دراسة مالية تكشف عن بديل شرعي لتمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش

وصفت المضاربات في الأسواق المالية بأنها ليست الخيار الاستثماري الإسلامي الأمثل

TT

كشفت دراسة مالية عن أبرز البدائل الشرعية للمنتجات التقليدية في ما يتعلق بتمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش التي طبقتها المصارف الإسلامية، حيث أوصت الدراسة بتطبيق منتج «تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش عبر عقد المرابحة»، الذي تشتمل هيكلته على جميع آليات منتج المتاجرة بالهامش التقليدي وخصائصه الفنية.

وأوضحت الدراسة التي أعدها الدكتور حامد ميرة، الخبير المصرفي والباحث في التعاملات المالية الإسلامية، أن منتج «تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش عبر عقد المرابحة» يشتمل على جميع آليات منتج المتاجرة بالهامش التقليدي وخصائصه الفنية من إجراءات فتح محفظة المتاجرة بالهامش، وتحديد الحد الأدنى للهامش، وهامش الوقاية، ورهن المحفظة، وآلية تسييلها، وهو ما يجعله البديل الشرعي الأنسب.

وجاء في الدراسة المالية الإسلامية، أن «الفارق الرئيس بين هذا البديل والمنتج التقليدي هو: تمويل السمسار للمستثمر من خلال عقد المرابحة للأمر بالشراء، وبعد التأمل في حقيقة هذا المنتج، وما اشتمل عليه من تفصيلات، وبناء على ما توصلت إليه الدراسة، فقد ترجح جوازه في صورته المركبة المتكاملة شريطة استجماعه لضوابط شرعية عدة».

وفصل الباحث الدكتور حامد ميرة هذه الضوابط الشرعية في عدة جوانب، منها أن تستجمع عقود بيع الأسهم بالأجل شروط صحة عقد البيع وتنتفي عنها موانعه، ومن أهم ما يؤكده في ذلك، تحقق العلم بالمبيع وذلك بتحديد عدد الأسهم المبيعة في كل شركة، وتحديد ثمنها، وأجل سداد دينها، فضلا عن أن تكون جميع الأسهم التي تحويها محفظة المتاجرة في الأسهم بالهامش مباحة ومستجمعة للضوابط الشرعية للأسهم.

وقال ميره: «إذا سيل البنك المحفظة الاستثمارية للعميل وباع موجوداتها من الأسهم المرهونة أو بعضها، فيجب أن يتم تنفيذ ذلك بسعر السوق، وألا يكون ذلك على وجه فيه ضرر ظاهر وبالغ على المستثمر وعلى الاقتصاد برمته، كالأزمات الاقتصادية الطارئة وانهيارات الأسواق، إذ إنه من المتقرر في القاعدة الفقهية الكبرى أن (لا ضرر ولا ضرار)»، مضيفا، عدم اشتمال صفقات المتاجرة في الأسهم التي ينفذها المستثمر على التغرير والنجش، والغش والخداع، والاحتكار والتلاعب والتضليل.

وبالنظر إلى مقاصد الشريعة في المال ومقارنة ذلك بحقيقة منتج المتاجرة في الأسهم بالهامش، وما ذكره بعض الاقتصاديين من آثاره السلبية، فإن الباحث يرى في دراسته أن المجازفات، أي المضاربات في الأسواق المالية، ليست الخيار الاستثماري الأمثل الذي ينبغي تشجيعه، فضلا عن دعمه بالديون، وعليه فالأولى تحجيم هذا المنتج ومعالجة آثاره السلبية بأكبر قدر ممكن بوضع جملة من الضوابط والمعايير. وبحسب الباحث، فإن الدور الأكبر في هذا السياق، يقع على عاتق الجهات الحكومية المنظمة والمراقبة للأسواق من خلال تقدير المصلحة في ذلك، وعدم السماح بنمو المضاربات والمجازفات بشكل ضار بالأسواق، فضلا عن إدارة حجم التمويلات التي تقدمها البنوك والمؤسسات المالية لأنشطة المضاربة في الأسواق المالية مقارنة بحجم التمويلات التي توجه للتنمية الاقتصادية الحقيقية من صناعة وزراعة وتجارة ذات القيمة المضافة والآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع، فضلا عن اتخاذ خطوات عملية تحمي آحاد المستثمرين من التورط في حبائل القروض والتمويلات الكبيرة التي تفوق قدراتهم على السداد التي يجذبهم إليها السعي خلف سراب الثراء السريع.

أما في ما يتعلق بشراء المديونيات المؤجلة على الغير، استعرض فيه الباحث ثلاثة جوانب، أولها التعريف بشراء المديونيات المؤجلة على الغير، وثانيهما حكم شراء المديونيات المؤجلة على الغير، مع دراسة تطبيقية لأحد عقود شراء المديونيات المؤجلة على الغير. ومن أبرز ما توصل إليه الباحث في هذا الجانب، أنه نشأ في الواقع المصرفي المعاصر ما يسمى شراء المديونيات المؤجلة للبنوك أو سداد مديونيات البنوك، والمراد به، أن يتقدم مدين فرد أو منشأة إلى مصرف ليسدد عنه أو يموله ليتمكن من سداد دينه القائم لدائن آخر وفق آلية محددة.

وأوردت الدراسة: «عندما كان محل اتفاق بين فقهاء العصر تحريم الآلية التقليدية لشراء المديونيات المؤجلة على الغير التي تنتهجها البنوك التقليدية، والتي تقوم على شراء دين العميل النقدي المؤجل بنقد، لاشتمالها على ربا الفضل والنسيئة، فقد سعت المصارف الإسلامية إلى استحداث بدائل منضبطة بالضوابط الشرعية لتسديد مديونيات العملاء للبنوك والمصارف الأخرى، أو ما يسمى شراء المديونيات المؤجلة».

وجاء من أبرز ما تم اقتراحه في الدراسة بخصوص تلك البدائل المنضبطة، منتجان هما، أولا شراء المديونيات المؤجلة بسلع حاضرة، ثانيا إنشاء دين جديد للعميل مع اشتراط سداده الدين الأول.

وذكر الباحث في دراسته أن أبرز البدائل المطروحة في المصرفية الإسلامية المعاصرة لشراء المديونيات هو شراؤها بأعيان وسلع حاضرة، بحيث يقوم المصرف بشراء مديونية العميل القائمة لبنك أو مصرف آخر بأعيان وسلع حاضرة. ومع كون هذا البديل يتمتع بمرونة كبيرة، وسهولة في التطبيق من الناحية النظرية، فإنه يظهر للباحث أن تطبيقه في مجال شراء مديونيات العملاء تكتنفه صعوبة كبيرة من الناحية العملية التطبيقية في الواقع المصرفي المعاصر، لأن تنفيذه ينطوي على تعارض في المصالح كبير بين المصرف الدائن، والمصرف الذي يريد شراء الدين لنقل العميل إليه.

وقال ميرة في دراسته: «بعد التأمل في هيكلة منتج شراء المديونيات المؤجلة بسلع حاضرة، تبين أن حكمه يتأسس على الراجح في مسألة بيع الدين المؤجل من غير من هو عليه بثمن حال التي اختلف الفقهاء في حكمها على ثلاثة أقوال». وبعد دراسة الأقوال الثلاثة وما اقترن بذلك من استدلال ومناقشة، ترجح للباحث القول بجواز بيع الدين المؤجل من غير المدين شريطة انتفاء الفائدة غير المشروعة والغرر عنها، وعليه فقد ذهب الباحث إلى جواز منتج شراء المديونيات المؤجلة بسلع حاضرة.

واعتبر الباحث منتج «إنشاء دين جديد للعميل مع اشتراط سداده الدين الأول»، أبرز البدائل التي حظيت بتطبيق واسع في المصارف الإسلامية لتمكين العملاء من سداد مديونياتهم القائمة للبنوك الأخرى، والذي يتم من خلال إبرام عقد تمويل مباح جديد مع العميل، باشتراط سداده لدينه القائم للبنك الأول، وتحويل راتبه على المصرف بعد ذلك مباشرة، ضمن شروط وإجراءات محددة. وبعد دراسة تفصيلية لهيكلته بحسب الباحث، فقد ترجح له أيضا جواز هذا المنتج شريطة استجماعه ضوابط شرعية عدة، من أبرزها: أن يتم تنفيذ التمويل وإنشاء المديونية وفق أحد عقود التمويل الشرعية المجازة، مع أهمية استيفاء الضوابط الشرعية لذلك العقد وسلامته من الموانع والمحظورات، وألا يكون هناك تواطؤ بين البنوك على تسديد مديونيات عملائها، على وجه فيه قلب للدين بزيادة على المدين.