خبراء اقتصاديون: كبوة المصرفية الإسلامية سببها البنوك المركزية

تقرير عالمي يتوقع ارتفاع قيمة أصولها إلى 1.1 تريليون دولار في 2012

TT

حمّل خبراء اقتصاديون البنوك المركزية في البلاد الإسلامية، عملية الضعف الذي أصاب التشريع والتنظيم المتعلق بصناعة المصرفية الإسلامية، مؤكدين أن إهمال هذه البنوك لها، ساهم بشكل واضح في عدم اكتمال الصورة المشرقة لهذه الصناعة، برغم أن الأزمة المالية العالمية، أبانت حاجة الاقتصاد والنظام المالي العالميين لتشريعاتها التي أنقذتها من هوة الانهيار الاقتصادي في الكثير من أنحاء العالم.

وقال الخبراء في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن القائمين على أمر البنوك المركزية، لم يطلقوا أي مبادرة تدرس مدى تأثر الوضع المالي الإسلامي في أنحاء العالم المختلفة، بشكل أكثر دقة وأكثر شفافية، حتى يخلصوا إلى الحكم عليه وتقييمه بشكل علمي مقنع للعالم الآخر».

من ناحيته، استغرب الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، هذا السكون الذي يخيّم على البنوك المركزية المنوط بها تنظيم التشريع المتعلق بصناعة المصرفية الإسلامية كأكبر مؤسسة ذات قيمة أصول إسلامية في العالم، حيث تشير تقديرات إلى أن حجم أصولها سيلامس هذا العام 1.1 تريليون دولار.

ويعتقد أن التخطيط الاستراتيجي لصناعة المصرفية الإسلامية يعتبر في حكم الغائب حتى الآن، برغم ما حققت من نجاحات معروفة ومقنعة، مبينا أن دول مجلس التعاون، التي تعتبر أكبر منطقة من حيث قيمة إجمالي الأصول والموجودات البنكية الإسلامية، إذ تبلغ نسبة 20 في المائة من إجمالي المصرفية الإسلامية حول العالم، لم تفعل من المجهود المطلوب في هذا الصدد ما يناسب الحجم من الأصول التي تمتلكها.

هذا ويأتي ذلك في وقت، توقع فيه تقرير عالمي، صدر عن شركة «إرنست ويونغ» ارتفاع قيمة الأصول للمصرفية الإسلامية إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2012.

أما الخبير الشرعي الدكتور عبد الباري مشعل، المدير العام لشركة رقابة للاستشارات ببريطانيا، فأقرّ بوجود تقصير من الناحية التشريعية والرقابية، برغم إشادته بالنجاح الذي حققته المصرفية الإسلامية في الآونة الأخيرة، مشيرا إلى النمو السنوي المتزايد في حجم الأصول والإيرادات وعدد المصارف في مختلف أنحاء العالم.

ويعتقد أن الدعم اللوجيستي الذي يمكن أن تساهم فيه البنوك المركزية، يتمثل في إقدامها على إصدار التشريعات التي تخدم البنوك وفق الرؤية الإسلامية، وذلك من أجل تحسين وزيادة العمل المصرفي بكافة أشكاله.

وأشار الدكتور مشعل إلى ضرورة الفصل بين الفتوى والتدقيق، كمرحلة أولى تليها إلغاء الفتوى الخاصة كمرحلة ثانية، على أن تشتمل على اعتماد مرجعية موحدة للمعايير الشرعية، وآلية لإعادة إصدار المرجعية الموحدة والتعامل مع الفجوات المحتملة وكذلك تعيين هيئة عليا للعناية بالمرجعية الموحدة وإعادة إصدارها دوريا.

وأوضح أن هناك آثارا ماثلة في الصناعة، أهمها ضعف استقلالية الهيئات الشرعية، والتعدد في عضوية الهيئات، وضعف استقلالية التدقيق الشرعي، وغياب التدقيق الداخلي وآليات المحاسبة والجزاء على مستوى الهيئات والمنافسة على أساس الفتوى وليس جودة الخدمة.

وأكد مشعل أن نجاح المصرفية الإسلامية من ناحية النمو يبرز في أعمالها بين الفينة والأخرى ليتم قبول مؤسساتها التي تبرز جانبا من التطوير والتنظيم والتشريع المتوافق مع الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى ضرورة سد حاجتها من الأدوات الجديدة، ومن ناحية أخرى ضرورة إشاعة التثقيف بها في أوساط العملاء على اختلاف مستوياتهم لأجل أن تكون لهم ملاحظات يمكن الأخذ بها ومن ثم المساهمة بها في تطويرها والانطلاق بها نحو الأفضل.

واتفق المستشار الاقتصادي محمد الحمادي مع كل ما ذهب إليه باعشن، مضيفا أنه لا ينبغي الاكتفاء بما يتحدث عن مستقبل المصرفية الإسلامية بأنها الصناعة المالية الرائدة والخالية من العيوب، في حين لم يستطع أي مصرف في أي دولة عربية أو إسلامية، بما فيها المصارف الإسلامية في دول مجلس التعاون، أن يقدم أنموذجا واحدا فقط.

ويعتقد الحمادي أن الحديث عن هذا المستقبل الباهر للمصرفية الإسلامية، في غياب أي أفق، يشير إلى توقعات لتطبيقات علمية مدروسة في مجال التشريع والتنظيم، مما يشكل أحد أهم وأبرز المعضلات التي تواجه هذه الصناعة برغم ما قدمت من نجاحات لا تخطئها عين.

وأوضح أن الأزمة المالية بقدر ما أبرزت نجاح وأهمية المصرفية الإسلامية، ومن ثم تكالب العالم الغربي عليها، إلا أنها في نفس الوقت، كشفت عن حاجة ملحة لآلية صناعة مصرفية إسلامية تمنع مسببات انهيار السوق المصرفية بشكل عملي ملموس وليست فقط نظريا.

وشدد الحمادي على ضرورة أن تجتهد البنوك المركزية بتقديم الدعم اللوجيستي في جوانب التشريعات وتطوير المنتجات، بالإضافة إلى ضرورة توفير وتدريب الكوادر التي تستطيع أن تقود عملية التطبيق بشكل أمثل، وفق أفضل الآليات المقترحة.

ودعا إلى أهمية تأسيس مرجعية واحدة كمظلة كبيرة، تشمل كافة القطاعات التي تعنى بصناعة المصرفية الإسلامية، للبحث في أمر التشريع والتنظيم، وخلق أدوات تطويرية مواكبة ومستوعبة لحاجة العصر، تمكنها من ريادة النظام المالي في تلك البلاد الغربية التي تحاول الاستفادة من مميزاتها التي عرفت بها حتى الآن.

وعلى خلاف سابقيه، أكد المحلل المالي عبد الرحمن العطا، أن هناك مجهودات جبارة بذلتها الجهات القائمة على أمر صناعة المصرفية الإسلامية، على صعيد التنظيم والتشريع، داعيا إلى ضرورة التفريق بين البلاد التي تتبنى صناعة المصرفية الإسلامية وتساهم في إشاعتها وتقرها وتدعمها لوجيستيا، وتلك البلاد التي لا تعترف حتى الآن بالمصرفية الإسلامية كنظام مالي لأنظمتها المصرفية.

وأضاف العطا أن هناك دلالات واضحة لنجاح المصرفية الإسلامية، ومنها الإقبال العالمي الذي حظيت به مؤخرا، قبل وأبان وبعد الأزمة المالية العالمية، مبينا إلى أن هناك الكثير من الدول الغربية التي تتسابق لاعتماد النظام المالي الإسلامي في تشريعاتها المالية، مدللا على ذلك بإقدام بعض هذه الدول على تأسيس عدد من البنوك الإسلامية.

ومع ذلك، يعتقد أن المصرفية الإسلامية لم تصل مرحلة الانتشاء بعد، إذ إن هناك حاجة بالفعل، لتأسيس بنى تحتية، تشتمل على كافة توليفات هذه الصناعة، بدءا من مؤسسات وهيئات ومراكز متخصصة، مرورا بتأسيس جامعات تهتم بالعلوم المالية الإسلامية كما فعلت ماليزيا.

وأشار العطا إلى بروز ما يعرف بـ«المصرفية الشمولية» التي تركز على اتحاد البنوك التجارية مع الاستثمارية، مؤكدا أن هناك اتجاها عالميا سائدا نحو هذا النوع من الخدمات المصرفية، وأن هناك اتجاها كذلك لربط المنتجات المالية بالمنتجات الحقيقية والبعد عن تعقيد المنتجات، مما يعد بازدهار المصرفية الإسلامية وتطور الوعي الاستثماري عبر آلياتها المتعددة، مع ضرورة تطويرها.