خبراء ماليون: «الربيع العربي» يتدخل في الأنظمة المالية لبعض الدول للاستعانة بالمصرفية الإسلامية

أكدوا حتمية الاتجاه لبسط استراتيجية أسلمة تدريجية للمنظومة المالية فيها

TT

يبدو أن الربيع العربي الذي هبت رياحه في بعض البلاد العربية أخذ يفرض واقعا جديدا في اتجاهات الدول المتأثرة به، خصوصا في أنظمتها المالية وتركيبة مؤسساتها التي تعمل تحت أجندتها وفق النظام المالي التقليدي.

وفي ما يتعلق بتبديده التخوفات التي تبديها بعض البلاد من تمدد المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في تفاصيل عملياتها المالية والمصرفية، يعتقد بعض خبراء التمويل والاقتصاد الإسلامي أنه لم يعد هناك مجال وتبريرات لها على خلفية أنها تهدد استقرارها المالي، الذي كانت تتحكم فيه الأنظمة المالية التقليدية.

وفي هذا السياق قال ناصر الزيادات الباحث في التمويل الإسلامي بجامعة درم بالمملكة المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: «يجري في الآونة الأخيرة همهمات وهمسات عن احتماليات تأثير الربيع العربي على التمويل الإسلامي. وهناك الكثير ممن لا يعرفون واقع التمويل الإسلامي يربطون بين صعود القوى الإسلامية السياسية إلى سدة الحكم بعد الثورات العربية، وصعود نجم التمويل الإسلامي في تلك الدول».

ويعتقد الزيادات أن هذا الربط فيه بعض التجني، مبينا أن التاريخ أوضح أن الدول التي شهدت الربيع العربي كان حكامها كثيرا ما يستخدمون فزاعة الإسلاميين من أجل تحقيق مآرب سياسية، مبينا أنه كان هناك منهم من يحاول إقصاء التمويل الإسلامي على أنه مرتبط بالفكر الآيديولوجي الإسلامي، مشيرا إلى أن هذا هو مربط الفرس المتمثل بالحكم الخاطئ على نمو التمويل الإسلامي بصعود الإسلاميين.

وأضاف أن التمويل الإسلامي على سبيل المثال منتشر في فرنسا التي يحكمها حزب يميني برئاسة ساركوزي، وهو منتشر منذ عقود في بريطانيا التي يحكمها الآن ائتلاف لليمين الجمهوري مع الديمقراطيين الأحرار، مؤكدا أن هذا يدل على أن التمويل الإسلامي لا علاقة له بالأحزاب السياسية التي تصل إلى سدة الحكم، مستدركا أن الربيع العربي سيوفر فرصا جمة وتحديات للتمويل الإسلامي.

ومن تلك الفرص وفق الزيادات أن شعبا عربيا عظيما مثل شعب مصر حُرم من التمويل الإسلامي عقودا من الزمان بعد إحباط تجربة «مجموعة الريان» بتواطؤ حكومي آنذاك، واقتصار التمويل الإسلامي على بنك واحد فقط هو بنك فيصل الإسلامي لأسباب سياسية تتعلق بمؤسسي البنك، سيرغب بشدة في إيجاد التمويل الإسلامي على أرض مصر التي انطلق منها أول بنك إسلامي في العالم على يد المرحوم أحمد النجار، أحد أبرز منظري الاقتصاد والتمويل الإسلامي في العالم. وقال: «هنا لا بد من العلم أن مصر بلد غني بالطاقات البشرية والموارد الطبيعية التي سيسهم التمويل الإسلامي في تنميتها بشكل جيد إذا ما طبق بالشكل الصحيح، بعيدا عن التورق والوكالة بالاستثمار. وكذلك الحال بالنسبة لتونس التي تمتلك كفاءات بشرية مشهود لها بقوة العلم والمهارات».

ومن الفرص التي سيوفرها الربيع العربي للتمويل الإسلامي أيضا إعادة تقييم تجربة التمويل الإسلامي منذ نشأتها حتى يومنا هذا، وذلك لأن ذلك برأيه جعل الربيع العربي يكسر جدار الصمت ويوفر المناخ المناسب للنقد والتعبير عن الرأي، مؤكدا أنه لن تكون المنتجات الشاذة في التمويل الإسلامي بمنأى عن ذلك النقد، متوقعا في نفس الوقت أن يكون التمويل الإسلامي بشكل عام عرضة لإعادة التقييم والتصحيح.

وأضاف أن من أبرز التحديات التي تواجه التمويل الإسلامي هو الأمن والاستقرار السياسي في دول الربيع العربي، مبينا أنه لا يمكن أن يكون هناك ازدهار اقتصادي دون هذين الأمرين، لذلك فإنه من المتوقع أن يتأخر التمويل الإسلامي في ليبيا نظرا لتلك الظروف، بالإضافة إلى أن نظام العقيد الراحل كان قد فرغ النظام المصرفي من محتواه، ما يعني أن ليبيا ستحتاج إلى بناء النظام المصرفي بشكل متين أولا ومن ثم التفكير بالتمويل الإسلامي.

ومن التحديات التي سيواجهها التمويل الإسلامي وفق الزيادات، المعارضة من قبل التيارات العلمانية التي تظن خطأ أن التمويل الإسلامي هو امتداد آيديولوجي للإسلام السياسي، وقال: «هنا لا بد لصناعة التمويل الإسلامي كافة أن تقوم بحملات إعلامية منظمة ومدروسة لتوضيح الفارق مع عدم التقليل من شأن الإسلام السياسي الذي صعد نجمه الشارع العربي بمحض اختياره».

من جهته أكد رجل الأعمال محمد الحمادي، أحد المهتمين بصناعة المصرفية الإسلامية، أن الحاجة الماسة إلى التمويل الإسلامي كبديل شرعي للتمويل التقليدي في بعض البلاد العربية والإسلامية، تضع المسؤولين فيها أمام تحدي الاستجابة لرغبات المواطنين في ظل هذا الربيع العربي الذي يبشر بتغيرات جوهرية في علاقة الحاكمين بالمحكومين.

وأوضح أن بعض الدول التي هبت في أراضيها نسائم الربيع العربي، بدأت تدشن مسلسل إصلاحات جوهرية تلامس رغبات المواطنين في التعاطي مع المصرفية الإسلامية، الأمر الذي جعل بعضها يسعى جاهدا لاعتماد دستور متقدم يراعي هذا الاتجاه، الأمر الذي يبرهن على أن الربيع العربي أحد دوافع تمكين التمويل الإسلامي، من خلال اعتماد استراتيجية الأسلمة التدريجية للمنظومة المالية.

ووفق الحامدي فإن المسلك لتحقيق هذا المبتغى يمر بضرورة فهم مصدر قلق السلطات المالية في تلك البلاد وتوجسها من التمويل الإسلامي والمنبعث أساسا من الخوف غير المبرر من انهيار المنظومة المالية الحالية إن تم اعتماد التمويل الإسلامي، وكذا خشية السلطات من تسييس موضوع التمويل الإسلامي.

وأضاف أنه من الممكن أن تؤثر إفرازات الربيع العربي في تجاوز بعض البلاد القريبة من منطقة الربيع العربي وأن تبادر في سياسة الترخيص للمؤسسات المالية الناشطة في مجال المنتجات والخدمات المالية الإسلامية، شريطة ربط ذلك بمشاريع مادية حية كالسدود والمطارات والمشاريع التنموية، مشيرا إلى أهمية أن تسعى السلطات المالية في تلك البلاد بأن تجتهد في خلق شراكات مع البنوك الإسلامية في الداخل والخارج درءا للمنافسة التي تخلقها المصارف التقليدية والتي ما زالت تمسك بمفاصل العمل المصرفي فيها.

كما أن السلطات المالية بإمكانها اعتماد التحول التدريجي للبنوك التقليدية بشكل عام إلى بنوك إسلامية أو على الأقل السماح لها بإنشاء مؤسسات مالية تابعة لها، لكن مع ضرورة مراعاتها للقيود الشرعية في أدق تفاصيلها.

وأوضح الحمادي أن النمو الهائل للتمويل الإسلامي يشكل فرصة تاريخية لتصالح السلطات المالية مع مواطنيها بتمكينهم من ممارسة معاملاتهم المالية في تناسق مع قناعاتهم الدينية التي تمنع التعامل بالفائدة غير الشرعية، أخذا وعطاء، كما أنه يشكل فرصة لاستجلاب الاستثمارات المالية الراغبة في العمل في المنتجات الإسلامية.

واعتبر الربيع العربي بمثابة فرصة ذهبية للشعوب والحكومات بأن تهتم بشكل جدي بمسائل التنمية التبادلية والتعاون بين تلك الدول وغيرها من الدول الإسلامية التي تمتلك فوائض في رؤوس الأموال وتلك التي تمتلك الخبرات وفرص الاستثمار.

كما يرى الحمادي أن الربيع العربي يحتم على الدول التي ما زالت تشذ عن قاعدة الترخيص للمؤسسات المالية الإسلامية الانخراط في الاتجاه العام العالمي، الذي أخذ ينتظم في كثير من بلاد العالم، خصوصا تلك التي ترى في التمويل الإسلامي البديل الأمثل لمواجهة الأزمات المالية العنيفة التي ما زالت آثارها باقية.