مستشار قانوني: الصناديق الاستثمارية الموجهة للتمويل الجريء في السعودية بدائية وضعيفة

الناصري ينادي بضرورة إصدار نظام يرسم آليات فعالة لتقديم القروض في المملكة

جانب من حضور إحدى جلسات منتدى رأس المال بالرياض («الشرق الأوسط»)
TT

كشف مستشار قانوني سعودي بارز عن أن بروز حاجة ملحة لإصدار نظام في السعودية يختص بتأسيس أرضية قوية لإطلاق رأس المال الجريء، ويحدد أنشطته المستحقة للدعم، ويرسم آليات فعالة لتقديم القروض لها، بالإضافة إلى ضمان حد أدنى من الوفاء بالتمويل الرأسمالي الجريء.

وقال المحامي إبراهيم بن محمد الناصري لـ«الشرق الأوسط»: إن تطور الاقتصاد وتعدد الجهات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي توفر تمويلا من هذا النوع يتطلب ترسيخ ثقافة التعاطي مع رأس المال الجريء في السعودية، وتطويره وتفعيله في صناعة الاقتصاد السعودي، وذلك من خلال النظر في إصدار نظام خاص باستثمارات رأس المال الجريء ودعم الشركات والأعمال الصغيرة.

وشدد الناصري على ضرورة إعادة شركة التوصية البسيطة، لترى النور مجددا، حتى تقود مشروع نظام الشركات الجديد، مع أهمية إجراء تعديل في أحكامها بما ينسجم مع التطورات الحديثة في هذا الشأن. وأوضح أن الأبعاد القانونية لاستثمارات رأس المال المبادر تقترن بكلمتي «استثمار وجريء»، مبينا أن لكلمة استثمار دلالة على أن الموضوع المعني يتعلق بمسألة التمويل، أي استعمال أموال الآخرين، مما يعني أيضا أهمية تدخل القانون لترتيب العلاقة بين الطرف المموِّل والطرف المموَّل، وحماية الطرف الضعيف أو المعرض للاستغلال منهما.

أما كلمة «جريء»، وفق الناصري، فتوحي بدرجة المخاطرة العالية التي يواجهها الاستثمار في المشروع، مع ما يترتب على ذلك من تبعات قانونية.

ووفقا للناصري فإن الواقع العملي لتمويل رأس المال الجريء في السعودية يتجسد في إنشاء عدة صناديق حكومية أو شبه حكومية، تهدف إلى تقديم قروض للمشاريع الصغيرة، مبينا أن بعض الشركات توفر صناديق لهذا الغرض ضمن المسؤولية الاجتماعية، أما الصناديق الاستثمارية الهادفة للربح، والموجهة للتمويل الجريء، فهي، برأيه، لا تزال في مرحلة بدائية وضعيفة، على حد زعمه.

وفي ما يتعلق بالتنظيم الحكومي لرأس المال الجريء في السعودية، فإن الناصري أكد أنه لا يوجد في السعودية نظام خاص بالاستثمار الجريء، مبينا أنه لا تتوفر معلومات حول وجود مشروع نظام تحت الدراسة لهذا الغرض.

في الوقت نفسه، أوضح أن شركة التوصية البسيطة المنظمة في نظام الشركات، توفر أرضية قانونية ملائمة لتأسيس شركات تناسب الاستثمار الجريء؛ ذلك لأنها تحتوي على نوعين من الشركاء، هما: شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.

إلا أنه عاد فقال: «للأسف، المشروع الجديد للشركات ألغى هذا النوع من الشركات، ولم يخصص له نظام السوق المالية أو لوائحه التنفيذية، أي أحكام لتنظيم استثمار رأس المال الجريء».

يُشار إلى أن القطاع الصحي في السعودية يعتبر الأكبر بين نظرائه في المنطقة، من حيث الولوج لمجال رأس المال الجريء؛ حيث يبلغ الإنفاق ما يقارب 21.3 مليار دولار، ويبلغ نصيب وزارة الصحة منها نحو 13.33 مليار دولار من ميزانية هذه السنة، يضاف إليها 4.27 مليار دولار لمشاريع المدن الصحية، بينما يبلغ نصيب بقية القطاعات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، نحو 14 مليار ريال.

ومع تطور الاقتصاد وتعدد الجهات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة التي توفر تمويلا من هذا النوع، فإن الحاجة، وفق الناصري، تبدو ملحة لإصدار نظام لهذا الغرض، كما هو الشأن في دول العالم المتطورة والناشئة على حد سواء، بحيث يحدد الأعمال والأنشطة المستحقة للدعم، ويرسم آليات فعالة لتقديم القروض لها، بالإضافة إلى ضمان حد أدنى من الوفاء بالتمويل الرأسمالي الجريء.

وأوصى الناصري بضرورة ترسيخ ثقافة التعاطي مع رأس المال الجريء في السعودية، وتطويره وتفعيله في صناعة الاقتصاد السعودي، وذلك من خلال النظر في إصدار نظام خاص باستثمارات رأس المال الجريء ودعم الشركات والأعمال الصغيرة في السعودية.

كما شدد على ضرورة إعادة «شركة التوصية البسيطة» إلى مشروع نظام الشركات الجديد، مع أهمية إجراء تعديل في أحكامها بما ينسجم مع التطورات الحديثة في هذا الشأن.

وبنظرة عامة لأنواع التمويل الجريء، والأبعاد القانونية المرتبطة بكل نوع، ألقى الناصري الضوء على تمويل البذور الأولى، مبينا أنه في الغالب يأتي من قبل صديق أو قريب، موضحا أن أساس الالتزام في هذا النوع من التمويل: العلاقة الشخصية والعقد، مشيرا إلى أن ذلك يخضع لأحكام عقد التمويل وطبيعة الشخص الممول، في وقت قد يكون فيه تمويلا بالمشاركة أو مجرد قرض.

أما التمويل الرأسمالي، فيُقصد به دخول الممول شريكا في رأس المال المشروع، في وقت قد تكون فيه المشاركة مستترة أو شركة توصية بسيطة، أو شركة ذات مسؤولية محدودة، أو شركة مساهمة.

ويعتقد أن صناعة رأس المال الجريء تواجهه حزمة من التحديات، منها: أنها عالية الخطورة لدى المستثمرين، وانعدام الدعم الحكومي، فضلا عن أن نظام الشركات يحتاج لتطوير أدواته لجذب المستثمرين، في الوقت الذي توجد فيه أساليب مطولة وغير واضحة للتقاضي.

كان منتدى اقتصادي إقليمي قد عقد مؤخرا في العاصمة السعودية الرياض، أوصى بضرورة إنشاء مركز متخصص في دراسات وأبحاث رأس المال الجريء، داعيا إلى أهمية السعي الجاد لتهيئة البيئة القانونية والتنظيمية لدعم استثمارات رأس المال الجريء من خلال إصدار نظام رأس المال الجريء، الذي ينظم آليات العمل، وحقوق الأطراف ذات العلاقة، بحيث يشمل تأسيس هيئة حكومية لتنظيمه.

وحث المنتدى، الذي نظمته الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل خلال يومي 21 و22 فبراير (شباط) الماضي، الصناديق الحكومية والشركات الكبرى على تمويل صناديق رأس المال الجريء، والاستثمار فيها، وكذلك تشجيع إنشاء الشركات المتخصصة في إدارة صناديقه، وتحفيز إنشاء حاضنات أعمال تجارية متخصصة تتبع القطاع الخاص، مع ضرورة إعادة النظر في المعايير المحاسبية وتعديلها بما يتلاءم ويشجع استثمارات رأس المال الجريء.

ونادى بضرورة تعزيز دور الجمعيات المهنية المتخصصة في رأس المال الجريء، التي تعمل على رفع الوعي بأهميته وأدواره، وتكوين قاعدة بيانات متخصصة وإحصاءات بشأنه، وتنظيم الفعاليات والإصدارات ذات العلاقة به، مع تأكيد استمرار عقد المنتدى بشكل دوري، وتعزيزه بفعاليات علمية تخصصية تناقش جوانبه المختلفة.

ودعا الجهات المعنية بأهمية إعداد المزيد من الدراسات الشرعية العميقة إلى بحث موضوع استثمارات رأس المال الجريء وضوابطه الشرعية، موجها دعوته للجامعات والمراكز البحثية والغرف التجارية والقطاع الخاص ووسائل الإعلام المختلفة للإسهام في رفع الوعي بأهمية رأس المال الجريء وأدواره في التنمية.

كان المنتدى، الذي جاء تحت عنوان «منتدى رأس المال الجريء.. الواقع وآفاق المستقبل»، قد استعرض البحوث وأوراق العمل المقدمة، التي حظيت بنقاش مستفيض حول ما تضمنته من أفكار وطروحات متميزة، شارك فيها نخبة من الخبراء في مجال رأس المال الجريء وريادة العمال في مختلف القطاعات.

شهد المنتدى دعوات من خبراء في مجال الاقتصاد والتمويل وريادة الأعمال لصناع القرار في البلاد العربية بضرورة تبني تهيئة الاقتصاد العربي لاستيعاب المزيد من الاستثمارات الخاصة، وتمكين القطاع الخاص من احتلال دور قيادي ونشيط في التنمية الاقتصادية يقبل بالمخاطرة، ويسمح بوجود جيل جديد من رجال الأعمال، مشيرين إلى أن هذه التحديات لا يمكن معالجتها باستمرار الإنفاق الحكومي وهيمنة القطاع العام على الاقتصاد.

وأكد الخبراء أن الظروف الاقتصادية والمالية والعالمية تغيرت في سائر مناطق العالم العربي، الأمر الذي يلح بضرورة استكشاف مجالات جديدة في العمل والتمويل والاستثمار، داعين إلى ضرورة خلق قطاع خاص نشط وفعال ومبتكر مع تهيئة بيئة استثمارية مناسبة، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد نظام تعليمي وتكويني مساند لظهور جيل جديد من رواد الأعمال من بين شباب الأمة.

وأوضحوا في منتدى رأس المال، الذي عقدته الهيئة العالمية الإسلامية للاقتصاد والتمويل، والذي استمر ليومين بالرياض، دور رأس المال الجريء في الاستثمار وتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية، مقدمين مقارنة بينه وبين نموذج التمويل البنكي، وقدرة كل منهما في استحداث وتطوير وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تأكيد أهمية رأس المال الجريء لرواد الأعمال.

يأتي ذلك في الوقت الذي وصل فيه حجم معدل رأس المال الجريء في العالم إلى 115 مليار دولار سنويا، بينما يساوي فيه مجمل حصة الدول العربية كافة 2% منه فقط، أي نحو 3.2 مليار دولار من مجموع التمويل العالمي.