مصرفية إسلامية واحدة.. أم مصرفيات؟

مطالب بوضع معايير موحدة تلتزم البنوك الإسلامية بتطبيقها

تعرف البنوك الإسلامية تفاوتا في تطبيق المعايير («الشرق الأوسط»)
TT

دعا أكاديمي سعودي متخصص في المصرفية الإسلامية إلى وضع معايير موحدة تلتزم جميع البنوك الإسلامية بتطبيقها أو على الأقل وضع حد أدنى لتطبيقها بهدف القضاء على إشكالية التفاوت في تطبيق المعايير، مطالبا في الوقت ذاته بإيجاد جهة إشرافية عليا من خلال تجمع لأكبر المؤسسات المالية الإسلامية، للقيام بالتفاوض مع الجهات العالمية العليا مثل البنك الدولي، لتضمين شروط ومعايير الخدمات المصرفية الإسلامية التي تتناسب مع البنوك التقليدية والإسلامية على حد سواء.

وأشار الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود حاجة ماسة لتوحيد معايير المنتجات المصرفية الإسلامية، حيث ما زال التمويل الإسلامي يحتاج إلى تأسيس إطار علمي متكامل وشامل لمبادئه وتطبيقاته بشكل يراعي التكامل في تخصصاته الرئيسية، من خلال عمل المتخصصين المشترك.

وقال الشلهوب لـ«الشرق الأوسط» عقب انتهائه من محاضرة ألقاها تحت عنوان «التمويل الإسلامي ودوره في التنمية» التي نظمتها جامعة دار العلوم في العاصمة السعودية الرياض أخيرا، أنه من الأهمية بمكان في هذا الوقت الذي يعد فرصة حقيقية لإبراز المصرفية الإسلامية كبديل مالي سليم بعد ما عصفت الأزمة المالية العالمية بالبنوك التقليدية، أن تجتمع كبرى المؤسسات المالية الإسلامية للعمل سويا على وضع معايير موحدة يتم من خلالها التفاوض مع المنظمات المالية العالمية بهدف تضمين هذه المعايير ووضع الشروط الواجبة لتطبيقها في البنوك التي ترغب في الاستفادة من النظام المالي الإسلامي.

وقال الشلهوب إن النظام المالي الإسلامي ما زال يفتقر إلى العمل الجماعي، بل حتى في المجامع الفقهية والتجمعات العلمية رغم دورها الكبير والمؤثر، إلا أنها في الغالب يتم طرح الحلول بشكل فردي، دون أن يكون لها طابع العمل المشترك، مشددا على أهمية أن تحمل المرحلة المقبلة إعداد عمل بإطار نظري واضح وتطبيقي تتمكن المؤسسات المالية الإسلامية من تقديمه كمنتجات وخدمات، يبدأ بالعمل على تحقيق مبادئ الاقتصاد الإسلامي لينتهي إلى منتج جاهز للتطبيق، ويتضمن برنامجا متكاملا لتعريف الممارسين به والطريقة الصحيحة لتطبيقه.

وأوضح الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أنه إلى الآن ليس هناك شيء من الأطروحات أو المبادرات الجادة لتوظيف الأزمة المالية العالمية في مصلحة المصرفية الإسلامية والاقتصاد الإسلامي بشكل عام إلا في عرض مواطن الضعف التي كانت من أسباب هذه الأزمة مثل المعاملات المحرمة كالربا وبيع الديون والعقود التي يغلب عليها طابع الغرر والمقامرة، مشيرا إلى أن الأطروحات ما زالت أقل مما يتطلبه الوضع الحالي بكثير، إذ إن الحلول العملية تتطلب عادة عرضها بصورة متكاملة مدعومة بالبحوث والدراسات للصور التي يمكن أن يقدمها الاقتصاد والمالية الإسلامية، وبعد ذلك تطبيقها لدى المؤسسات المالية وإقناع المستثمرين والمتعاملين بجدوى مثل هذه الحلول وفاعليتها ونجاحها، بل وتميزها على الصور التقليدية.

وخلال محاضرته دعا الشلهوب إلى أهمية إيجاد منافسة من قبل البنوك الإسلامية من خلال طرح منتجات مالية إسلامية بديلة ومنافسة لمنتجات البنوك التقليدية، مشددا على أهمية حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية لتحقيق مستقبل أفضل للمصرفية الإسلامية، مشيرا في ذات الوقت إلى أن أهم التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية هي نمو حجم الأصول التي تتزايد في حين لا توجد قنوات استثمار مبتكرة، داعيا إلى إيجاد هذه القنوات وتطوير طرق استثمارها.

وأوضح مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن الدور الذي يضطلعه التمويل الإسلامي في التنمية كبير وواسع يمتد إلى إيجاد برامج ومنتجات تمويلية شرعية وبدائل للتمويل غير المتوافق مع الشريعة الإسلامية وتحقيق التنمية للمجتمعات الإسلامية ومعالجة الفقر وإيجاد فرص العمل وتحقيق عوائد جيدة لأصحاب رؤوس الأموال.

وتطرق الشلهوب خلال حديثه إلى تاريخ المصرفية الإسلامية، مبينا الأساس الشرعي للمعاملات المتوافقة مع الشريعة، التي تتعامل بها مجموعة من المؤسسات المالية ليست جديدة، بل هي قديمة قدم التشريع الإسلامي الذي وضع الأطر الشرعية العامة لهذه المعاملات، حيث تطورت إلى أن أصبحت خدمات متكاملة في هيئة بنوك حديثة.

وأضاف الشلهوب: «أصبح نمو البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يتم بشكل متسارع يفوق التوقعات، خصوصا أن التمويل الإسلامي أصبح يدخل ويتوسع في قطاعات جديدة مثل الصكوك الإسلامية، وأصبح هناك توسع في البنوك الاستثمارية التي تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة».

وقال مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إن النمو والنجاح على مستوى الأصول والتوسع في الأدوات التمويلية والاستثمارية لم يجعل التمويل الإسلامي أمرا متفقاعليه، يطمئن المراقب له، حيث ما زال النقاش قائما فيما يتعلق بانضباط هذه المعاملات، وعدم وجود ما يشوبها من أخطاء، وتوافقها فعليا مع الشريعة الإسلامية.

يذكر أن التمويل الإسلامي مر بمراحل متعددة، ورغم قصر عمره بشكله المعاصر فإنه نما بشكل يفوق التوقعات، ساعد على ذلك الطلب الكبير من كثير من المسلمين على المنتجات والخدمات الإسلامية، والتنوع في هذه الخدمات، وزيادة الثقة بكفاءة كثير من المؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية، إضافة إلى الأزمة المالية الأخيرة التي كان لها دور في مزيد من الاهتمام بهذا القطاع، الذي جعل أصول هذا القطاع ترتفع بنسب كبيرة في ظل ما يشهده العالم من كساد، وسعي الكثير من المؤسسات والشركات للحصول على سيولة، التي يجد كثير من البنوك والمؤسسات شحا كبيرا فيها، قد يؤدي إلى كساد عام في الاقتصاد، في حين أن ذلك لم يحصل في قطاع التمويل الإسلامي الذي تتزايد أصوله بشكل مستمر، ما دعا كثيرا من الدول الأوروبية وغيرها من دول العالم للانفتاح أكثر على التمويل الإسلامي، وبالتالي التغيير في بعض أنظمتها المالية لتستقطب المؤسسات المالية الإسلامية.