الاجتماعي كانوا قد لمسوا أن فلسفة المصلحة الذاتية التي يبنى عليها النظام الرأسمالي ونموذجه للسوق الحرة التنافسية أدت بالشركات إلى تفضيل مصالحها الخاصة على حساب مصلحة المجتمع من خلال ممارسات خاصة اتسمت بالفضائح الأخلاقية التجارية، آنذاك.

وأضاف الزيادات: «على أي حال، استمرت الفضائح الأخلاقية التجارية إلى عصرنا هذا، وقد لمسناها مؤخرا في ممارسات كبريات المؤسسات المالية العالمية التي أدت إلى الأزمة المالية، لكننا في هذه الأيام أيضا نلاحظ ممارسات غير مقبولة أخلاقيا من قبل البنوك الإسلامية؛ نقص الحوكمة وقلة الشفافية والتمويل من تحت الطاولة والمعاملات الصورية والتمويل الترفي»، مؤكدا أن مرد ذلك يعود إلى تأثر تلك البنوك بفلسفة النظام الرأسمالي الذي تعمل به، والذي يسعى فقط إلى تحقيق مصلحتها الذاتية.

وقال الباحث في جامعة درم ببريطانيا والممارس المعتمد في التحقق من الاستدامة: «الحقيقة التي لا مناص منها والتي يغفل عنها الشرعيون قبل الاقتصاديين هي أن الشريعة الغراء إنما تمثل نظام حياة ولا يمكن اقتصارها على هيكلة عقود لتصبح متوافقة مع الشريعة، ثم يأتي العالم الفضيل ليقول إن تطبيق العقود بحذافيرها الشرعية سيفضي إلى مقاصد الشريعة».

وزاد الخبير المصرفي، أن البنوك الإسلامية مولت في عام 2005 شراء الأسهم للكثير من عملائها - وفقا للتورق أو المرابحة على اعتبار أنهما عقدان شرعيان منفذان بحذافيرهما - وكانت النتيجة أن أسهمت تلك التمويلات في تضخم أسعار الأسهم وانهيار الأسعار المفاجئ نتيجة تصحيح السوق لنفسه، وبالتالي خسارة الأموال بكميات كبيرة التي أدت إلى ضرب مقصد شرعي مهم، وهو حفظ المال.

وأقر الزيادات باتفاقه مع الطرح الذي يقول إن لا مسؤولية اجتماعية للبنوك الإسلامية لأن المسؤولية الوحيدة لها - في رأيه - هي تحقيق الأرباح، مبينا أن هذا رأي أحد أعلام الاقتصاد الإسلامي، غير أنه اعتبر هذا الرأي منقوصا، مؤكدا في الوقت نفسه أن تحقيق الأرباح يجب أن لا يسفر عنه تحقيق المآسي للمجتمع، مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار».

وقال الخبير الزيادات: «أستطيع أن أخلص إلى أن (المسؤولية الاجتماعية) للبنوك تتمثل في عدم الإضرار بالمجتمع والبيئة والاقتصاد من خلال ممارستها لأعمالها الطبيعية، وإن حصل ووقع الضرر فإن من مسؤولية تلك البنوك أن تصلح ما أفسدته، وهذا من أبجديات التعاملات في ديننا الحنيف (الضرر يزال)، فكيف لي أن أقبل أن تقوم البنوك الإسلامية بالتبرع بملايين الدولارات للأعمال الخيرية المجتمعية، ثم تفسد الاقتصاد والمجتمع بمليارات الدولارات، بل ويتعدى هذا إلى تشويه صورة التعامل المالي الإسلامي في كثير من الأحيان من خلال التعاملات الصورية التي نعرفها جميعنا».