كيف يمكن للتمويل الإسلامي التعامل مع القروض الشخصية؟

بين سندان الحاجة إليها ومطرقة المخاطر التي قد تترتب عليها

TT

تنطلق في العاصمة السعودية الرياض اليوم أعمال ملتقى اقتصادي إسلامي يعول عليه الكثيرون في معالجة الديون الشخصية والقروض المتعثرة، حيث يناقش الملتقى محاور من المنتظر أن تشهد نقاشا موضوعيا، مثل معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالديون، وأسباب الوقوع في الديون، وآليات معالجة المشكلات المترتبة على الديون، والضوابط الشرعية والنظامية للاقتراض.

ومن المنتظر أن يشهد ملتقى «مشروع معالجة الديون الشخصية» الذي يستمر لمدة 3 أيام وتقوم على تنظيمه الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل بالتعاون مع «مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود الخيرية»، مشاركة عدد من المتحدثين البارزين في مجال المصرفية الإسلامية، مثل الدكتور عبد الله بن منبع، والدكتور سامي السويلم، والدكتور عبد الرحمن الأطرم، والدكتور يوسف بن عثمان الحزيم، وآخرين.

وبالتوازي مع ذلك حذر خبراء في مجال المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، من مغبة التراخي في دراسة ظاهرة الديون المتعثرة بأسلوب أكثر جدية، بعد أن أخذت تتنامى بشكل مغلق مع تأكيدهم على عدم قدرة المجتمع على الاستغناء عن الائتمان، سواء أكان نقديا أو على شكل سلع وبضائع وخدمات، مما يعني ضرورة توعية العملاء بالتمييز بين الاقتراض الرشيد والاقتراض غير الرشيد.

ودعا الخبراء في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» إلى ضرورة تأسيس مركز متخصص بدراسات الاقتراض الفردي، تمييزا له عن الاقتراض المؤسسي أو الاستثماري، ما من شأنه المساهمة إلى حد كبير في توعية المجتمع وترشيد عملية الاقتراض وتوجيهها نحو زيادة المنفعة الفردية للمقترض وللجهات المقرضة وللمجتمع ككل حتى تكون حرزا للعملاء من الوقوع في المخاطر المترتبة على الديون التي تتعثر بسبب أو بآخر.

وأكد الخبير في الاقتصاد الإسلامي الدكتور يوسف بن عثمان الخزيم الأمين العام لـ«مؤسسة الأميرة العنود بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود الخيرية»، أن الديون المتعثرة هي ظاهرة عالمية نابعة من الحكر الغربي الرأسمالي حيث جاءت كنتاج لعصر التنوير الغربي المرتكز على الفكر الليبرالي، ذلك أن الإنسان حر فيما يفعل حيث لا تقييد عليه، الأمر الذي فتح أمامه الطريق إلى الاستهلاك بلا حدود حيث انتهى بالكثيرين منهم إلى الوقوع في فخ الديون المتعثرة.

وأضاف الخزيم أن بعض البلاد الإسلامية وقعت في هذا الفخ، حيث انتقلت نظرية الاقتصاد الرأسمالي إليها من البلاد الغربية بعد أن طحنت مواطنها بالديون وأثقلت كاهله بالتورط في الاستهلاك الفردي بلا حدود، مبينا أنه لو أن البلاد الإسلامية طبقت نظام الاقتصاد الاجتماعي لاستطاعت أن تتفادى الآثار السلبية لهذه الديون وتوظيفها في جودة التعليم والصحة والتنمية.

وقال إن الديون الشخصية في البلاد الإسلامية، هي أحد أسباب التخلف والفقر، ذلك لأنها استهدفت الطبقة العليا من الطبقة الوسطى من شرائح المجتمع التي وجدت فيها بعض المصارف ومؤسسات البيع الآجل والتقسيط ضالتها بحكم قدرتهما على التعامل معها، وقد قامت بعض هذه المصارف والمؤسسات بجذب العملاء بأساليب مضللة.

وطرح الخزيم عددا من المبادرات التي تعتزم مؤسسة العنود الخيرية إطلاقها بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية، ومنها الهيئة العالمية للاقتصاد والتمويل الإسلامي، ومنها إقامة دورات تدريبية للمدينين لمعرفة الكيفية على التغلب على الديون، وغيرها من البرامج الأخرى.

من جهته، أوضح الدكتور أحمد طه العجلوني خبير وباحث متخصص في التمويل الإسلامي والمصارف الإسلامية، أنه لا يستطيع أي مجتمع أن يستغني عن الائتمان سواء أكان نقديا أو على شكل سلع وبضائع وخدمات، مبينا أنه لا يجوز مطالبة المجتمع بعدم اللجوء للاقتراض أو شراء السلع عن طريق التقسيط، ولكنه استدرك أنه يجدر هنا التمييز بين الاقتراض الرشيد والاقتراض غير الرشيد.

ويرى أنه من المهم جدا تنبيه أفراد المجتمع لإدراك الجوانب المالية المتعلقة بالديون المتعثرة، ومنها أن كلفة التمويل بالاقتراض أو الشراء بالأجل هي أعلى كلفة عليهم من الشراء نقدا، مع ضرورة الانتباه إلى الأساليب الملتوية التي قد يستخدمها الكثير ممن يعرضون مثل هذه الخدمات، سواء كانوا أفرادا أو شركات أو مصارف، بحيث تصبح التكلفة أعلى كثيرا مما قد يدركه الواقعون في حبائلهم.

وهنا يؤكد العجلوني على خطر التعامل مع المصارف التقليدية بسبب حرمة الفائدة كمعاملة مالية، إضافة إلى ذلك فإنه يرى أن هذه المصارف تورط المتعاملين بقروض والتزامات، وتفرض عليهم فوائد وعمولات لا يدركها المقترض العادي ولا يدرك منتهاها.

ودعا العملاء إلى أهمية إدراك أن السرية الخاصة بأموالهم ستكون معرضة للخطر، وأن احتمال الولوج إلى حساباتهم المصرفية سيكون أكثر يسرا بالنسبة إلى قراصنة المعلومات، مبينا أن توعية المجتمع بأخطار الإفراط في الاعتماد على الاقتراض خاصة أصبحت ضرورة ملحة، موضحا أن كثيرا من الأموال المقترضة تتجه لأوجه إنفاق استهلاكي تتميز بالطابع الترفي وغير ذي جدوى.

ويرى خبير التمويل الإسلامي، أن الإفراط في الاقتراض يهدد الأمن الاجتماعي للفرد والأسرة بسبب احتمال وصول المقترض إلى مرحلة لا يعد فيها قادرا على تسديد القرض، مما يؤثر بشكل عميق على استقراره المالي والعائلي، حسب زعمه.

ويعتقد العجلوني بضرورة تأسيس مركز متخصص بدراسات الاقتراض الفردي، تمييزا له عن الاقتراض المؤسسي أو الاستثماري، ما من شأنه المساهمة إلى حد كبير في توعية المجتمع وترشيد عملية الاقتراض وتوجيهها نحو زيادة المنفعة الفردية للمقترض وللجهات المقرضة وللمجتمع ككل.

وقال: «إن جهود التوعية لمواجهة ظاهرة الاقتراض غير الرشيد لن تقتصر فقط على وجود المركز العتيد. إنها مسؤولية تضامنية وتكاملية بين المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية المتخصصة بتنمية المجتمع، وهي كذلك مسؤولية للمراكز العلمية من جامعات وغيرها لإجراء الدراسات العلمية المتخصصة التي تبين الآثار السلبية لظاهرة الاقتراض غير الرشيد».

أما فيصل مغل الباحث المتخصص في المالية الإسلامية، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن من أهم مقاصد الشريعة في باب المعاملات الحد من التوسع في القرض، وذلك لما يترتب عليه من آثار قد لا تحمد عقباها، لكن مع ذلك اعتنت الشريعة بالظروف المحيطة بالقرض، فمكنت للقرض أن يكون أداة إنفاق واستثمار».

وبالتالي يعتقد مغل، أن إيجاد مركز متخصص بهدف توعية الناس لنشر ثقافة الحد من الاقتراض يحقق هذه المقاصد التي جاءت بها الشريعة بشكل منتظم، حيث إنه يرى أنه من الممكن للشخص إذا أراد أن يقترض أو عرض عليه ذلك عبر الدعايات والإعلانات أو المندوبين للجهات المقرضة، فإنه يتوجه مباشرة إلى هذا المركز لطلب استشارة مناسبة بحقه، ومن ثم يقوم هذا المركز بدراسة طلبه وتقديم الاستشارة المناسبة له من خلال الإيضاح والبيان بأن عليه عدم الاقتراض أو أنه يمكنه ذلك لما يحقق له من منافع معينة.

ولكي يحقق هذا المركز أهدافه، أكد مغل أنه ينبغي أن يكون هناك تعاون بين الجهات المعنية كالجهات المختصة بتقديم الخدمات المصرفية والتمويلية والجهات الإشرافية والرقابية، بهدف دراسة شرائح العملاء وإيجاد منتجات مناسبة تحقق المصالح العامة لهذه الجهات وعملائها، مما يؤدي إلى الحد من العملاء المتعثرين في السداد، وامتلاك العميل لشيء معين بالتقسيط قد لا يستطيع تملكه نقدا كالمنزل والسيارة ونحو ذلك من احتياجاته.

وأما الخبير المصرفي عثمان بن ظهير، فقال: «لا شك أن الدين أمر طبيعي والاقتراض من الأمور التي يحتاج إليها الإنسان لتسير عجلة الحياة، ولذا رتب الإسلام الأجر العظيم للمقرض بالحسن لكون الأمر تحتاج إليه الحياة ويحتاج إليه الناس».

لكن بن ظهير استدرك بأن الجانب السلبي في العصر الحاضر هو تجاوز الناس مقاصد الدين وأصبح الاقتراض من أجل الترفه، وتحقيق رفاهية الحياة على الدين أمر سائد وهو جانب سلبي كبير، وفي رأيه أنه كان أحد أكبر أسباب الأزمة المالية العالمية، مبينا أن أحد أكبر أسباب انتشار هذه الثقافة هو أن المصارف الإسلامية منها والتقليدية تقوم على فكرة التسويق للدين لتربح، معتقدا بأن ذلك سبب رئيسي في انتقاد كثير من المتخصصين والعلماء على المصارف الإسلامية الاتجاه نحو البيوع الآجلة، لأنهم رأوا فيها إغراق الناس في الديون، وهو ما يخالف مقاصد الشارع ويناقض الفلسفة التي قامت عليها هذه المصارف.

ولذلك يرى الخبير المصرفي، أنه من المهم توجيه جهود الجهات الداعمة للبنية التحتية للمصرفية الإٍسلامية كالهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل لنشر الثقافة بين الناس، ولعل من الجيد إنشاء مركز بحثي يهتم بهذه المسائل ويعمل عليها من عدة جهات، أولها نشر ثقافة عدم الدين أو التقليل منه بين المستهلكين، كذلك مساعدة المصارف الإسلامية في تطوير منتجات تبتعد عن فلسفة الدين والبيع الآجل، وتحقيق منافع المصرف والعميل.

وحذر بن ظهير من تغاضي النظر عن خطورة التمادي في الديون دون النظر إلى العواقب.