خبير قانوني يحمل مسؤولية تصحيح مسار عقود التمويل الإسلامي على القضاة

طالب بإيجاد تشريعات تنظم عمل المصرفية الإسلامية في السعودية

د. فهد العنزي («الشرق الأوسط»)
TT

حمل خبير قانوني المسؤولية الشرعية في تصحيح مسار عقود التمويل الإسلامي مثل عقود التورق المنظم، على عاتق القضاة، حيث يكثر اللغط حول شرعية مثل تلك المنتجات، بل إن نظر المحكمة الشرعية لمثل تلك القضايا بحسب الخبير القانوني سيكون حجر الأساس في تصويب وإرساء المعاملات الإسلامية وتطبيقها وزيادة الثقة من قبل مجتمع الأعمال والأفراد، كما يزيد من اندماجها في الاقتصاد والحفاظ على معاملات المجتمع المالية والاقتصادية.

وطالب الدكتور فهد العنزي، الخبير القانوني المهتم بشؤون المصرفية الإسلامية في السعودية، بإيجاد تشريعات تنظم عمل المصرفية الإسلامية في السعودية لأن الوضع الحالي في اعتقاده، يضع هذه الصناعة المهمة أمام تحديات نظامية قد تقوض مسيرتها وتبقيها أسيرة لعمليات المرابحة، حيث إنها العقود الوحيدة تقريبا التي تقوم بها البنوك لدينا مما يفوت الفرصة على عقود التمويل الأخرى.

وقال العنزي خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، إن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى إعادة نظر وإعادة هيكلة وألا يكون دورها عبارة عن تهذيب المنتجات الربوية الغربية وتقديمها بلباس جديد، أو اللجوء للحيلة عن طريق عقود لا تعبر عن حقيقة العلاقة بين الأطراف، مبينا أن الأمر يحتاج إلى منطلقات مستقلة ومفصلية وأساسية وأخذ العبرة مما حصل للاقتصاد الرأسمالي الغربي القائم على فكرة الأجل وما قادت إليه الديون التي تضخمت بسبب تراكم الفوائد والإقراض القائم على الأجل دون اعتبار لقدرة المقترضين على السداد أو قدرة الرهونات على الوفاء.

كما دعا العنزي الهيئات الشرعية والبنوك المركزية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، إلى وضع معايير وشروط لضبط الألاعيب التي تتم باسم التمويل الإسلامي، مشيرا إلى أن الحاجة في الوقت الراهن تملي باتخاذ وقفة جادة وعدم اللجوء إلى القرارات القائمة على تبرير ما هو معمول به في الغرب بأن هذا شرعي أو غير شرعي، داعيا إلى ابتكار منتجات تمويل إسلامية صرفة قائمة على حقيقة واحدة وهي المشاركة في الربح والخسارة أو ما يسمى بالمضاربة.

* ما تقييمك لمجهودات الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية في مسألة تمكين القانون الإسلامي في مواجهة النزاعات الخاصة بهذه الصناعة؟

- بالتأكيد هناك جهود متعددة ولكنني أعتقد أنها دون المستوى، الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية بصناعة المصرفية الإسلامية أن تهتم بمسألة مواجهة الكثير من النزاعات المصرفية الإسلامية، للخروج عن غرار النظام الوضعي المتعلق بالاحتكاك الذي يقع تحت مظلة النظام المالي وتطبيقاته في الدول الغربية التي تستمد قوتها التشريعية المالية من النظام المالي الرأسمالي مع أن النظام الإسلامي هو الأقدر والأشمل.

* هل تعتقد أن الأزمة المالية العالمية أفادت عرابي المصرفية الإسلامية في أن يروجوا لصناعتهم وتظهر قوانينها بالشكل الذي يجعلهم يتعاطون معها؟

- بالطبع الأزمة المالية العالمية كانت بمثابة الفرصة الذهبية، لو حاول المهتمون بشأن صناعة المصرفية الإسلامية أن يظهروا للعالم كيف أن القوانين الإسلامية قادرة على كبح جماح الانفلات الأمني المالي، خاصة أن العالم في حاجة الآن أكثر مما كان عليه سابقا إلى إيجاد صيغة تشريعية مالية تعالج معضلاته المالية، خصوصا بعد الانهيارات التي وقعت في السوق الأميركية مع إعلان انهيار ما يقارب 200 من البنوك والمؤسسات المالية الكبيرة، مع أنه بالإمكان تسويق القوانين المالية الإسلامية لحل هذه المعضلات، لما تتميز به من قدرة على استيعاب الأوضاع المالية المنهارة وبث روح الحياة فيها من جديد.

* برأيك كيف يمكن للاجتهادات المصرفية الإسلامية اختراق صلب الأسواق الغربية؟

- أرى أنه من الأهمية بمكان أن يتم تنشيط المبادرات والاجتهادات المصرفية الإسلامية وإدخالها في صلب السوق الأوروبية والأميركية من خلال تشجيع مسألة المنتجات المشاركة وتمويل قطاعات الصناعة بشكل متطور من خلال الاحتكاك المباشر وتوقيع اتفاقيات ثنائية مع الكيانات المالية والقانونية العالمية العملاقة في قطاعات الشركات وعقود المشاريع والتمويل، إلى غير ذلك. وهنا أمر يساعد على ذلك وهو هشاشة نظرية الاشتراكية التحكمية التي كانت سائدة في السابق والتي انهارت مؤخرا في ظل الأزمة المالية العالمية، على الرغم من أنها كانت القطب الأوحد في العالم، وانهيار النظام الرأسمالي من بعدها، والتي جمعت الأموال في صعيد واحد تأتلف فيه الدول والمؤسسات حتى تحكم خبطة المال والتصرف فيه في العالم أجمع، واستخدمت في ذلك أدوات مختلفة، منها التجارة العالمية. وبطبيعة الحال فإن التدخل لإصلاح الأوضاع من قبل حكومات أو حكومة العالم كان دائما هو رد الفعل الأساسي عن طريق إعطاء جرعات مالية إضافية أو جرعات تنظيمية عن طريق صندوق النقد الدولي أو شبكات المانحين لتبرير التدخل السياسي، كما حدث في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان، وذلك عندما برزت إلى السطح الاشتراطات السياسية في معالجة الاختلالات المالية، ولعل أبرزها هو معالجة دين العالم الثالث عن طريق آلية الدول الأكثر مديونية، وهو برأيه تدخل انتقائي سلبي ليس بإعطاء موارد ولكن بإعفاء ديون، مما يعني ظلما مبينا.

* كيف يمكن رفع مستوى كفاءة الخبراء المصرفيين والقانونيين والمحاسبين؟

- هذا العمل مطلوب ويمكن من خلال إطلاق مبادرات في مجال التدريب والاستفادة من الخبرات الكبيرة في إنجاحها، خاصة في مجال بحث وبت القضايا والمشاريع المشتركة التي تتعلق بالخدمات القانونية ذات الصلة بالمنتجات المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في مجالات كبيرة مثل التأمين والطاقة والمقاولات والاندماج الذي ترى فيه بعض الشركات علاجا للخروج من عنق الأزمات القادمة. وأشير هنا إلى وجود تجارب سابقة في هذا المجال، استطاعت أن توفر محامين ضليعين ينشطون في مجال التسويات القانونية الإسلامية في كثير من بلاد العالم، لا سيما أميركا وبلاد غربية وشرق أوسطية، ولكن هناك ندرة ماثلة، ما يعني أن الحاجة ما زالت قائمة لخبراء لهم القدرة على البت في القضايا ذات الأصول الإسلامية سواء في المصارف أو غيرها وتثبت وجودها في أميركا.

* يلاحظ أن ماليزيا مع أنها بلد غير عربي استطاعت أن تنافس بريطانيا في إحكام القانون في النزاعات في مجال المصرفية الإسلامية، كيف تنظر إلى ذلك؟

- حقيقة بدأ المهتمون بشأن صناعة المصرفية الإسلامية، ينظرون في قدرة ماليزيا في بت النزاعات في القضايا المتعلقة بالصناعة، بعيدا عن المحاكم البريطانية، والتي عادة ما يحتكم إليها معظم المتنازعين، سواء في منطقة الخليج أو منطقة الشرق الأوسط ككل. وجاء ذلك الاهتمام على خلفية حكم المحكمة العليا في ماليزيا مؤخرا في دعوى حول عقد البيع بثمن آجل وهو عقد ملزم، حيث أضافت في حكمها أن العقد يعتبر (عقد بيع) وليس عملية مصرفية، وكان هذا الموضوع مثار جدل بين القانونيين والمصرفيين فيما يتعلق بشأن المنازعات المصرفية في السعودية بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام.

* كيف لدول الخليج والمنطقة العربية الاستفادة من التجربة الماليزية في ذلك؟

- أعتقد أن التجربة الماليزية جديرة بالاهتمام وينبغي على الجهات الرقابية في منطقة الخليج، محاولة الاستفادة الجادة منها من حيث سن القوانين التي تناسب صناعة الصيرفة الإسلامية وإنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضاياها، إذ إنه من العيب حقا أن تبقى هذه الصناعة دون تشريع أو تقنين في أكبر سوق لها في حين تتسابق دول العالم للتشريع لها وتقنين أعمالها.

* هل يوجد بالسعودية جهة مختصة بالنزاعات المصرفية؟

- أعتقد أن الجهة الموكل إليها هي لجنة «الاختصاص القضائي» في تسوية المنازعات المصرفية بين أي بنك وعميله في السعودية، وهي لجنة تسوية المنازعات المصرفية بمؤسسة النقد السعودي، على الرغم من الجدل الكبير بشأن اختصاصها. ويلاحظ أن نوعية الدعاوى المخولة بالنظر فيها من خلال النظام في السعودية، تضمن أن الدعاوى والقضايا التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها التي تختص اللجنة بنظرها يقصد بها الدعاوى والقضايا ذات الصبغة المصرفية التي تنشأ عن ممارسة البنك لأعماله المصرفية البحتة مثل فتح الاعتمادات والحسابات بأنواعها والقروض ونحوها من الأعمال المصرفية الأخرى، أما عدا ذلك من الدعاوى غير المصرفية فتنظر من قبل الجهة المختصة أصلا بنظرها. إلا أنني أعتقد أن هذه اللجنة، عمليا، تنظر في جميع أنواع المنازعات التي يكون أحد طرفيها بنكا، في حين أن النظام نص على الدعاوى المصرفية مثل الحسابات وفتح الاعتمادات والقروض المصرفية أي التقليدية، أما في حالة عقود التمويل الإسلامي فهي عقود بيوع مثل المرابحة والتورق والسلم والاستصناع وكذلك عقود الإيجار لأنها بيع منفعة. فاللجنة إذن غير مختصة بنظر عقود التمويل الإسلامي نظاما.

* هل هناك حجة للفصل في القضايا المصرفية وعلى من تقع المسؤولية في هذه الحالة؟

- أرى أن الحجة السابقة التي تعتمد عليها المحاكم الشرعية في السعودية، لعدم نظرها في المنازعات المصرفية بأنها تقليدية، قد سقطت في الوقت الراهن، بل من الواجب على القضاة الأفاضل النظر في قضايا التمويل الإسلامي، حيث إن المحاكم الشرعية وبالأخص الدوائر التجارية في ديوان المظالم - المحكمة التجارية في النظام الجديد - هي المختصة نظاما وشرعا بنظر مثل تلك الدعاوى. وبالتالي فإن المسؤولية الشرعية تقع على عاتق القضاة في تصحيح مسار عقود التمويل الإسلامي، كعقود التورق المنظم، حيث يكثر اللغط حول شرعيتها، بل إن نظر المحكمة الشرعية لمثل تلك القضايا سيكون حجر الأساس في تصويب وإرساء المعاملات الإسلامية وتطبيقها وزيادة الثقة من قبل مجتمع الأعمال والأفراد، كما يزيد من اندماجها في الاقتصاد والحفاظ على معاملات المجتمع المالية والاقتصادية. كما يجب إيجاد تشريعات تنظم عمل المصرفية الإسلامية في السعودية لأن الوضع الحالي يضع هذه الصناعة المهمة أمام تحديات نظامية قد تقوض مسيرتها وتبقيها أسيرة لعمليات المرابحة، حيث إنها العقود الوحيدة تقريبا التي تقوم بها البنوك لدينا مما يفوت الفرصة على عقود التمويل الأخرى والتي تسهم بشكل أكبر في البناء الاقتصادي والاجتماعي للأمة مثل عقود السلم والاستصناع والمزارعة وغيرها.

* ما تقييمكم لواقع ووضع ببيع العقود الآجلة أو العاجلة في السعودية وفي الخليج؟

- في الحقيقة إن هذا النوع من العقود الهدف منه هو الحصول على تمويل، وبما أن التمويل لا يمكن الحصول عليه بشكل مباشر نتيجة لوجود محظور شرعي متعلق بالربا، فإن العقود الأخرى هي التي تؤطر هذه العلاقة بين المقرض والمقترض وهي تأخذ شكلا من أشكال البيع، حيث يقوم الممول بعرض سلعة معينة ليقوم بشرائها من يرغب في الحصول على هذا التمويل ثم يقوم الممول بشرائها بعد ذلك منه بسعر أقل ليكون هذا السعر هو مبلغ التمويل الفعلي الذي يحصل عليه المقترض يضاف عليه بالطبع فارق القيمة بين البيع والشراء مرة أخرى ليقوم المشتري بسداد هذا المبلغ على شكل أقساط آجلة. وقد لا يشتري الممول السلعة وإنما يحصل على توكيل من المشتري ببيع هذه السلعة في السوق. وإذا تجاوزنا النقاش حول مدى صحة هذه المعاملة في أصلها ومدى صحة أن يكون (الممول) بائعا ووكيلا في نفس الوقت فإن اللافت للنظر أن هذه العملية وأقصد بها البيع بعد التوكيل تتم بشكل سريع ووقت قياسي بحيث يحصل (المشتري) المقترض على القيمة في وقت سريع جدا مما يضع تساؤلا مهما حول حقيقة هذه المعاملة. والحقيقة أنا أترك مثل هذه المسائل للمختصين بالشريعة وإن كان الأمر بالنسبة لي يمثل تساؤلا كبيرا من حيث شكل هذه العقود ومن حيث صوريتها والغاية التي يرمي إليها كل طرف وهي الحصول على تمويل لا أكثر ولا أقل.

* بعض مؤسسات التمويل الإسلامي تستغل حاجة العميل ببيعه عقودا آجلة ثم تشتريها منه فيما بعد بسعر أقل بحجة تدني الأسعار أو ما شابه ذلك، أولا: ما رأي القانون في ذلك وإلى أي حد هناك اختراقات بشأنها من قبل بعض الجهات الممولة سواء كانت بنوكا أو أفرادا أو غير ذلك؟

- الحقيقة أن السبب في وجود مثل هذه المعاملات هي المحاذير الشرعية المتعلقة بالربا ومحاولة بعض المختصين بالشريعة إيجاد بدائل عن الربا من خلال هذه العقود. أما بالنسبة للقانون وبما أن قضية الربا هي قضية شرعية فإن العبرة في القانون هي في حقيقة هذه العلاقة بين المقرض والمقترض وإن اتخذت شكل بيع سلعة فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني فإن ثبت أن هذه العقود هي عقود إقراض فإن أحكام عقد القرض هو ما ينبغي تطبيقها حتى وإن سمي عقد بيع وعند تطبيق أحكام عقد القرض على هذه العلاقة فإنه ينظر في هذه الحالة إلى مسألة الغبن ومدى وجود خلل في المعادلة الاقتصادية بين الطرفين ومدى عدالة الفوائد التي تم احتسابها. وبالنسبة للأنظمة القانونية التي تعمل في ظل الشريعة الإسلامية فإن الحكم ببطلان هذه العقود قد يكون واردا ما دام قد ثبت أن هذه العقود هي عقود صورية الهدف منها التحايل على تحريم الربا. وبالنسبة للتمويل عن طريق المصارف فهناك إشكالية حقيقية مفادها أنه إذا ثبت أن هذه العقود هي عقود بيع بثمن آجل فإن هذا مخالف للنشاط الذي يقوم به البنك لأن البنك تجاوز الترخيص الممنوح له بممارسة النشاط المصرف إلى نشاط البيع له به وقام بالمتاجرة بالسلع كالحديد وما إلى ذلك وبالتالي لا يعد هذا العمل من قبيل الأعمال المصرفية، كما لا تختص بالنظر فيه لجان تسوية المنازعات المصرفية. وإن اعتبرناه عقد تمويل مصرفي فإن عقد البيع في هذه الحالة هو عقد صوري غير حقيقي وهذا يعد تحايلا من جهة هذه المصارف.

* ما رأي القانون فيمن تسبب بالأذية الاقتصادية التي تسببها هذه العقود على مستوى الفرد العميل وعلى مستوى البناء الاقتصادي ككل؟

- في الحقيقة أن تسمية الأشياء بغير أسمائها أو بغير أوصافها هو من قبيل التحايل على الواقع واستغلال حاجة الناس للتعاملات الشرعية النظيفة وحاجتهم للاقتراض وبالتالي استثمار كل هذه الأمور لتحميل هؤلاء المقترضين مبالغ طائلة وفوائد مركبة تحت مسمى المصرفية الإسلامية. وقد أدى هذا الأمر ببعض المقترضين للتعثر في السداد أو اللجوء إلى قروض أخرى ليتمكن من سداد هذه القروض مما جعل البعض مهددا بالسجن، وهذا زاد من نسبة الديون المعدومة ومن ارتفاع تكاليف القروض وهذا بدوره له تداعيات اجتماعية واقتصادية معتبرة.

* ما الضرر الذي يمكن أن تلحقه مثل هذه العقود الآجلة بالنسبة لصناعة المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي؟

- أعتقد أن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى إعادة نظر وإعادة هيكلة وألا يكون دورها عبارة عن تهذيب المنتجات الربوية الغربية وتقديمها بلباس جديد، أو اللجوء للحيلة عن طريق عقود لا تعبر عن حقيقة العلاقة بين الأطراف. كما أعتقد أن الأمر يحتاج إلى منطلقات مستقلة وأن ننطلق من مسألة مفصلية وأساسية وهي حساسية القواعد الشرعية للأجل وموقف الإسلام الواضح والصريح من الأجل واهتمامه بالتجارة الحاضرة، ولنأخذ عبرة مما حصل للاقتصاد الرأسمالي الغربي القائم على فكرة الأجل وما قادت إليه الديون التي تضخمت بسبب تراكم الفوائد والإقراض القائم على الأجل دون اعتبار لقدرة المقترضين على السداد أو قدرة الرهونات على الوفاء بهذه الديون فكان الآجل الذي اعتمد الجميع عليه لإثبات القدرة على السداد هو الورقة الخاسرة في نهاية المطاف.

* ما المطلوب قانونيا من قبل الهيئات الشرعية والبنوك ومن البنوك المركزية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية لوضع معايير أو شروط لضبط مثل هذه الألاعيب باسم التمويل الإسلامي؟

- المطلوب هو وقفة جادة وعدم اللجوء إلى القرارات القائمة على تبرير ما هو معمول به في الغرب بأن هذا شرعي أو غير شرعي. والمطلوب هو ابتكار منتجات تمويل إسلامية صرفة قائمة على حقيقة واحدة وهي المشاركة في الربح والخسارة أو ما يسمى بالمضاربة، وأعتقد أن كلا له دور في هذا المجال ولا أعتقد أن المصرفية الإسلامية ستتقدم من دون تعاون وتكامل أدوار هذه الجهات، وأنا أرى أن الهيئات الشرعية هي حجر أساس في هذه الصناعة ما دامت قد فهمت الدور المطلوب منها والذي لا يقتصر على دراسة ما يقدم إليها والحكم عليه بأنه شرعي أو غير شرعي. أعتقد أن الأهم هو الابتكار والعمل بعيدا عما أفرزته بيروقراطية العمل المصرفي الغربي، فالبنوك تقدم لهذه الهيئات عملها المصرفي، بينما الأفضل أن تقدم هذه الهيئات مشروع عمل مصرفيا إسلاميا للبنوك لتعمل هذه الأخيرة على ضوئه.

* ما التحديات التي تواجه إمكانية تطبيق الرقابة والحد من العقود الآجلة للبيع؟

- أعتقد أن أكبر تحد هو أن الجهة الإشرافية المصرفية لا يمكن لها أن تراقب هذه العقود لعلمها بأنها عقود غير حقيقية لأن الهدف منها كما هو معلوم هو تسهيل الأعمال المصرفية القائمة على مثل هذه المفاهيم، ولذلك فالغبن الذي يحصل للعميل يكون بمنأى عن عين الرقيب ولو طبقنا قواعد الغبن في البيع لوجدناه واضحا بسبب الفارق الكبير بين سعر الشراء وسعر البيع مرة أخرى، كما أن وزارة التجارة لا تتدخل في مثل هذه العقود لأنها ليست عقود بيع حقيقة حتى تكون ضمن نطاق اختصاصها.