اختصاصيون مصرفيون: البنوك السعودية بحاجة إلى دفع عجلة الصكوك في القطاع الخاص

أكدوا أن الصكوك السعودية تثير جدلا وتفتح باب تمويل جديدا مغيبا

TT

في الوقت الذي يراهن فيه مصرفيون غربيون في بريطانيا على أن السعودية تعد بمثابة «عملاق الصكوك» النائم الذي لم يستيقظ بعد، ويصفها آخرون بأنها أرض الفرص اللامتناهية للصناعة المالية الإسلامية لفترة من الزمن، يرى خبراء اختصاصيون في هيكلة الصكوك أن البنوك السعودية اتخذت الصكوك مأخذ الجد.

وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن أمام البنوك السعودية الكثير لتمتلك القدرة الكافية لأن تصبح مديرة إصدار الصكوك، ومن ثم تولي عملية هيكلة الصكوك، مشيرين إلى أن كل ما تنجزه في هذا المجال، أنها تدخل في هذه العملية كمشاركة ومسوق للصكوك المستوردة فقط، ومن ثم بيعها للمستثمرين السعوديين.

وأكدوا أن الطلب على الصكوك سينفجر في يوم من الأيام، وحينها لن تستطيع البنوك السعودية أن تواكب الطلب ما لم تستعد لذلك، مشيرين إلى أن الصكوك السيادية وشبه السيادية لا تعاني مشكلة في الصكوك بالشكل الذي عليه الحال في صكوك القطاع الخاص، ولذلك برأيهم لم تستطع أن تصل إلى مستوى وصيفاتها في ماليزيا.

وفي هذا السياق، أوضح محمد الخنيفر، المتخصص في هيكلة الصكوك وخبير المالية الإسلامية لمجموعة «أدكوم أكاديمي» المصرفية، والتي تتخذ من أميركا موقعا لها، أن تجاهل البنوك السعودية لهذا الأمر أدى إلى غياب إصدارات الصكوك الخاصة بالشركات، موضحا بعض المبررات لتباطؤ نمو سوق السندات الإسلامية، مستعرضا مجموعة من التوصيات التي ستسهم في حالة تطبيقها في جعل البنوك السعودية تفتح على نفسها بابا جديدا لجني إيرادات من الصكوك، والتي كانت مغيبة عنهم.

وأشار الخنيفر إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الإصدارات، أولها إصدارات الصكوك «السيادية»، وثانيها إصدارات الصكوك «شبه السيادية»، والتي غالبا ما تكون لشركات تهيمن على ملكيتها الجهات السيادية، وأخيرا إصدارات صكوك «الشركات».

وأوضح أن الإصدارات الضخمة من السعودية هي من الفئة الثانية، مبينا أنه عاده ما تكون «تكلفة الإصدار» للصكوك السيادية و«شبه السيادية» منخفضة وزهيدة، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى أن احتمالية التعثر لديهم تكون منخفضة.

ومع ذلك، استدرك الخنيفر بأنه لا يبدو الأمر كما هو مع الفئة الثالثة، مبينا أن إصدارات الشركات من الصكوك يقابلها ارتفاع حاد في تكلفة التمويل بسبب ضعف متانتهم الائتمانية. وقال: «يبدو أن قطاعنا المصرفي لم ينتبه بعد إلى أن ربحية إصدارات الشركات، ما يعني أن هناك نوعا من الجهل بهذه الفئة غير المخدومة مصرفيا.

وبلغة الأرقام حاول الخنيفر إثبات أن هذا الاستنتاج من قبل إدارات الدين الإسلامية غير صائب، ففيما يتعلق بتكلفة التمويل، أوضح أن المصرفيين السعوديين يجادلون بأن تكلفة التمويل، وهي الفائدة المتطلب دفعها من جراء المال المقترض، هي من تتحمل اللوم من جراء اضمحال إصدارات السندات الخاصة بالشركات، ويعني هذا برأيه أن الدفعات الدورية الخاصة بالصكوك ستكون مرتفعة.

ونظرا لمتانة السيولة المحلية ووصول معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها فإن الخنيفر يرى أنه من الطبيعي أن تكون تكلفة الاقتراض لهذه الشركات منخفضة، خاصة في حالة تفضيل هؤلاء المقترضين خيار القروض المصرفية بدلا من الصكوك، ضاربا مثلا بمجموعة «ماجد الفطيم»، حيث قررت تأجيل إصدار سندات وفضلت عليه القروض المصرفية لهذا السبب أعلاه.

وبمعنى آخر، فإنه وفق الخنيفر فإن المصرفيين يقولون إنه بسبب ما ذكر أعلاه فإن إصدارات الصكوك لن تكون مفضلة من قبل الشركات في الوقت الحالي، ولكنهم قد يميلون إلى هذا الخيار في حال ارتفاع معدلات الفائدة عن وضعها الحالي، وعليه فتكلفة التمويل ستكون جذابة لهم مقارنة مع القروض المصرفية.

أما فيما يتعلق بالهيمنة الأجنبية وحتى في حالة أصابت التوقعات أعلاه، فإن الخنيفر يعتقد أن هذه البنوك السعودية غير مستعدة للاستحواذ على حصة من سوق السندات الإسلامية، والتي تهيمن عليها منذ فتره طويلة خمسة بنوك أجنبية تتخذ من دبي والبحرين مقرات لها.

وقال: «قد تشكل الإحصائية التالية صدمة كبيرة لإدارات البنوك السعودية عندما يعرفون أنه خلال العشر سنين الماضية تم إصدار 21 سندا إسلاميا خاصة بالشركات السعودية مقارنة مع 952 من صكوك الشركات الماليزية في نفس الفترة، وذلك بحسب بيانات إحصائية من موقع زاوية الاقتصادي».

وأشار إلى أن قيمة الإصدارات السعودية الخاصة بالفئة الثالثة أي الشركات وصلت إلى 14 مليار دولار في حين لامست الإصدارات الماليزية من الشركات 50 مليار دولار، موضحا أن الماليزيين أصدروا في عام 2011 ما يصل إلى 140 من صكوك الشركات، ما يعني تحطم الاعتقاد السابق الخاص بتكلفة التمويل والاقتراض التي تحولت إلى عائق بالنسبة للشركات السعودية.

وزاد أنه لا توجد مقارنة على الإطلاق من حيث المتانة الاقتصادية بين ماليزيا والسعودية، حيث تخطط الأخيرة لإنفاق ما يصل إلى 400 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية، والتي قد تلعب الصكوك دورا جوهريا فيها.

ويبدو أن الخنيفر تلمس خريطة طريق لهذا الواقع، مبينا أن قدرات البنوك السعودية على التعاون على إصدار 21 من صكوك الشركات خلال العشر السنوات الماضية، تكشف بشكل لا لبس فيه أن هذه البنوك قد أخطأت في تقدير حجم وإمكانية نمو سوق السندات الإسلامية، متسائلا: «كيف تمكن بلد صغير مثل ماليزيا من تجاوز السعودية، بل كيف تمكنت ستة بنوك ماليزية في استنهاض إصدارات الشركات من العدم ليصبح إجماليها 952 سندا إسلاميا».

وفي ظل هذا الواقع، اقترح الخنيفر عدة توصيات من شأنها أن تدفع عجلة النمو للشركات الصغيرة والمتوسطة في السعودية، مبينا أن البنوك الاستثمارية الماليزية قامت وبكل نجاح في إيجاد سوق من العدم من صلب قطاع الشركات، مخالفين في ذلك النظرة السعودية التي برأيه لا ترى جدوى ذلك.

وأضاف أن ضعف المتانة الائتمانية لهذه الشركات أسهم في خلق سوق صكوك جديدة يطلق عليها «صكوك الخردة»، وهي السندات الإسلامية ذات التصنيف الائتماني المنخفض، والذي تصاحبه عائدات مرتفعة، مشيرا إلى أنه يوجد بعض هذه البنوك تخصصت في إصدار صكوك الشركات الصغيرة، الأمر الذي مكنها من احتلال مراكز متقدمة في السلم العالمي للبنوك المنظمة لإصدارات الصكوك.

وأشار الخنيفر إلى أن بيانات «زاوية» توضح مدى الخطأ الجسيم من قبل البنوك السعودية، بسبب أنها لم تقدر بشكل جدي إمكانية النمو لسوق السندات السعودية، مبينا أنه لو أنها كانت قد أسست لبنية تحتية قوية من الموارد البشرية المتخصصة في إصدارات الصكوك، لكانت على الأقل قد أسهمت في تسريع عملية الاستيقاظ الجماعي لإصدارات الصكوك الخاصة بالشركات. ويعتقد أن هذا الواقع أدى إلى خسارة إيرادات مصرفية كانت في متناول هذه البنوك غير أنها ذهبت لصالح البنوك الأجنبية التي تخصصت في إصدارات السندات الإسلامية.

وفي ظل مؤشرات الإنفاق الهائلة للسعودية، فإنه يرى أنه لا يزال هناك متسع من الوقت لكي تقوم البنوك المحلية السعودية ببناء بنية تحتية من الموارد البشرية المتخصصة في السندات الإسلامية، معزيا ذلك لعدم قدرتها من القيام بالهيكلة الهندسية المالية للصكوك، مشيرا إلى أن هذا الواقع أفرز موجة هجرة لمواهب سعودية شابة متخصصة في هيكلة الصكوك للعمل بالخارج، ذلك لأن هذه البنوك لم تستطع حتى الآن في إصدارات السندات أو أن تلك البنوك فلفظت هذه المواهب الوطنية ورمتهم في أحضان البنوك الأجنبية التي قدرت مواهبهم ووظفتهم في السعي في هذا الطريق.

ويرى الخنيفر أن مسألة تسريع عملية الاستيقاظ الجماعي واستنهاض إصدارات الصكوك من الشركات، أصبحت قضية ملحة تتطلب تثقيف عملاء البنوك من الشركات حول الإمكانيات الهائلة للصكوك من خلال تنويع مصادر التمويل لهم.

كما يرى أن أحد الطرق لتنفيذ ذلك هو وجود مدراء علاقات متخصصين في المالية الإسلامية ممن يملكون القدرة على الحصول على تفويضات لإصدار السندات من الشركات، مؤكدا أن هناك حاجة لقيام البنك المركزي بلعب دورا فعالا من حيث سن القوانين والأنظمة الخاصة بإصدارات الصكوك، مستغربا إطلاق البعض على أن الرياض تحولت لعاصمة مال إسلامية، مضيفا: «ونحن لا توجد لدينا أرضية صلبة تنظيمية خاصة بإصدارات الصكوك كما لدى ماليزيا والبحرين؟ بل حتى لا توجد لدينا سوق نقد إسلامية بحتة».

ويعتقد أن هناك حاجة لتوضيح بعض الأمور القانونية الخاصة بملكية حملة الصكوك الأجانب لبعض الأصول السعودية، وذلك من خلال عمليات التصكيك أو السندات الإسلامية، مبينا أنه من خلال العملية «الانتقالية» أو إعادة الهيكلة التي ستقوم بها البنوك السعودية والمتعلقة بالبنية التحتية لإدارات أسواق الدين الإسلامية، فإن الكثير من المواهب المصرفية الخليجية الشابة ستتلاشى إذا لم تمنح الفرصة لتكون ضمن هذه الإدارات، في الوقت الذي يلاحظ فيه أن المصرفيين الماليزيين والباكستانيين بسطوا سيطرتهم على إدارات السندات الإسلامية في البنوك الخليجية في الوقت الحالي.

وخلص الخنيفر إلى أن البيانات الاقتصادية التي تم ذكرها آنفا أثبتت أن البنوك السعودية تخسر إيرادات كانت في متناول يدها لو أنها تمكنت من بناء بنية تحتية فعالة خاصة بإدارات السندات الإسلامية، حيث لا يلاحظ لها مشاركة في إصدارات صكوك في السنوات الماضية إلا النزر اليسير، مبينا أن بعض الشركات السعودية المدرجة تفضل الاستعانة بالبنوك الأجنبية بسبب معرفتها أن الغالبية العظمى من البنوك السعودية أخذت على عاتقها عدم الاهتمام بتطوير إدارات الصكوك عندها، مشددا على ضرورة التحرك بشكل سريع لتلافي ما حصل لمشاركة البنوك الأجنبية كعكة سوق السندات الإسلامية الخاصة بالصكوك بتنافسية عالية.

من جانبه، علق جون ساندويك، الخبير في مجال تطوير وتوزيع المنتجات الاستثمارية المتطابقة مع الشريعة في جنيف بسويسرا على ما أثاره الخنيفر في هذا الصدد من خلال رأيه حول الأرقام التي توضح نسبة الصكوك بين الشركات السعودية ونظيرتها الماليزية.

ويعتقد جون ساندويك بأن البنوك السعودية في حاجة ماسة للسعي بجدية أكثر شجاعة، على امتلاك القدرة الكافية لأن تصبح مديرة إصدار الصكوك لتولي عملية هيكلة الصكوك، مبينا أنها لا بد لها من أن تغير سياستها في أن تكتفي بأن تدخل في هذه العملية كمشاركة ومسوق للصكوك المستوردة فقط ومن ثم بيعها للمستثمرين السعوديين، مؤكدا في نفس الوقت أن الطلب على الصكوك سينفجر في يوم من الأيام وحينها فإن البنوك السعودية لن تواكب الطلب، مشيرا إلى أن الصكوك السيادية وشبه السيادية لا تعاني مشكلة في الصكوك على عكس الحال في صكوك القطاع الخاص والشركات التي لم تستطع إلى ما وصلت إليها وصيفاتها في هذا المجال في الخارج وتحديدا كما هو الحال في ماليزيا.

وقال ساندويك: «أدعو البنوك السعودية للانتباه لهذه المسألة المهمة لتمتلك من القدرة ما يمكنها لأن تصبح مديرة إصدار أو ضامنة لمعظم إصدارات الصكوك السعودية الخاصة بالشركات، حيث إن هناك طلبا كبيرا على الصكوك بحجم أكبر من قدرة وطاقة القطاع المصرفي الاستثماري، والتي لم تعد تتحمله، علما بأن هناك بنوكا سعودية قليلة جدا تملك الرغبة أو القدرة على هيكلة أو تسويق هذا النوع من الأوراق المالية، على الرغم من تنام متزايد وضخم في الطلب على الصكوك ولكن من دون وجود عروض جديدة في السوق».

وأضاف: «ربما البنوك السعودية لا تترك هذه السوق المربحة للبنوك الأجنبية، إلا أنها مشغولة أكثر من اللازم بالمشاريع العقارية».

وأما فيما يتعلق بمسألة الاستثمار في تطوير وتدريب متخصصين سعوديين في هيكلة الصكوك بدلا من الاعتماد على المصرفيين الأجانب أو التنازل عن هذه السوق لصالح البنوك الأجنبية، يعتقد ساندويك أن هناك عملية مواءمة غير جيدة بين العرض والطلب فيما يتعلق بالموارد البشرية التي تعمل في القطاع البنكي السعودي. وقال: «كان لدي الشرف برعاية وتدريب الكثير من السعوديين الشباب الذين يتشوقون إلى دخول صناعة المال الإسلامية».

وأشاد ساندويك بالشباب السعودي الذي انبرى للتزود بنوع من التعليم والتدريب خارج السعودية، مبينا أنه يلاحظ أن هناك طاقات شبابية تتخرج في جامعات غربية رائدة، ولكن مع هذا كله فإنه لا يوجد ما يكفي لامتصاص هذه المواهب الشابة في قطاع المالية الإسلامية في السعودية. ونصح ساندويك البنوك السعودية بأنها إذا أرادت أن تحقق خدمة مصرفية نوعية وبشكل جدي وخاصة في مجال بإصدار صكوك إسلامية في المستقبل، فإن عليها الاهتمام بشكل أكثر بهؤلاء الشباب السعوديين الذين يتمتعون بقدرات كبيرة في هذا المجال اكتسبوها بالتدريب في هذا التخصص والمقصود به هيكلة الصكوك.

وقال: «في الحقيقة إنني أرى أن هناك رابطا أكثر وضوحا بين أهداف التنمية الوطنية، والتي تشمل استيعاب وتدريب هذه الطاقات السعودية الشابة وبين زيادة إصدارات الصكوك في السعودية».