دعوات لضرورة الانتقال التدريجي من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية في عمان

خبراء يؤكدون الحاجة لتفادي الأضرار الأخلاقية والفنية من خلال خبراء متمرسين

جانب من مدينة مسقط (إ.ب.أ)
TT

رشح خبراء في المصرفية الإسلامية حدوث منافسة قوية بين البنوك التقليدية في عمان مع البنوك الإسلامية المستحدثة، مشيرين إلى ضرورة الانتقال التدريجي من التقليدية إلى المصرفية الإسلامية، المبنية على المشاركة والصيغ الإسلامية الأخرى.

وأكدوا أن صمود وفعالية النظام المصرفي الإسلامي خلال الفترة الماضية، حدا بالعديد من دول العالم بالاتجاه نحو البحث عن البديل، وتعديل قوانينها بما يتناسب وتهيئة نظامها المالي باستيعاب تطبيقات المصرفية الإسلامية، مشيرين إلى أن اتجاه سلطنة عمان نحو السماح بالعمل بنظام المصرفية الإسلامية، لا يخرج عن هذا الإطار، مشيرين في الوقت نفسه إلى أنها تهدف من اتخاذها هذه الخطوة، إلى الحد من نزوح الأموال منها إلى المؤسسات المالية الإسلامية في الخارج بسبب تنامي الطلب على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية، وهي خطوة في رأيهم إيجابية إذا ما كانت البنوك المحلية الإسلامية قادرة على المنافسة مع نظيراتها الأكثر خبرة.

وقال الخبراء «إن السماح بترخيص أول بنك إسلامي سيقود بالتأكيد إلى السماح بتراخيص من أنواع أخرى لمؤسسات مالية إسلامية، كشركات التأمين التكافلي وشركات الاستثمار والتمويل الإسلامي، هذا بالإضافة إلى تراخيص الشركات التي تقدم الخدمات المساندة للتمويل الإسلامي مثل شركات الاستشارات الشرعية والتدقيق الشرعي والتدريب المختص وغيرها».

ويعتقد الخبراء أن من أهم الأمور التي يجب قراءتها في هذا القرار هو التنافسية الشرسة، التي ستواجهها البنوك التقليدية، مبينين أن الفطرة السليمة لدى العمانيين ستحتم على البنوك الإسلامية المحتملة، أن ترفع من نسبة حرصها الشرعي، غير أن السلطنة في حاجة إلى الانتقال إلى مجال العمل فيها بعد التحرر من النظام التقليدي بشكل تدريجي، بحيث يبنى على المشاركة والصيغ الإسلامية الأخرى المبنية على المديونية المنضبطة شرعا كالمرابحة والإيجارة والسلم وغيرها.

وأوضحوا أنه لا بد من أن يكون الإقبال على هذه التجربة بما تستحقه من معطيات وبنيات أساسية لضمان نجاح التجربة، من توفير للخبرات الكافية والقدرة المؤسسية على استيعاب النظام الجديد ضمن إطار النظام التقليدي السائد، مبينين نوعين من الانتقال من نظام المصرفية الإسلامية، أولهما التدرج السلس وهو الأفضل والآمن، وثانيهما الانتقال المفاجئ السريع وهو انتقال أضراره أكثر من محاسنه.

من ناحيته يرى الخبير المصرفي الدكتور سيف الدين إبراهيم، أنه في الظروف الاقتصادية الراهنة، هناك الكثير من التغييرات التي حدثت في أجزاء متفرقة من العالم، ومن أهمها الانعكاسات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية، التي أفرزت حالة سيولة شاملة تصطحب فيها إعادة النظر في الأدوات المالية التي صنعت هذا الواقع، الأمر الذي دفع الكثيرين للانحراف من مسار النظام المصرفي التقليدي نحو النظام المصرفي الإسلامي الذي بدا صامدا أمام ريح الأزمة المالية، كبديل يبشر بآفاق أرحب تطبيقيا.

وفي رأي إبراهيم أن هذا الواقع، كان بمثابة حافز قوي لعمان لأن تجري تقييما موضوعيا لهذا الحدث المصرفي العالمي، حيث آن لها الأوان لأن تنظر في هذا الخيار كشيء فعال ومثمر وله أثاره الإيجابية لتحقيق أكبر قدر من المنفعة المصرفية والخروج بأقل الخسائر، بعيدا عن العاطفة الإسلامية رغم تكوينها وديانتها وعروبيتها.

وتصور الخبير المصرفي أن القبول والإقبال نحو إدخال المصرفية الإسلامية في دولة إسلامية كسلطنة عمان، إنما هو نتاج قناعة تولدت بعد فترة كافية من الدراسة والمراجعة، غير أنها في حاجة في الانتقال إلى مجال العمل فيها بعد التحرر من النظام التقليدي بشكل تدريجي، بحيث يكون مبنيا على المشاركة والصيغ الإسلامية الأخرى المبنية على المديونية المنضبطة شرعا كالمرابحة والإيجارة والسلم وغيرها.

واستدرك الخبير المصرفي بأنه لا بد أن يكون الإقبال على هذه التجربة بما تستحقه من معطيات وبنيات أساسية لضمان نجاح التجربة، من توفير للخبرات الكافية والقدرة المؤسسية على استيعاب النظام الجديد ضمن إطار النظام التقليدي السائد، مبينا نوعين من الانتقال من نظام المصرفية الإسلامية، أولهما التدرج السلس وهو الأفضل والآمن، وثانيهما الانتقال المفاجئ السريع، وهو انتقال أضراره أكثر من محاسنه.

وأشار في هذا السياق إلى تجربة «البنك الأهلي التجاري» السعودي التي كان أحد المساهمين فيها خلال التسعينات من القرن الماضي، حيث كانت تقوم على استراتيجية مبنية على تدرج في مسألة إدخال الخدمات المالية الإسلامية، مستندا في ذلك على فتوى لعدد من المشايخ كان أبرزهم بن باز، مؤكدا أن نجاح مثل هذه التجربة يتطلب هذا التدرج، ذلك لأن الأخير بمثابة وسيلة للتعلم.

أما البديل المفاجئ – الانتقال المفاجئ من حالة المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية – بحسب الخبير المصرفي، فله أضرار كثيرة، مبينا أن ذلك ثبت في تجربة باكستان خلال الثمانينات، ذلك عندما أصدر رئيسها ضياء الحق آنذاك قرارا يقضي بأسلمة النظام الاقتصادي بكلياته في فترة محدودة، حيث كانت النتيجة العجز عن التطبيق الصحيح لذلك، الأمر الذي عاد بالنظام الاقتصادي الباكستاني إلى فكرة التدرج، إذ إن ذلك من شأنه أولا، أن يوفر فرصة كافية للتعلم والكشف عن الأخطاء ومعالجتها على وجه الدقة، وثانيا تفادي الأضرار الكثيرة التي يسببها الانتقال المفاجئ.

ويعتقد الخبير المصرفي أن الأضرار الناجمة عن الانتقال المفاجئ من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية نوعان، أولهما أضرار أخلاقية وهي الأضرار الناجمة عن انجراف الكثيرين من العوام وراء دعايات المصرفية الإسلامية التي لا تكون قائمة على أقدام راسخة ويكون هدفها الربح البحت، الأمر الذي يجعل من هذه العملية برمتها عملية استغلال الأموال باسم المصرفية الإسلامية دون الاستناد إلى أي نوع من الرقابة الشرعية الرصينة المبنية على الخبرة المهنية المتقنة.

وأشار إلى أن ذلك الخطأ وقعت فيه الهند، التي حاولت أن تستجدي العاطفة الإسلامية لدى شريحة كبيرة من سكانها المسلمين، حيث فجأة حاولت الانتقال باقتصادها ومصرفيتها من التقليدية إلى الإسلامية، فأخفقت في الأهداف المالية، الأمر الذي جعل الدولة تقضي بإيقافها.

وقال الخبير المصرفي: «هناك اجتهادات لدول إسلامية أخرى حاولت تطبيقها في الثمانينات فأضاعت أموالها تماما كما فعل (بنك الاعتماد الدولي) ببريطانيا حيث تم فيه ممارسات مصرفية باسم المصرفية الإسلامية غير أنها كانت غير منضبطة، الأمر الذي انتهى بضياع أموال المودعين وإشاعة سمعة سيئة عن المصرفية الإسلامية».

أما النوع الثاني من أضرار الانتقال المفاجئ من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية، فبحسب الخبير المصرفي، هو الأضرار الفنية، أي تلك الناتجة عن النواحي الفنية، بسبب ندرة الكوادر المؤهلة فنيا وإداريا، والاعتماد على مصرفيين قليلي الخبرة أو مصرفيين متشبعين بالمصرفية الإسلامية ومسيطرة على أدائهم المصرفي، مما يعني في رأيه أن المعالجة في هذه الحالة تكمن في بذل جهد أكبر بتنظيم دورات تدريبية مكثفة حتى ولو استغرقت وقتا أطول، مشيرا إلى أن سلطنة عمان معنية أكثر من غيرها بدراسة كل هذه الأوضاع لتخرج برؤية مصرفية متكاملة تؤسس لتجربة مصرفية إسلامية رائدة وراسخة.

وأضاف الخبير المصرفي أن تجربة التحول إلى المصرفية الإسلامية في السلطنة تحتاج إلى الخبرات ذات الكفاءة في هذا المجال مع الوقت، ذلك لأنها أولا ليس لها من الإرث المصرفي الإسلامي والخبرات ما يمكنها من الانطلاق بسرعة، وثانيا لأنها لا تستطيع أن تصل بالانتقال التدريجي إلى بناء تجربة أكثر رسوخا وصلابة للمصرفية الإسلامية على المدى البعيد، إلا في حالة تدريبها الكوادر المصرفية التقليدية التي لها رغبة حقيقية ومتقبلة للانخراط في تجربة حديثة بعد التأهيل الذي يمكنهم من القيام بتطبيقها بشكل أكثر دقة وأكثر فعالية.

وقال: «لحسن الحظ أصبحت المؤسسات التدريبية للمصرفية الإسلامية والاستشارية في هذا المجال متوافرة، مما يعني أن سلطنة عمان أمامها فرصة ذهبية يتعين عليها اغتنامها في صناعة كوادر مؤهلة ومتدربة لتوفر الجهد والوقت، مع أن اكتساب خبرات جاهزة أفضل من خبرات تحت التدريب الذي قد يصاحبه بعض الخطأ غير المقصود».

وزاد الخبير المصرفي أن أمام سلطنة عمان أن تستعين بخبرات جاهزة، وذلك لوضع النظم المالية المحكمة ومعالجة القضايا التي تحتاج إلى إعادة نظر، داعيا الحكومة العمانية لأن تهيئ البنك المركزي بالسلطنة، وذلك بأن تدخل وحدة خاصة فيه، مهمتها الإشراف على تأسيس مصرفية إسلامية وتأهيلها ومن ثم تطبيق أدوات رقابية نقدية جديدة تكون متوافقة مع ضوابط الشريعة الإسلامية.

وكانت قد قررت سلطنة عمان فتح الباب أمام البنوك الإسلامية وإتاحة الفرصة للبنوك التقليدية بإدارة عمليات موافقة لأحكام الشريعة في مسعى لاقتناص حصة من قطاع التمويل الإسلامي سريع النمو، حيث إنه قد تم مؤخرا، فتح باب التقديم لإنشاء أول بنك إسلامي في سلطنة عمان بعد مرسوم من السلطان قابوس بن سعيد.

وقال منشور بثته وكالة الأنباء العمانية إن السلطان قابوس وافق على تأسيس بنك إسلامي والسماح للبنوك في السلطنة بفتح فروع جديدة إذا أرادت، مع عدم السماح للبنوك القائمة بالتحول إلى بنوك إسلامية.

وعمان هي الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست التي لم تؤسس حتى الآن بنكا متخصصا في المنتجات والخدمات الإسلامية، وتهدف الخطوة إلى الاستفادة من الطلب على المنتجات والخدمات المصرفية الإسلامية الذي تجري تلبيته حاليا في دول أخرى بمنطقة الخليج التي ينتعش بها قطاع التمويل الإسلامي. وقال جويس ماثيو رئيس البحوث في «المتحدة للأوراق المالية» في مسقط لوكالة الأنباء العالمية «رويترز»: «من المتوقع أن يساعد هذا القرار في الحد من نزوح الاستثمارات الإسلامية عن السلطنة، وبالنسبة إلى البنوك القائمة من المتوقع أن يفتح هذا القرار أبوابا جديدة للإيرادات ويتيح فرصا للنمو». وقالت برايس ووتر هاوس كوبرز، في تقرير في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن صناعة التمويل الإسلامي البالغة تريليون دولار من المتوقع أن تنمو بين 15 و20 في المائة سنويا مستقبلا. وحظرت قطر في فبراير (شباط) على البنوك التقليدية تقديم خدمات التمويل الإسلامي في محاولة لدعم بنوكها الإسلامية.

وفي هذا الصدد، اعتبر ناصر الزيادات الباحث في التمويل الإسلامي بجامعة درم ببريطانيا، أن سماح سلطنة عمان بالتمويل الإسلامي، بمثابة فتح جديد من فتوحات التمويل الإسلامي في دولة عربية مسلمة هذه المرة، مبينا أن من مميزات هذا الفتح أنه كان للأقربين وهم أولى بالمعروف.

ومن خلال التصريحات الصادرة عن البنك المركزي العماني فقد جاءت الخطوة الأولى بالسماح لأول بنك بالتأسيس وفقا للشريعة مع عدم السماح للبنوك القائمة بالتحول بل الاكتفاء بالسماح لها بفتح فروع إسلامية.

وهنا لدى الزيادات رأيان، الأول أن تلك الفروع ستكون فروعا مستقلة بالكامل ومنفصلة وهو الأولى والأفضل وهذا ما لجأت إليه ماليزيا وقطر، والثاني أن تكون الفروع عبارة عن نوافذ إسلامية تابعة بالكامل للبنوك التقليدية الأم، وهذا في رأيه غير محبذ إذ أثبت هذا النموذج أن فيه الكثير من الإشكاليات الفنية والشرعية كما أنه يصعب من مهمة السلطات الرقابية.

ويعتقد الزيادات أن السلطنة تهدف من اتخاذها هذه الخطوة، إلى الحد من نزوح الأموال منها إلى المؤسسات المالية الإسلامية في الخارج بسبب تنامي الطلب على المنتجات والخدمات المالية الإسلامية، وهي خطوة في رأيه إيجابية إذا ما كانت البنوك المحلية الإسلامية قادرة على المنافسة مع نظيراتها الأكثر خبرة.

وقال الزيادات: «إن السماح بترخيص أول بنك إسلامي سيقود بالتأكيد إلى السماح بتراخيص من أنواع أخرى لمؤسسات مالية إسلامية كشركات التأمين التكافلي وشركات الاستثمار والتمويل الإسلامي، هذا بالإضافة إلى تراخيص الشركات التي تقدم الخدمات المساندة للتمويل الإسلامي مثل شركات الاستشارات الشرعية والتدقيق الشرعي والتدريب المختص.. إلخ».

ويعتقد أن من أهم الأمور التي يجب قراءتها في هذا القرار هو التنافسية الشرسة التي ستواجهها البنوك التقليدية، لا سيما أن البنوك العمانية تعد ذات أداء مالي متدن مقارنة مع نظيراتها الخليجية، وذلك لأن الكثير من الشعب العماني متدين بالفطرة.

وفي هذا السياق قال: «علمت من أحد الأصدقاء هناك أنهم يؤسسون جمعيات عائلية يتم فيها تجميع الأموال ومنحها على هيئة قروض حسنة للمعسرين وذوي الحاجات، وذلك رغبة منهم في عدم التعامل مع البنوك التقليدية. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الفطرة ستصعب من عمل البنوك التقليدية في ظل وجود بنوك إسلامية».

والأهم من ذلك في رأي الزيادات، أن الفطرة السليمة لدى العمانيين ستحتم على البنوك الإسلامية المحتملة أن ترفع من نسبة حرصها الشرعي وتبتعد عن العقود التي تعتبر مثارا للجدل كالتورق والوكالة بالاستثمار مع حق التعاقد مع النفس، مبينا أن هذا السيناريو لا بد أن تواجهه البنوك الإسلامية في عمان بعد فترة من الزمن يتشكل فيها الوعي المجتمعي في عمان، بحيث تصبح فيه محل انتقاد إذا ما أصرت على ممارسة وتطبيق مثل تلك العقود.