التأمين على الودائع والاستثمارات والصكوك.. هل يكون تكافلا تعاونيا؟

خبراء شرعيون: إذا تم بطريقة التعاون الإسلامي فسيعالج تعثر الديون.. وحماية الودائع وصيانة الاستثمارات

TT

يمثل التأمين على الودائع والاستثمارات والصكوك، إذا تم بطريقة التعاون الإسلامي، إحدى أبرز صور التكافل التعاوني، بل تكون الحاجة ماسة إليه بحسب خبراء شرعيين في المصرفية الإسلامية، حيث إن أهميته تبدأ من كونه أحد الحلول التي يعالج بها تعثر الديون، مرورا بدوره في حماية الودائع التي تتلقاها المصارف الإسلامية، ولا ينتهي عند فائدته في صيانة الاستثمارات وحياطة الصكوك بما يحمي حقوق حامليها.

وعلى الرغم من أن الأصل في حكم الضمان التقليدي على الودائع والاستثمارات لا يختلف عن التأمين التقليدي (التجاري) بالنسبة إلى محل التأمين سواء كان عينا (بضائع، عقارات، سيارات) أو كان دينا في الذمم، إذ إن الأصل فيه التحريم، إلا أن فتاوى صرحت بعدم تحريم الاستفادة من هذا التأمين إذا تم بدفع المدين مقابلا مع كراهة ذلك، وذلك للاختلاف بين التأمين التكافلي والتجاري من وجوه متعددة.

ويرى الدكتور عبد الستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة «البركة» المصرفية، أن حكم تأمين (ضمان) الودائع والاستثمارات والصكوك على أساس التكافل، وتحصيل المستحقات الناتجة عنهما إذا وقع بالسلوك التعاوني الإسلامي فإنه صورة من صور التكافل والتضامن المطلوبة بين المسلمين، الذي لا يتنافى التأكيد عليه بهذا الالتزام بين طائفة المشتركين في نظام التكافل، مضيفا: «وأما إذا وقع بالأسلوب التقليدي فإنه لا يعدو كونه كفالة بمقابل والكفالة استعداد للمداينة، وأخذ العوض عنها ممنوع شرعا لأنه إذا كان أخذه على المداينة الفعلية محرما (وهو الربا) فهنا أخذه محرم بالأولى».

من جهته، قال الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز الإسلامي والدولي للمصالحة والتحكيم، إن الودائع تشكل بشقيها الجاري والاستثماري أرقاما كبيرة في المصارف عموما وفي مصارف الإسلامية خصوصا ولا يمثل رأس مال البنك معهما كبرا إلا نسبة صغيرة منها، كما أن أصحاب الإيداعات الاستثمارية جلهم من أصغر المستثمرين والبعض منهم حديث عهد بالتعامل مع المصارف، ولهذا فحماية هؤلاء المودعين المستثمرين جديرة بالمتابعة وبإيجاد الحلول المناسبة لها، ومن أبرز هذه الحلول التكافل التعاوني.

وهنا يرى الخويلدي أنه وبالتوازي مع التأمين وهو قمة التخلص من المخاطر، من المناسب التشديد على الحوكمة في إدارة المؤسسات المالية الإسلامية وخلق ثقافة تؤهل صغار المستثمرين على تحمل المخاطر.

وذكر الخويلدي أن التوسع في التأمين وبالتحديد في مجالات الاستثمارات القائمة على المضاربة، وإن كان عرضة لحماية المال وهو أمر مشروع، لكنه سوف يكون على المدى المتوسط والبعيد عاملا في تغيير وجه الصناعة المالية الإسلامية خاصة إذا لم تستوعب الحاجة للتأمين وفق صيغة التأمين التكافلي، إذ يخشى أن يتم التأمين خارج الإطار التكافلي لأسباب متعددة منها غياب مؤسسات التأمين التكافلي التي تتميز بالملاءة المالية والقدرة التنافسية لتغطية مجال كمجال الصكوك حيث تقدر الأصول بالبلايين من الدولارات.

أما الدكتور عبد الستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة «البركة» المصرفية، فقال إن التأمين يعد أحد الحلول التي يعالج بها تعثر الديون، حيث إن له دورا في حماية الودائع التي تتلقاها المصارف الإسلامية وصيانة الاستثمارات التي تديرها وحياطة الصكوك التي تصدرها بما يحمي حقوق حامليها، بشرط عدم الإخلال بمنع الضمان المباشر من الجهة المتلقية للودائع، أو المديرة للاستثمارات، أو المصدرة للصكوك الاستثمارية.

وأضاف أبو غدة أن التأمين (الضمان) للودائع والاستثمارات والصكوك هو إحدى وسائل الحماية لها، مع الفرق بين الحماية التي هي بذل عناية بالتعبير القانوني، وبين التأمين (الضمان) الذي هو تحقيق غاية.

وكشف أبو غدة عن صدور معيار شرعي حديث العهد ستتضمنه الطبعة الجديدة للمعايير الشرعية التي تصدر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وذلك عن وسائل حماية التمويل، مبينا أنه قد ضم صورا عديدة لا مجال لاستعراضها، لأن مسار هذا المحور هو التأمين أو الضمان للودائع والاستثمارات والصكوك.

وقال أبو غدة: «ومن المعلوم الحجم الكبير للمديونيات المتعثرة لمعظم البنوك الإسلامية إجمالا سواء كان التعثر من الملتزم الأصلي بالدين أو الملتزم التبعي به أو كليهما، كما لا يخفى الحرج والمصاعب الإدارية والفنية في الاستيفاء من الرهون، ولا سيما إذا كانت مساكن أو أماكن حرفة»، مضيفا: «ومما سبق تتبين الحاجة الماسة إلى التأمين على الديون المشكوك فيها، وتتمثل الحاجة هنا في (حفظ المال) الذي هو أحد مقاصد الشريعة الخمسة، ودرء الضرر المحقق عن المستثمرين الذين يضعون أموالهم ودائع في حسابات الاستثمار لدى البنوك الإسلامية بقصد نمائها بالطرق المشروعة من التجارة والإجارة ووجه المكاسب الأخرى».

وأكد أبو غدة أنه بوجود التأمين تصان هذه الديون من الضياع وهذا يعوض البنك عما اعتبر معدوما من الديون أو عن الجزء الفائت منها والحاجة متوافرة للتأمين على الديون المشكوك فيها، والحاجة إلى العقد هي أن يصل الناس إلى حالة بحيث لو لم يباشروا ذلك العقد يكونون في جهد ومشقة لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعا.

وبالعودة إلى الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز الإسلامي والدولي للمصالحة والتحكيم، فقد قال إن التأمين على الوداع والاستثمارات والصكوك تحكمها وحدة النظام والعرض، مشددا على أهمية التأكد من الناحية المالية والتسويقية من مدى قبول التأمين في الواقع، لأن التأمين مهما كان، فيه زيادة الأعباء المالية على أصحاب الودائع الاستثمارية المشتركة وعلى حملة الصكوك نتيجة التكلفة المفترضة في نظام الضمان، لأن ضمان الودائع على أصحابها وضمان الصكوك على حملتها.

وأوضح الخويلدي أن الوديعة الاستثمارية كما تمارس في المؤسسات المالية الإسلامية وكما كيفتها المجامع الفقهية والهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية والصيغ الاستثمارية الأخرى كالوكالة بالاستثمار وصناديق الاستثمار، تتحد كلها في عدم ضمان رأس المال من قبل المضارب أو الوكيل أو مصدر الصكوك، مضيفا أنه ينظر إلى عدم ضمان رأس المال من قبل المضارب على أنه توازن لا يجب أن يختل وإلا خرج العقد من العدل إلى الظلم ومن التوازن إلى الخلل، كما تتحد كلها في الحرص والسعي من أرباب المال في الودائع الاستثمارية وحملة الصكوك في الاستثمار في الصكوك لضمان رأس مالهم، أحيانا لضمان الربح.

وأكد الخويلدي على أنه لا يجب أن يكون التأمين على الصكوك مدخلا للمساس بثبوت ملكية حملة الصكوك وما يترتب عليها من حقوق، كما لا يجب أن يكون التأمين سببا في عدم تفعيل الملكية لأن في ذلك مخالفة للمبادئ التي تقوم عليها الصكوك وعقبة في تأمين الصكوك لدى شركات التأمين التي لن تقبل التأمين إذا لم تكن ضوابط الملكية قائمة، لأن شركة التأمين سوف تحل محل حملة الصكوك فيما لهم من حقوق، ومنها حق ملكية الموجودات أو المنافع، فإذا غابت الملكية غاب التأمين.