خبراء تأمين: آن الأوان لإنشاء هيئة خاصة بالتكافل التعاوني

قالوا لـ «الشرق الأوسط»: سوق التكافل بحاجة للدعم والمراقبة والتطوير والتعاون مع الهيئات الدولية المماثلة

TT

طالب خبراء في مجال التأمين التعاوني بإنشاء كيان كبير جامع يقوم على متابعة ومراجعة صناعة التأمين التكافلي على مستوى عناصره المعيارية الشرعية، والرقابة الشرعية، موصين بتبني ثلاثة أسس وصفوها بالمهمة، لحماية صلابة التكافل التعاوني من الهشاشة، هي الأساس الشرعي والأساس التشريعي والتنظيمي، بالإضافة إلى الأساس الفني والاستثماري.

وأكد الخبراء على ضرورة توفير أحدث التقنيات والنظم اللازمة لتعاملات سوق التكافل المعاصر، وتوفير الموارد المالية والبشرية المؤهلة للعمل في هذا السوق، وتوظيف أحدث الصيغ الاستثمارية الآمنة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أدوات التسويق المثالي لهذه الصناعة الواعدة. وقال الدكتور فهد العنزي الخبير في مجال التأمين، إن التأمين التكافلي يعتبر من أهم الصناعات التأمينية الموعودة بمستقبل مشرق في ظل تراجع الصناعات الغربية المشابهة والتي أخذت تتكبد الخسارة تلو الخسارة، وذلك لارتباطها بعناصر المخاطرة الكامنة في صناعة التأمين التجاري، بحكم وجودها في قلب أسواق الأزمات الاقتصادية وارتباطها الوثيق بحركة صعود وهبوط الاقتصادات الكبيرة وتحديدا اقتصادات أميركا وأوروبا وبعض من البلاد المرتبطة بها بشكل أو بآخر.

وأوضح العنزي أن سلامة التأمين التكافلي تعني بصريح العبارة، سلامة التأمين الإسلامي من انعكاسات الأزمة المالية العالمية والتي حلت بالعالم مؤخرا، ذلك لأنه استمدها مما كسبها من حصانة شرعية إسلامية، غير أنه محفوف بعدة تحديات متعلقة بتحديات صناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي، ومن أهمها ضرورة استنباط آليات تأمينية إسلامية قادرة على استيعاب كافة المتغيرات والمستجدات الاقتصادية العصرية المتلاحقة، بالإضافة إلى الحاجة الماسة لتوفير قدر كبير من التدريب والتأهيل ونشر الوعي بها من قبل العملاء.

ويعتقد العنزي أنه قد آن الأوان لإنشاء كيان كبير جامع يقوم على متابعة ومراجعة صناعة التأمين التكافلي على مستوى عناصره المعيارية الشرعية، والرقابة الشرعية مع عدم إغفال توفير معايير تكاملية لها وفق معايير المحاسبة والمراجعة.

ودعا إلى توفير بيئة صحية لتدريب العاملين في هذا الحقل، والعمل على نشر التوعية الخاصة بالثقافة التأمينية والتكافلية، مع ضرورة أن تعتمد الجامعات والمعاهد العليا والكليات أقساما خاصة لتلقي علوم التخصص في مجال التأمين التكافلي القائم على مبادئ التعاون المتبادل والضمان المشترك والمسؤولية المشتركة، مع أهمية العمل على توفير قدر من التعاون بين شركات التأمين الإسلامية والشركات والمؤسسات المالية الإسلامية للوصول إلى أفضل صيغة للمنتجات التكافلية الإسلامية المتطابقة مع قوانين الشريعة الإسلامية.

من ناحيته، أوضح الدكتور عبد الله العمراني، الخبير الاقتصادي والشرعي أستاذ كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن هناك عدة أسس صلبة ومهمة يحتاجها سوق التكافل في الدول الإسلامية والأسواق الناشئة لتشهد مزيدا من النمو، فأما الأساس الأول برأي العمراني فهو الأساس الشرعي بحيث تكون صيغة التأمين وسائر منتجاته واستثماراته وعملياته متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، مبنيا أنه متى ما كان التأمين يقوم على أساس شرعي متين كان أدعى لاستمراره ونموه والوثوق به من الشريحة الراغبة في هذا النوع من التأمين.

وأما الأساس الثاني - والحديث للعمراني - فهو التشريعي والتنظيمي، والذي يكفل لهذه الصناعة الاستقرار والاعتراف، ويسهل على الشركات في سوق التأمين التكافلي إجراء تعاملاتها وفق بيئة تنظيمية مثالية، فيما أن الأساس الثالث، هو الأساس الفني والاستثماري بحيث يتم توفير أحدث التقنيات والنظم اللازمة لتعاملات سوق التكافل المعاصر، وتوفير الموارد المالية والبشرية المؤهلة للعمل في هذا السوق، وتوظيف أحدث الصيغ الاستثمارية الآمنة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية، إضافة إلى أدوات التسويق المثالي لهذه الصناعة الواعدة. وأشار العمراني إلى أهمية التزام شركات التأمين التكافلي بتطبيق مبادئ الحوكمة التي تتضمن حماية متوازنة للأطراف ذات العلاقة، مبينا أن هناك عدة تحديات تواجه سوق التكافل من الناحية التشريعية على المستوى الدولي.

وأوضح أن توفير البيئة التشريعية الملائمة لعمل شركات التكافل تعتبر أمرا في غاية الأهمية، وذلك لأنها تدفع إلى نمو صناعة التكافل، مستدلا على ذلك بإشارة المختصين إلى نموذج التجربة الماليزية، حيث صدر قانون التكافل الماليزي عام 1984م ليفتح المجال أمام 0.01 في المائة من مسلمي العالم للاستحواذ على 27 في المائة من سوق التكافل العالمي.

وأبان العمراني أنه متى ما وجدت الأنظمة واللوائح المعتمدة دوليا لسوق التكافل والمتناغمة مع طبيعته وأسسه كان ذلك طريقا قويا لتماسكه ونموه، وفي المقابل فإن التباطؤ في تلك التشريعات يمثل، برأي العمراني، تحديا من أبرز التحديات لسوق التأمين التكافلي.

وفي هذا الصدد فإن العناية بسوق التكافل، وفق العمراني، تستدعي تخصيص هيئة خاصة بهذا القطاع في كل دولة بحيث تركز على دعمه ومراقبته وتطويره، والتعاون المشترك مع الهيئات الدولية المماثلة.

ويعتقد أن أهم ما يميز منتجات التكافل والأدوات ذات الصلة عن غيرها من منتجات التأمين، أنه من حيث الأصل قائم على مبدأ التعاون والتكافل والتبرع المتبادل، مبينا أن هذا المبدأ له عدة مزايا منها البعد التكافلي بين المشتركين في هذا التأمين، ومنها أن هذا المبدأ يفتح المجال خصبا للإبداع والابتكار في منتجات جديدة بحيث لا تقف عند صورة أو طريقة معينة، مما يتيح التنويع في المنتجات والأدوات، مثل التأمين التكافلي بصيغة الوقف.

وقال العمراني إن التأمين التكافلي يختلف عن التأمين التجاري في جوانب جوهرية، أهمها، عدم وجود الالتزام التعاقدي للمستأمن بعوض محدد، بل تتوزع التعويضات التي تصرف للمتضررين على مجموع المستأمنين بحسب اشتراكاتهم.

كما أن علاقة المستأمنين فيما بينهم في التأمين التكافلي علاقة تكافلية وتعاونية ولا تعد معاوضة وإن وجد فيها عنصر التبادل والتقابل، لأنها من باب المشاركات لا من باب المعاوضات، أما علاقتهم بمن يدير أموالهم (شركة التأمين) فهي علاقة معاوضة بصيغة الوكالة بأجر أو بصيغة المضاربة، أو غيرهما من الصيغ ولكنها تقتصر على الإدارة، وهذه ميزة للشركات المديرة لهذا النوع من التأمين حيث تقوم بإدارة العمليات التأمينية مقابل أجر معلوم أو مقابل حافز استثماري دون المخاطرة وتعريض الشركة للإفلاس.

كما أن فيها ميزة للمستأمنين ووعاء التأمين بحيث يتملكون كامل فوائض التأمين وزياداته الاستثمارية وهذا فيه نفع كبير لعموم المشتركين قي وعاء التأمين لتقويته واستمراره، بخلاف شركة التأمين التجاري التي تتولى الضمان والإدارة والمعاوضة، وذلك لأن التأمين التجاري عقد معاوضة قائم على الغرر واحتمال الخطر. وعلى ذلك يعتقد العمراني بضرورة إنشاء حسابين منفصلين في التأمين التكافلي أحدهما خاص بالشركة المديرة نفسها والآخر خاص بصندوق حملة الوثائق، كما أن الفائض التأميني ملك لصندوق التأمين، وليس للشركة المديرة، ويمكن أن يبقى الفائض كله احتياطا تراكميا لتقوية صندوق التأمين، أو لتخفيض أقساط التأمين.

كما يرى العمراني أن سياسة التأمين الإلزامي لها أثر كبير في نمو سوق التأمين وتوسعة شريحة المشتركين والمستفيدين منه، وهذا بدوره - كما يرى - يدعو لمزيد من التطوير لمنتجات التأمين التي يحتاجها سوق التأمين التكافلي بما يلبي احتياجات المجتمع ويحقق رضا المشتركين.

من جانبه لم يذهب الدكتور مراد زريقات، المدير الإقليمي للمنطقة الوسطى لشركة التأمين العربية التعاونية، بعيدا عن حديث الدكتور فهد العنزي، مبينا أن الأزمة المالية سببت أذى جسيما لصناعة التأمين بشكل عام والتعاوني بشكل خاص، وذلك من خلال تأثيرها بشكل مباشر في محافظ الاستثمار للشركات، غير أنه عاد فقال «إن شركات التأمين الإسلامية التي طبقت التعاملات التأمينية وفق ما جاءت بها الشريعة الإسلامية، كسبت الرهان بمنافستها الشرسة مع شركات التأمين التقليدية في أنحاء مختلفة من العالم».

ويعتقد زريقات أن تجربة التأمين التكافلي أثبتت نجاحها واستطاعت أن تجد موطئ قدم لها، مبينا أن السودان يعتبر أول بلد عربي إسلامي أطلق خدمة وصناعة التأمين التكافلي المتوافق مع الشريعة الإسلامية بشكل لفت انتباه العالم من حوله.

وأشار إلى أن صناعة التأمين التكافلي تطورت خلال العقود الثلاثة الأخيرة وكسبت من التجربة ما جعلها في حالة تزايد مستمر، مبينا أن عدد الشركات العاملة في هذا المجال ازداد من شركتين في عام 1979 إلى 173 شركة حتى عام 2008، مؤكدا أن عدد الدول التي اعتمدت نظام التأمين الإسلامي تجاوز الـ23 دولة.

وأشار زريقات إلى أن نظام التأمين الإسلامي حقق إبان الأزمة المالية العالمية توفر بعض الدعم في ظل تنامي المشاريع التنموية من قبل القطاع الحكومي بعد محاولة سن تشريعات تأمينية تم بموجبها تطبيق إلزامية التأمين الصحي بشكل خاص والتأمين عامة في المنطقة بشكل عام، الأمر الذي وصل ببلوغ حجم قطاع التأمين الإسلامي في منطقة الخليج إلى عشرة مليارات دولار بمعدل نمو بلغ 70 في المائة في نهاية 2010، فيما بلغ حجم المساهمات أكثر من 8.8 مليار دولار خلال 2011، بفضل انتعاش سوق العمل بشكل عام والذي صاحبه ارتفاع في نسبة نمو القطاع الاقتصادي من خلال ازدهار البناء ومشاريع التنمية والبنى التحتية والدعم الحكومي لدعم نمو الصناعة وتطبيق إلزامية التأمين الصحي والتأمين على المركبات، كما الحال في كل دول مجلس التعاون الخليجي.