أبو حجلة لــ«الشرق الأوسط»: الخبرة والكفاءة التشغيلية تمثلان التحدي القديم ـ الجديد لدى المصرفية الإسلامية

خبير مصرفي: حاجات العملاء المتغيرة تجبر المصارف الإسلامية على النزول عند رغباتهم

خبير المصرفية الإسلامية نواف أبو حجلة
TT

أكد خبير في مجال المصرفية الإسلامية، أن ارتفاع الطلب على بعض المنتجات المتعلقة بتمويل قطاعات معينة مثل التمويل العقاري وتمويل المشاريع وغيرها، من أكبر التحديات التي تواجهها المصارف الإسلامية، بالإضافة إلى ارتفاع مخاطر المنتجات القائمة على عقود المشاركة.

ودعا الخبير المصرفي إلى ضرورة الاستفادة من البرامج الإلكترونية الحديثة المتوفرة، في تطوير أساليب إدارة مخاطر حديثة ويساعد المصارف في مواجهة هذا التحدي في تطوير بعض المنتجات، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة خلق بنية تحتية لإدارة مخاطر فاعلة، من شأنها توفير كفاءات مصرفية في إدارة المخاطر مع الالتزام بقواعد الحوكمة.

وقال الخبير المصرفي نواف يوسف أبو حجلة لـ«الشرق الأوسط»: «المصارف الإسلامية وبعد مرور ما يقرب من أربعين عاما على ظهورها، استطاعت اكتساب شريحة واسعة من العملاء ومن مختلف شرائح المجتمع، بفضل عدة عناصر رئيسية، قامت عليها آليات وأسلوب عمل المصرفية الإسلامية، بالإضافة إلى الوازع الديني، الأمر الذي أسهم بفعالية في قبولها وانتشارها الواسع».

ومن هذه العناصر، وفق أبو حجلة، ارتباط المصرفية الإسلامية ارتباطا مباشرا بالاقتصاد الحقيقي، وانتقال السلع والخدمات وليس الاقتصاد النقدي أو الورقي، الأمر الذي أسهم في تعزيز مبادئ الإنتاجية والبناء، بوصفهما هدفا رئيسيا من أهداف المصرفية الإسلامية، الذي يستدعي برأيه تبادلا حقيقيا وملموسا للأصول بدلا من التبادل النقدي، ليسهم ذلك في خدمة جميع أطراف العملية الإنتاجية وليس خدمة لفئة أو جماعة على حساب باقي الفئات كما هو في الاقتصاد النقدي الذي تتضخم فيه أموال مجموعة على حساب باقي المجموعات.

ويرى كذلك، أن تحريم الأنشطة التي لها ضرر على المجتمعات والأفراد، مثل القمار، والغرر، والخداع، والغش، أو تبادل السلع غير الملموسة، عنصر مهم وفعال في تحقيق أرضية صلبة تنطلق منها نجاحات المصرفية الإسلامية، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

ففي سبيل تعزيز مبادئ الإنتاجية والبناء، وفق أبو حجلة، لا تقوم المصارف الإسلامية بفرض فوائد غير متوافقة مع الشريعة على تعاملاتها، مبينا أنها تأخذ بعين الاعتبار في تسعير منتجاتها قيمة الزكاة الواجبة عليها، الأمر الذي يساعد من خلال مصارف هذه الزكاة القيام بالعديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في المناطق الأقل حظا من مشاريع التنمية.

كما تقوم هذه المصارف من خلال منح القروض الحسنة لمستحقيها، وإن كان هذا الدور بسيطا إلى حد ما، كما يزعم، إلا أن توجيه مثل هذه القروض للمشاريع الإنتاجية وليس للسلع الاستهلاكية، يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويؤهل مستحقي هذه القروض للاعتماد على أنفسهم في المستقبل في إعالة أنفسهم وعائلاتهم على الأقل.

ومع كل ما ذكر، في أن هناك طلبا متزايدا على المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة، إلا أن معدلات نموها، برأي أبو حجلة، ما زالت متواضعة بسبب مواجهة الخدمات المالية الإسلامية بشكل عام، والمصارف الإسلامية بشكل خاص، العديد من التحديات القائمة منذ فترة ليست بالقصيرة، بالإضافة إلى ظهور العديد من التحديات الجديدة والمتلاحقة بسبب التطورات الاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية وغيرها.

ولعل من أبرز هذه التحديات، وفق أبو حجلة، عدم قيام كثير من المصارف الإسلامية بطرح العقود القائمة على المشاركة في الربح والخسارة مثل عقود المشاركة بشتى أنواعها وعقود المضاربة، عازيا ذلك إلى عدم توفر هيكلة قانونية وشرعية مناسبة لطرح هذه المنتجات. كما أن هذه المنتجات، كما يرى، تحتاج إلى إدارة قوية للموجودات والمطلوبات في المصرف وتحديد نوعية الأصول والمشاريع التي يجب الدخول فيها بهذا النوع من العقود، والذي يتطلب كفاءة إدارية وتنفيذية متخصصة، مبينا أن عوائد هذه العقود غير معروفة بداية، ولا يستطيع المصرف أو العميل معرفة صافي ربحه أو خسارته، إلا بعد تصفية المشروع كاملا وتوزيع المستحقات لكل المشاركين.

وهذا الوضع، وفق أبو حجلة، يجعل من هذه العقود تحمل طبيعة مختلفة عن طبيعة التمويلات المتعامل فيها حاليا والقائمة على المديونية والتي يعرف بموجبها المصرف أو العميل قيمة أرباحه أو تكلفة تمويله على التوالي. ومع أن كل الأسباب المذكورة، شكلت عائقا أمام عدد من المصارف الإسلامية للدخول في عقود المشاركات، إلا أن هذه العقود قد حققت نجاحات مختلفة في هذه المصارف، التي تستطيع طرح هذه المنتجات عن طريق تطوير أنظمة قادرة على تخفيض المخاطر، مع منح مكافآت إضافية للعميل على التزامه بشروط العقد، مثل زيادة نسبة ربحية العميل من العقد، مع ما يدعم هذه العقود من أنظمة لإدارة المخاطر التي تغطي وتدرس مثل هذه العقود، ورفدها بالكفاءات العلمية ذات الخبرات المناسبة.أيضا يعتقد أبو حجلة أن مسألة توحيد المعايير الشرعية والمحاسبية، تعتبر من أكبر التحديات التي واجهته وما زالت تواجه المصارف الإسلامية، موضحا أن اختلاف الأنظمة والتشريعات القانونية هو أحد أهم أسباب عدم توحيد هذه المعايير، بالإضافة إلى أن بعضا من هذه المعايير يفتقر إلى التزامها بالمبادئ العالمية الموحدة، الأمر الذي لا يجعلها في موضع القبول لدى العديد من الجهات التي تنظر إليها بعين الترقب.

ويرى أن مثل هذه التحديات، يمكن مواجهتا عن طريق الاتفاق على مستوى الحكومات، على منهجية ومبادئ تقوم عليها مثل هذه المعايير، كطريقة لتوحيد مثل هذه المعايير، بالإضافة إلى بناء أو تطوير معايير متفق عليها على مستوى البلد الواحد أو المنطقة الجغرافية الواحدة، في توجه لتوحيدها على مستويات أوسع.

وأوضح أن الخبرة والكفاءة التشغيلية، تعتبران التحدي القديم - الجديد، الذي ما زالت تواجهه المصارف الإسلامية في ضوء ندرة أو عدم توفر الكفاءات الملمة بالعمل المصرفي الإسلامي، عازيا ذلك إلى قصر عمر التجربة المصرفية الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن طبيعة العقود المصرفية الإسلامية، تحتاج إلى حجم جيد من العمل اليدوي، الأمر الذي يزيد الحاجة إلى هذه الكفاءات والخبرات المناسبة.

وأكد أبو حجلة أن قيام المصارف الإسلامية في المراحل المقبلة، بزيادة نسب توظيف المؤهلين علميا في أنشطة مختلفة، يخلق أجيالا متعاقبة اكتسبت الخبرة العملية من الأجيال التي سبقتها، بالإضافة إلى محتواها العلمي، مشيرا إلى أن من شأن ذلك إخراج أو إعداد جيل قادم قادر على تلبية حاجات هذه المصارف من الكفاءات التشغيلية المختلفة.

كما أن الاستثمار في التدريب وتطوير الموارد البشرية عن طريق زيادة الاستثمار في هذا المجال، برأي أبو حجلة، مطلوب وبشدة خلال المرحلة المقبلة لتأهيل وتجهيز مثل هذه الكفاءات للعمل.

ولفت إلى أن مسألة تطوير المنتجات وتجهيز البنية التحتية لإدارة المخاطر، باتت مسألة حتمية، مبينا أن تطوير منتجات تلبي حاجات العملاء المتغيرة بتغير الزمن والظروف المحيطة، عملية متجددة ومستمرة، مما يلقي أعباء كثيرة على العاملين بالمصرفية الإسلامية لتلبية حاجاتهم بمنتجات جديدة وتتوافق مع أحكام الشريعة، تكون أبعاد وحدود مخاطرها مدروسة ضمن بيئة جاهزة لإدارة مخاطر تطوير مثل هذه المنتجات.

ولعل من أسباب هذا التحدي هو الآخر، الذي واجهته المصارف الإسلامية وستواجهه، ارتفاع الطلب على بعض المنتجات المتعلقة بتمويل قطاعات معينة مثل التمويل العقاري وتمويل المشاريع وغيرها، بالإضافة إلى ارتفاع مخاطر المنتجات القائمة على عقود المشاركة، وتوفر العديد من البرامج الإلكترونية التي يمكن الاستفادة منها في تطوير بعض المنتجات.

كما شدد أبو حجلة على ضرورة خلق بنية تحتية لإدارة مخاطر فاعلة، من شأنها توفير كفاءات مصرفية في إدارة المخاطر مع الالتزام بقواعد الحوكمة.

ويعتقد أن مثل هذه التحديات الجديدة - القديمة ستظل تواجه المصارف الإسلامية، وبرأيه أنها لا تختلف في ذلك عن نظيراتها في المؤسسات المالية الأخرى باستثناء الجانب الشرعي، في ضوء الترابط الكبير للعالم بشكل عام وتأثير المتغيرات المتعاقبة على جميع المجتمعات والمؤسسات، الأمر الذي يقتضي قيام هذه المصارف وبشكل مستمر بعمليات التحديث والتطوير والتجديد لمواجهة متطلبات واحتياجات العملاء والبقاء في دائرة المنافسة.