خبير مصرفي وشرعي: تبني صيغ البيع دون الفائدة الشرعية يحول البنك إلى تاجر ينطح الأسواق في السلع

الاعتماد الكلي عليها يحول البنك إلى مستثمر يؤسس الشركات ويمتلك أسهمها

TT

أوضح خبير شرعي ومصرفي معروف أن القول بأن «أصول البنك»، لا بد لها أن تكون مشابهة لأصول أي تاجر أو مؤسسة تجارية، يعني أن صاحبه يتجاهل حقيقة مهمة، هي أن خصوم البنك مختلفة تمام الاختلاف عن خصوم أي تاجر أو مؤسسة تجارية.

ووفق الدكتور محمد علي القري، فإن الجزء الأعظم من الموارد المالية المتاحة للبنك، مصدرها هو المدخرون الذين يودعون أموالهم لتستثمر ويرغبون في استردادها عندما يحتاجون إليها.

ويعتقد القري أن هذا نموذج لمؤسسة مالية غير معهود في الأزمنة القديمة، ولا يمكن بحال القول إنه شبيه بما كان عليه التجار في أي زمن، مبينا أن هناك حقيقة واضحة، وهي أن اختلاف جانب الخصوم في هذه المؤسسة أضحى لزاما على العميل القبول به بصفة مختلفة لجانب الأصول ملاءمة لهذا النموذج المستحدث.

وقال: «إن الفرق الأساسي بين المصرف الإسلامي والمصرف التقليدي هو أن الأول ينهض بوظيفة الوساطة المالية دون عزل المخاطرة كما يفعل البنك التقليدي. وعلى ذلك فإن المدخرين الذين أودعوا أموالهم على أساس المضاربة إنما يتحملون مخاطرة المستخدم النهائي للأموال، إذ إن وظيفة البنك هي العمل (بلغة المضاربة) أو الإدارة (بلغة المصارف) الحديثة». ووفق القري، فإن المصرف يحصل في واقع الأمر على رسوم مقابل إدارته، ولذلك فإن نموذج المصرف الإسلامي يكون قد تبنى الاتجاه الحديث الذي اتجهت إليه البنوك وهو توفير الفرصة للمدخرين بتحمل المخاطر مباشرة.

وعليه، والحديث للقري، يلزم ابتعاد المؤسسات (أي البنوك) عن كل معاملة غير متوافقة مع الشريعة وبشكل خاص تطهيرها من الفوائد غير الشرعية، مبينا أنه لا يجوز لأي بنك إسلامي أن يعمل بالفائدة أخذا وعطاء ولا يجوز أن تقوم بأي عمل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ولكن يلزم أن تمارس البنوك الإسلامية نشاطها، اعتمادا على الصيغ الشرعية المعروفة مثل المضاربة والمشاركة والإجارة والسلم والاستصناع والبيوع الآجلة وبيع المرابحة، وغير ذلك من العقود المستحدثة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية بأي حال من الأحوال.

ولفت القري إلى ضرورة فهم المعنى الذي يقصد به المصرف الإسلامي، مبينا أن الأخير هو مؤسسة الوساطة المالية التي لا تعمل بالفائدة، موضحا أن المسلمين توصلوا منذ نحو قرن من الزمان - وهو عمر المصارف في بلاد المسلمين - إلى أن الفائدة المصرفية محرمة، لأنه كما يرى فإن الزيادة على القرض هي أساس عمل البنوك التقليدية.

ولهذا السبب، فإنه بحسب القري، لم تنتشر البنوك في البلاد الإسلامية، إلا في عصر الاستعمار – رغم قدمها عند الأوروبيين، إذ يعود تاريخها إلى مئات السنين – مبينا أن المسلمين اجتهدوا بعد حصول بلدانهم على الاستقلال في الخمسينات الميلادية وما بعدها، إلى تأسيس نظام مصرفي يكون منسجما مع أحكام الشريعة.

وأشار إلى أن المسلمين أدركوا أن الوساطة المالية وظيفة أساسية في حياة المجتمعات، وأن المسلمين منذ القدم تبنوا ترتيبات معينة تنهض بالحاجة إلى الوساطة المالية، مبينا أن عملية انتقال الأموال من فئة الفائض، أي مجموعة الأفراد والمؤسسات التي تمتلك من الموارد المالية ما يفيض عن حاجتها الآنية، إلى فئة العجز، أي تلك المجموعة التي تحتاج من الموارد المالية ما يزيد على ما تمتلكه الآن، كانت تتم في القديم بناء على صيغة المضاربة.

ولذلك عندما سعى المسلمون لإيجاد صيغة بديلة للبنك التقليدي تنهض بوظيفة الوساطة المالية دون أن تكون معتمدة على صيغة الاقتراض من المودعين ثم الإقراض للمستثمرين والعمل بالفائدة، وجدوا في المضاربة قاعدة صلبة يمكن أن يؤسس عليها هذا النموذج البديل.

وفي رأي القري أن هذه الفكرة الأساسية رغم وضوحها، قلما يوجد في الأدب الاقتصادي الإسلامي الذي يبحث مسألة البنوك الإسلامية، ما يؤيد ما ذهب إليه فيها، إذ يعتقد أن أكثر الكتابات تميل إلى التسليم بالنتيجة المباشرة التي يفضي إليها القول بضرورة تبني صيغ البيع والشراكة، بدلا من القرض والفائدة غير الشرعية، التي تحول البنك إلى تاجر ينطح الأسواق في السلع ومستثمر يؤسس الشركات ويمتلك أسهمها.

هذا الاتجاه، في رأيه، مبني على حقيقة أن جميع صيغ التمويل المقترحة لعمل البنوك كالمرابحة والبيع بالتقسيط والسلم والمضاربة والمشاركة، وما إلى ذلك من المتعلقات، كانت وعلى مدى التاريخ الإسلامي كله أدوات عمل التجار وصيغ التعامل في أسواق السلع، مبينا أنها ارتبطت على الدوام بالتجارة التي هي أهم نشاط اقتصادي ومالي في مجتمعات الإسلام قديما. وقال القري: «لا يتصور أولئك الذين تعرضوا لهذا الموضوع صورة مختلفة للبنك بنموذجه الإسلامي رغم أنه مؤسسة مالية ذات طبيعة مختلفة وجديدة».