دراسة حديثة تكشف عن عدم توافق بين الفتوى ومستندات الصكوك وتطبيقها

بينت قصر الإجازة الشرعية على هيكل الصكوك دون تضمين التعديلات

TT

خلصت دراسة حديثة إلى أن تطبيقات الصكوك الإسلامية المعاصرة لا تحقق بدرجة ملائمة خصائص النظام المالي والمصرفي الإسلامي ولا تعكس بدرجة كافية الفروق الجوهرية التي تميزها عن سندات الدين في النظام المالي والمصرفي التقليدي، مبينا أن الاهتمام بهيكلة الصكوك قد انحاز إلى شكلية العقود على حساب الاهتمام بمقاصد الشريعة. وأشارت الدراسة إلى أن هناك عدم توافق بين الفتوى ومستندات الصكوك أو بين الفتوى وتطبيقات الصكوك، مع تأكيدها على أن الإجازة الشرعية اقتصرت في بعض تطبيقات الصكوك على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك.

واستهدف الباحث الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام لشركة «رقابة» للاستشارات في بريطانيا، بهذه الدراسة التي جاءت تحت عنوان «الجوانب الشرعية والقانونية في تطبيقات الصكوك.. المشكلات والحلول» مسألة تقويم منتج الصكوك الإسلامية من منظور شرعي، مستعرضا أبرز المخالفات الفقهية لتطبيقات الصكوك المعاصرة بالمقارنة مع الأحكام الفقهية للصكوك التي انتهى إليها الفقه الإسلامي الدولي والمجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات الإسلامية المالية الإسلامية في البحرين.

ووضع الباحث عدة أسس لهذه الرؤية تقوم على أساسين؛ أولهما اعتبار أن مقاصد الشريعة عند النظر في العقود كل لا يتجزأ، وتشمل العقود وهيكلة العقود ومآلات العقود. وثانيهما أن الحكم النهائي على العقد يجب أن يجمع بين سلامة بنائه وصحة تطبيقه، مؤكدا أنه لا يجوز الاقتصار على سلامة البناء دون وضع آليات لضبط التطبيق ومعالجة الخلل المحتمل حتى لا يكون عونا للمتلاعبين الذين يتخذون من الشريعة مطية لتحقيق مآربهم غير المشروعة. وانطلاقا من هذين الأساسين قدم الباحث نموذجا لتقويم تطبيقات الصكوك يشتمل على 19 معيارا، موزعة على محاور العقود وبينة وهياكل العقود وتحقيق مقتضياتها، ونتائجها.

وأشار الباحث إلى أن «مؤسسة نقد البحرين» أصدرت في سبتمبر (أيلول) 2001 صكوكا إسلامية لتمويل مشاريع بنى تحتية وحكومية، ومنذ ذلك الحين، احتدم النقاش الفقهي الجاد في دورتين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في كل من مسقط 2007 والشارقة 2009 حول تقويم تطبيقات الصكوك مقارنة بالأحكام الفقهية المستقرة للإجارة والمشاركة والمضاربة، التي صدرت بشأنها قرارات مجمعية ومعايير شرعية من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين.

ورغم اتفاق غالبية الفقهاء المعاصرين على عدم شرعية عدد من تطبيقات صكوك المضاربة والمشاركة، بل وبعض تطبيقات الإجارة، فإن الباحث يرى أن تلك التطبيقات، التي تعد مخالفة للأحكام التي استقرت مجمعيا وعلى مستوى المعايير، قد تكررت واستمرت في الازدياد والانتشار وتحوز على الإجازة الشرعية من قبل بعض الفقهاء المعاصرين.

ومع ذلك، أقر الباحث بأن الصكوك الإسلامية شهدت مرحلة انتقالية فاصلة على المستوى الفقهي النظري في عام 2007، عندما صرح رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات بأن 85 في المائة من صكوك المضاربة والمشاركة المصدرة مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن هذا التصريح أحدث بلبلة في سوق الصكوك عالميا وانخفضت الإصدارات الجديدة بشكل واضح.

وأثار الباحث بعض الملاحظات الشرعية حول تطبيقات عدد من الصكوك المصدرة في منطقة الخليج وعلى وجه الخصوص تلك المصدرة في الكويت والسعودية والإمارات وقطر، ومنها ضمان القيمة الاسمية من قبل المضارب أو الشريك المدير أو الوكيل بالاستثمار بذرائع مختلفة.

ومن هذه الذرائع، وفق الباحث، تعهد المصدر الملزم بشراء أصول الصكوك بقيمتها الاسمية في نهاية مدة المضاربة أو المشاركة أو الوكالة، على أساس الفصل بين شخصية العقد وشخصية المضارب أو الشريك أو الوكيل في الاستثمار، كذلك تعهد المصدر الملزم بضمان رأس المال في وثيقة مستقلة عن عقد المضاربة والوكالة أو عقد إصدار الصكوك، أو تعهد المضارب الملزم بإقراض محفظة الصكوك بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.

ومن الذرائع كذلك، توزيعات الأرباح على الحساب دون وجود آلية للتحاسب المستقبلي بين حملة الصكوك والمضارب أو الشريك المدير خاصة في الصكوك المتداولة، أو التزام المضارب بتوفير تمويل مشروع للمضاربة بغرض ضمان توزيعات أرباح بمستوى معين.

وأشار الباحث إلى أنه من مؤيدات الصورية في عقود الإجارة المنتهية بالتمليك التي تقوم عليها صكوك، النص على عدم أحقية حملة الصكوك في التصرف في العين المؤجرة في حال إخفاق المستأجر في سداد الإيجارات وفسخ عقد الإجارة واقتصار أحقيتهم في الإيجارات، بالإضافة إلى شبهة بيع الوفاء؛ إذ تقوم بعض صكوك الإجارة على شراء العين من المصدر وإعادة إجارتها عليه بالتمليك، مع الإلزام بإعادة الإجارة، كذلك ضمان القيمة الاسمية من قبل المضارب أو الشريك المدير أو الوكيل في الاستثمار خلال التعهد بشراء أصول المضاربة أو المشاركة أو الوكالة في نهاية عقد الإجارة أو عند إطفاء الصكوك، مشيرا إلى أن بعض أصول الصكوك غير قابلة لأن تملك من حملة الصكوك من الناحية القانونية كالأصول السيادية وحقوق الامتياز لبعض الشركات الحكومية أو شبه الحكومية. وأوضح أن هناك عدم توافق بين الفتوى ومستندات الصكوك أو بين الفتوى وتطبيقات الصكوك، مبينا أن الإجازة الشرعية اقتصرت في بعض تطبيقات الصكوك على هيكل الصكوك وإجراء التعديلات عليه من قبل الهيئة الشرعية المعنية دون التأكد من تضمين التعديلات في المستندات الكاملة للصكوك، وعلى وجه الخصوص عقود الإجارة والمضاربة والمشاركة والوكالة والتعهدات بالشراء والمواد الخاصة بحالات الإخفاق في كل هذه العقود، مما يعني أن الفتوى لم تلامس المستندات التي جرى توقيعها من الأطراف ذوي العلاقة، التي كان من الواجب أن تشملها الإجازة الشرعية. وزاد الباحث أنه، لم يتجاوز اهتمام الهيئة الشرعية في بعض تطبيقات الصكوك إلى أكثر من الإجازة الشرعية للهيكل أو الهيكل والمستندات، ولذا يرى أنه لم تتوافر أي تأكيدات ملائمة بشأن استخدام حصيلة بيع الصكوك في الغرض الذي أصدرت من أجله، أو بالطريقة المحددة في مستندات الصكوك أو بشأن مدى تحقيقها العوائد المتوقعة والموزعة، بل، في رأيه، لا توجد أي تأكيدات بشأن وجود أًول الصكوك. ويعتقد أن هذا الواقع فرض على المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أن يدعو لاجتماع تكرر ثلاث مرات بين عامي 2007 و2008 من أجل تقويم تلك التطبيقات وإصدار الرأي الشرعي الذي يمثل رأي المجلس الشرعي للهيئة، وخرج بموجبها ببيان أوصى فيه بعدة وصايا في هذا الجانب ووجه المؤسسات المالية الإسلامية وهيئات الرقابة الشرعية للالتزام بها عند إصدار الصكوك. ومن هذه الوصايا، ضرورة أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع شرعا وقانونا، سواء كانت أعيانا أم منافع أم خدمات، وفقا لما جاء في المعيار الشرعي رقم 17 بشأن صكوك الاستثمار في بند 2 وبند 5، موجبا على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وأن لا يبقيها في موجوداته.

كما أكد المجلس عدم جواز تمثل الصكوك القابلة للتداول للإيرادات أو الديون، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي رقم 21 بشأن الأوراق المالية.

كذلك، لم يجوز المجلس لمدير الصكوك سواء كان مضاربا أو شريكا أو وكيلا بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضا عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، مجوزا في الوقت نفسه بأن يكون احتياطيا لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصا عليه في نشرة الاكتتاب ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقا للمعيار الشرعي 13 بشأن المضاربة بند 5 أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك. أيضا، لا يجوز المجلس للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها، في الوقت الذي يجوز فيه أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء.

واستند المجلس وفقا لما جاء في المعيار الشرعي رقم 12 بشأن الشركة أو المشاركة والشركات الحديثة بند 3 – 1 - 6 - 2، وفي المعيار الشرعي رقم 5 بشأن الضمانات بند 2 – 2 - 1 و2 – 2 - 2، علما بأن مدير الصكوك ضامن لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، سواء كان مضاربا أو شريكا أو وكيلا بالاستثمار، أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، حينها يجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول عند إطفاء الصكوك بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول، باعتبارها تمثل صافي قيمتها.

ونبه بجواز أن يقوم المستأجر في التعهد في صكوك الإجارة بشراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على أن لا يكون شريكا أو مضاربا أو كيلا بالاستثمار.

وقال: «يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، مع أهمية التأكيد على أن العملية تلتزم بالمتطلبات والضوابط الشرعية في جميع مراحلها، وفقا للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية، وفقا للمعيار الشرعي رقم 17 بشأن صكوك الاستثمار بند 5 – 8 – 1 - 5.

ووصى المجلس كذلك، بضرورة تقليل المؤسسات المالية الإسلامية المداينات في عملياتها، في الوقت الذي يفضل فيه أن تتجه إلى الإكثار من المشاركة الحقيقية المبينة على قسمة الأرباح والخسائر وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة.