«إسلامي».. كلمة المرور الموحدة لتسويق القروض البديلة في السعودية

مصرفيون يحذرون من استغلال «المعسرين».. ويطالبون مؤسسة النقد بالتحرك

مع تزايد الأرباح الضخمة والسريعة في سوق الإقراض البديلة تنتشر ملصقات الممولين والسماسرة على أجهزة الصراف الآلي، كإحدى الوسائل لجذب العملاء (تصوير: خالد الخميس)
TT

على أثر المثل الشهير «مصائب قوم عند قوم فوائد»، يجد أشخاص يدعون «التيسير» في السعودية تجارة مربحة في من تعثر سداد قروضهم، من خلال إعادة تمويلهم لسداد ديونهم والانتظام مجددا في تسديد قروض جديدة تصل فوائدها إلى أكثر من 30 في المائة، وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في هامش الربح فإن سلاح أولئك المقرضين الجدد لإقناع المدينين يكمن في مصطلح «إسلامي» لتكون كلمة مرور حق يراد بها باطل.

ومع تزايد الأرباح الضخمة والسريعة في «سوق الإقراض البديلة»، يحرص الممولون «المدعون التيسير» على توفير الفتاوى الشرعية المكتوبة لطمأنة عملائهم على عدم الدخول في الربا، إلا أن هذه الفتاوى لا تعد كونها إجابات لأسئلة وجهت إلى مجموعة من العلماء المختصين حول البيع بالتقسيط، دون ربطها بآلية التمويل الموجهة لسداد الديون وطريقة البيع وجني الأرباح، حيث تفتقد الآراء الشرعية المعتمدة من الهيئات الشرعية، كما تهتم بالشكل فقط دون المضمون بهدف تسويق بضاعتهم التي شكلت سوقا غير شرعية موازية للسوق الرسمية.

وللوصول إلى أكبر شريحة من العملاء المستهدفين يتسابق الممولون على الإعلان على صرافات البنوك كوسيلة من وسائل الترويج البدائية، إلى جانب نشراتهم الدعائية في الصحف، واستخدام المحطات الفضائية للإعلان عن خدمات التمويل التي يمنع تقديمها خارج النظام المصرفي، إضافة إلى أن بعض كبار الممولين اقتحم مجال التسويق المباشر، واستغل بعض موظفي البنوك في الترويج لتمويل الأفراد بصفة غير مشروعة.

وفي ظل صمت الجهات الرسمية حيال أنشطتهم التمويلية التي ساعدتهم على تثبيت أقدامهم في «سوق الإقراض البديلة» أبدع الممولون في تلبية طلبات عملائهم المحتاجين، وفق منتجات متطورة متوافقة مع متطلبات الشريعة الإسلامية، حيث أصبحت المرابحة الإسلامية التي تطبق شكلا فقط، المنتج المفضل لهم، فتوسع نشاطهم التمويلي ليشمل «البيع الصوري للسلعة» مثل بيع المواد الغذائية و«الصابون» الذي يلقى رواجا كبيرا، و«بيع العينة المحرم» أو ما يسمى بتدوير البضاعة كبيع السيارة وهي في مكانها خلال اليوم 20 مرة.

أمام ذلك، حذر خبراء مصرفيون من انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها، مؤكدين لـ«الشرق الأوسط» أن من شأن استمرار هذه السوق البديلة ونموها حدوث عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني، حيث إن ذلك سيشجع الجرائم المالية، والإطاحة بدخل الأفراد، حيث إن هذه التجارة تعتمد على استغلال الأوضاع المادية للأفراد.

وأرجع الخبراء نمو هذه السوق البديلة إلى استغلال حاجة الناس إلى الأموال، حيث إن الجهل والحاجة يعتبران السبب الرئيسي في انتشارها، مشيرين إلى أن ظاهرة الترويج لتسديد القروض بتلك الطرق تعد ضارة بالمجتمع، وفيها استغلال للدين، وحاجة الأفراد، كما أنها لا تخضع لقوانين تنظمها، مطالبين في الوقت نفسه مؤسسة النقد السعودي باتخاذ إجراءات أكثر صرامة.

وقال فضل البوعينين الخبير الاقتصادي والمصرفي السعودي لـ«الشرق الأوسط» إن كلمة «إسلامي» باتت في المجتمع السعودي بمثابة الذريعة والحجة للتكسب وتجاوز العقبات، ومن ضمنها القطاع المالي الذي يشهد انتهاكا صارخا لقيم الإسلام وفلسفته التي تعتمد على التكافل واليسر في المعاملات المالية الإسلامية، مضيفا: «بل إن الإسلام يحث الدائنين على التجاوز عن المعسرين ابتغاء مرضات الله وعفوه، ولكن ما يطبق في السوق السعودية هو عكس ذلك، حيث إن القطاع المالي ركز على العقود الإسلامية شكليا وتناسى جوهر التشريع الرباني الذي يركز كثيرا على مساعدة المعسرين».

وأوضح البوعينين أن مدعي التيسير الإسلامي الذين توجد ملصقاتهم ومنشوراتهم أمام أجهزة الصراف الآلي، وفي إعلانات الصحف والقنوات الفضائية للترويج لبضاعتهم الفاسدة، يمارسون أنشطة تتعارض مع الأنظمة والقوانين وتتعارض أيضا مع التشريع الإسلامي، لسبب أن ما يقومون به هو عين الربا، كما أن كل ما يقومون به هو سداد الديون أو ما يطلق عليه «قلب الدين»، وهو محرم أيضا.

وأضاف البوعينين: «الدائن يعلم أن الأموال التي أقرضها للمقترض هي لسداد دين، وما يزيد حرمة هذه الديون استغلال المعسر وإقراضه بفائدة تصل إلى 30 و40 في المائة من أصل الدين، الأمر الذي يعد استغلال واضحا لا يقبل به دين ولا نظام ولا عقل، ولولا الحاجة لَما قبِل المعسر (المتعثر) بتحمل الدين الجديد وفوائده الضخمة».

وتقوم آلية عمل الدائنين «مدعين التيسير» بإقراض المال للمقترض بقصد سداد مديونيته المتعثرة في أحد البنوك مع ترتيبات خاصة لضمان استرداد المبلغ، كما يشترط المقرض الحصول على فائدة تصل إلى 30 في المائة من أصل المبلغ، ولولا علاقة الدائنين بأشخاص يعملون داخل البنوك لما استطاعوا ممارسة نشاطهم وضمان أموالهم، أي أن هؤلاء الدائنين يحصلون على مساعدة داخلية تمكنهم من ضمان حقوقهم.

وفي ما يتعلق بأسلمة القروض يعتمد الدائنون على بيع السلع الصوري كبيع السيارة وإعادة شرائها من العميل، وبيع «الصابون»، أو السلع الغذائية، وبذلك يوهمون الآخرين بمشروعية القرض الربوي، وفي هذه الحالة يرى البوعينين أنه قد اجتمع الربا والاستغلال والاحتيال معا، ما يجعلها ثلاثة محرمات وليست محرما واحدا.

أما الدكتور محمد القري عضو اللجنة العلمية في المجمع الفقهي الإسلامي، وعضو في عدد من الهيئات الشرعية، فيؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن أي عملية إقراض وبيع شكلية دون أن يكون الجوهر صحيحا غير جائز، مشددا على أن استغلال الأفراد لتسويق القروض عليهم غير جائز.

ويرى الدكتور محمد القري أن الأمر في كثير من الأحيان يرجع إلى العملاء أنفسهم، إذ إن البعض يحصلون على تمويل من البنوك، وعندما لا يتبقى من فترة السداد إلا القليل يرغبون في إعادة التمويل الذي عادة لا تقبله بعض البنوك، في حين أنهم يجدون في الممولين الأفراد الحل الأمثل للاقتراض مرة أخرى، معتبرا ذلك أمرا جائز شكليا، في حين يظل الحكم على المضمون رهينة الاطلاع على عملية البيع.

ووصف الدكتور القري استغلال المقرضين الحاجة الآنية للمدينين «المعسرين»، أي المتعثر سدادهم، بالأمر البشع، داعيا إلى تحقيق مقاصد الشريعة من عمليات التمويل الإسلامي والابتعاد عن استغلال حاجات البشر.

وبالعودة إلى فضل البوعينين أكد أن العمل على جمع الأموال وإقراضها أو ممارسة التمويل المالي منوط بالقطاع المصرفي والمؤسسات المالية المرخصة من الجهات الرسمية، وأن ما يقوم به الممولون الأفراد ومن معهم من وسطاء هو عمل خارج النظام وغير شرعي، محذرا من أنه إذا لم يتم معالجة هذا العمل غير المنهجي وغير الشرعي فسيتطور الوضع إلى ما لا تحمد عقباه، من انتشار الجرائم المالية والإضرار بدخل الأفراد والاقتصاد على حد سواء.

يذكر أن «الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)» كشفت قبل نحو شهرين عن أن إجمالي عدد الأفراد المتعثرين في سداد القروض الشخصية بلغ 65 ألف متعثر، بلغ حجم مديونياتهم 2.5 مليار ريال (666 مليون دولار)، تمثل ما نسبته 10.7 في المائة من إجمالي تمويل الأفراد.

وبينت «سمة» أن حجم التعثر في المملكة بالنسبة للأفراد والشركات يبلغ نحو 10 مليارات ريال، مؤكدة أن حجم التمويل في المملكة بشقيه الحكومي والخاص فاق مستويات تريليون ريال، منها نحو 900 مليار ريال من القطاع الخاص (المصارف)، و200 مليار ريال من الصناديق الحكومية. وأشارت إلى أن عدد العملاء الذين لديهم تمويل فاق ثلاثة ملايين عميل، وأن إجمالي المنتجات التي تم منحها حتى الآن تجاوز نحو 9.6 مليون منتج على اختلاف أنواعها، مبينا أن ذلك يعني أن هناك بالمتوسط ثلاثة منتجات تمويلية لكل عميل. وأضافت أن تمويل الأفراد تطور في الأعوام الأخيرة، حيث وصل عدد المنتجات إلى 13 منتجا، بعد أن كان هناك منتجان فقط للتمويل، وأنه بحسب البيانات الحالية فإن عدد المنتجات التمويلية المتعثر في سدادها الأفراد بلغ 67 ألف منتج تمويلي. وأفادت أن نحو 200 مليار ريال من إجمالي قروض القطاع الخاص، قروض شخصية، لتشكل نحو 85 في المائة من إجمالي التمويل، و32 مليار ريال للرهن العقاري، والتمويل الآخر بطاقات الائتمان والسيارات وغيرها، مبينة أن القروض الشخصية الاستهلاكية زادت بنسبة 17 في المائة في فبراير (شباط) من العام الحالي، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، والتي كانت في حدود 195 مليار ريال تقريبا. وأضافت: «هذه الزيادة تعد الأعلى مقارنة بالأعوام الماضية، بسبب الابتعاد عن سياسة التحفظ المصرفي الشديد الذي تم اتباعه إبان الأزمة المالية العالمية (2008 و2009)، إلى جانب المحددات التي وضعتها مؤسسة النقد على القطاع المصرفي».

وتظهر البيانات أن 80 في المائة تقريبا من حجم التمويل يذهب للقروض الشخصية و14 في المائة تقريبا رهن عقاري، بينما المتبقي للبطاقات الائتمانية والسيارات وما إلى ذلك.\