متخصص مصرفي: أخطاء التطبيق في المصارف الإسلامية كثيرة جدا

ابن ظهير شدد على ضرورة الضغط على هيئاتها لإيجاد رقابة شرعية

TT

انتقد متخصص في المصرفية الإسلامية عدم إخضاع المصارف الإسلامية في السعودية لجهاز رقابة شرعية خارجية، مبينا أن هذه المصارف الإسلامية حصرت دورها في تدريب فريق المراجعة الداخلية، والاكتفاء بهم في إجراء الرقابة الشرعية، موضحا أن أخطاء التطبيق في مثل هذه المصارف كثيرة جدا، مشددا على ضرورة الضغط على هيئاتها، لإيجاد رقابة شرعية، على الأقل خارجية.

وقال عثمان بن ظهير – متخصص في المصرفية الإسلامية – لـ«الشرق الأوسط»: «من وجهة نظري، فإن الرقابة الشرعية، تحتاج إلى متخصص في الشريعة، ولا تغني دورات التدريب عن ذلك، مع إيماني بأن هؤلاء لو كانوا متخصصين في الشريعة فالأمر حسن».

وأكد أن بعض المصارف لا يوجد لديها مراقب شرعي، أو أنها أوقفت الرقابة الشرعية، بحجة ضبط النظام الآلي وعدم الحاجة للرقابة، الأمر الذي يعني أن واقع الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية في السعودية يحتاج إلى مراجعة جدية من القائمين على أمرها.

ومع ذلك، يعتقد ابن ظهير أن الرقابة الشرعية شهدت تطورا ملموسا، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، مدللا على هذا التطور بواقع الرقابة الشرعية في المصارف والمؤسسات المالية في السعودية، لافتا إلى أن المقصود هنا هو واقع الرقابة الشرعية اللاحقة، دون هيئة الفتوى، أو ما يسمى الرقابة الشرعية السابقة.

وصنف المصارف الإسلامية بحسب شكل الرقابة فيها إلى أربعة، أما النوع الأول فهو أن بعض المصارف تسلك، في الرقابة الشرعية الداخلية غالبا، آلية المراقب المتخصص في إجراء الرقابة الشرعية؛ حيث يوجد لدى المصرف مراقبون متخصصون، بحسب إدارات البنك، مبينا أن هناك مراقبا شرعيا للخزينة ومراقبا شرعيا أو أكثر للفروع، وهكذا.

وتولي الإدارات في المصارف الإسلامية أهمية بالغة لتقارير الرقابة الشرعية الداخلية، وترفع بشكل دوري للهيئة الشرعية، كما تؤخذ ملاحظات الرقابة في الأغلب على محمل الجد من قبل الإدارة العليا وتحرص على إصلاحها.

لكن مع ذلك كله، قال ابن ظهير: «ما زالت المصارف الإسلامية في السعودية لا تخضع لرقابة شرعية خارجية، وهو ما ينتقده بعض المتخصصين عليها».

أما الصنف الثاني، وفق ابن ظهير، فإن هناك مصارف تعمل بنظام المراقب الشرعي العام؛ حيث لا تعمل هذه المصارف بنظام المراقب الشرعي المتخصص، بل إن المراقب العام يراقب جميع إدارات البنك دون التخصص في إدارة معينة، ويتم تقسيم الإدارات بين المراقبين بصفة دورية، فمن يراقب الخزينة هذا الربع من العام يراقب الفروع في الربع الثاني وعمليات الشركات في الربع الثالث، وهكذا، بينما ترفع تقارير الرقابة الشرعية بصفة دورية إلى الهيئة الشرعية.

والصنف الثالث هو مصارف أوكلت الرقابة الشرعية إلى المراجعة الداخلية؛ حيث تقوم هذه المصارف بتدريب فريق المراجعة الداخلية، والاكتفاء بهم في إجراء الرقابة الشرعية، وهنا يعتقد ابن ظهير أن الرقابة الشرعية تحتاج إلى متخصص في الشريعة، ولا تغني دورات التدريب عن ذلك، مبينا أنه لو كان هؤلاء متخصصون في الشريعة فالأمر حينئذ حسن.

والصنف الرابع والأخير تمثله مصارف لا توجد لديها رقابة شرعية، ولا يوجد لديها مراقب شرعي، أو أنها أوقفت الرقابة الشرعية، بحجة ضبط النظام الآلي وعدم الحاجة للرقابة، مبينا أن أخطاء التطبيق في مثل هذه المصارف كثيرة جدا، مشددا على ضرورة الضغط على هيئاتها، لإيجاد رقابة شرعية، على الأقل خارجية.

ووفق ابن ظهير، فإن الرقابة الشرعية عرفت بتعريفات كثيرة، من أفضلها برأيه: «الرقابة الشرعية هي: التأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية الإسلامية (شركة أو مصرف)، لأحكام الشريعة الإسلامية، حسب الفتاوى الصادرة والقرارات المعتمدة من جهة الفتوى».

ويمكن تعريف الرقابة الشرعية أيضا بأنها «مراقبة سير العمل في المصارف الإسلامية، لمعرفة مدى مطابقته لأحكام الشريعة الإسلامية، في معاملاته المصرفية المختلفة، للتحقق من التزام المصرف بخصائصه، والتأكد من تحقيق أهدافه».

ومن خلال هذين التعريفين تظهر لنا حقيقة الرقابة الشرعية؛ فهي تعتبر صمام الأمان في المصارف الإسلامية، وهي التي تضبط أعمال المصارف وتبين مدى توافقها مع الأحكام الشرعية؛ لأنه لا يمكن لأي مصرف أن يرفع راية مصرف إسلامي دون أن تكون أعماله متفقة مع الأحكام الشرعية، ولا يمكن أن يتم تحقيق تلك الدعوى من دون وجود هيئة رقابة شرعية.

وتتعدد أنواع الرقابة الشرعية وتختلف من قطر لآخر، بل إنها تختلف بين المصارف الإسلامية نفسها، وذلك بسبب العمر الحديث لتجربة المصارف الإسلامية بشكل عام، والرقابة الشرعية بشكل خاص.

غير أنها على كل حال لا تخرج عن كونها أحد ثلاثة أنواع، الأول: رقابة شرعية من البنك المركزي، ورقابة شرعية خارجية، وتعني رقابة شرعية مستقلة غير تابعة للمصرف، بل عن طريق مراقب خارجي، ورقابة شرعية داخلية، وهو جهاز رقابة شرعية يعتبر العاملون فيه موظفين لدى البنك وترفع تقاريرهم للهيئة الشرعية، وهذا النوع يجسد واقع الحال الغالب في السعودية.

أما في ما يتعلق بالفرق بين الرقابة الشرعية والهيئة الشرعية وفق ابن ظهير، فإن جهاز الرقابة الشرعية لا ينفصل عن الهيئة الشرعية، ومع هذا التجانس والتداخل بينهما فإن ثمة فروقا بينهما يمكن حصرها من حيث الحقيقة الاصطلاحية؛ فحقيقة الرقابة الشرعية برأيه تختلف عن حقيقة الهيئة الشرعية؛ فالأخيرة عرفت بأنها «مجموعة من الفقهاء والاقتصاديين توجه نشاطات المصرف وتشرف عليها في سبيل التزام المصرف بأحكام الشريعة بفتاوى وقرارات ملزمة له»، في الوقت الذي تعني فيه الرقابة الشرعية متابعة وفحص العمليات المصرفية، أثناء وبعد التطبيق للتأكد من أنها تتم وفق الشريعة وقرارات هيئة الفتوى.

ومن حيث الزمن، فالهيئة الشرعية، برأي ابن ظهير، أعمالها تسبق التطبيق؛ لأنها تقوم وتصحح، ومن ثم تأذن بالطرح بالصورة التي تراها؛ فهي رقابة شرعية سابقة، أما الرقابة الشرعية فإن عملها يكون موافقا للتطبيق بالمتابعة، ولاحقا له بالفحص والمراجعة.

وسرد ابن ظهير أهمية الرقابة الشرعية منذ صدر الإسلام الأول؛ حيث عرف المسلمون، منذ الصدر الأول، وظيفة المحتسب، وأول من قام بالحسبة هو الرسول، صلى الله عليه وسلم؛ حيث مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غش فليس منا».

وتابع الراشدون الرسول، صلى الله عليه وسلم، في مراقبة العمال والولاة، وكان أشدهم في ذلك عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، واليوم تعتبر الرقابة الشرعية امتدادا للمحاسبة، خاصة أن المصارف الإسلامية قد طرحت نفسها كبديل شرعي للمصارف التقليدية.

وعليه، أكد ابن ظهير أن الرقابة الشرعية ذات أهمية بالغة للمصارف الإسلامية لأكثر من سبب، من أبرزها: أن الأساس الذي قامت عليه المصارف الإسلامية المعاصرة هو تقديم البديل الشرعي للمصارف التقليدية غير المشروعة، مبينا أنه لا يخفى على أحد أن الرقابة الشرعية ضرورة حيوية للمصارف الإسلامية، باعتبارها الجهة التي تراقب وترصد سير عمل المصارف الإسلامية، والتزامها وتطبيقها في معاملاتها للأحكام الشرعية.

كذلك عدم الإحاطة بقواعد المعاملات الإسلامية، من قبل جميع العاملين في المصارف الإسلامية، في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الصور التجارية، وانتشرت أنواع جديدة من المعاملات التجارية كبطاقات الائتمان، والحسابات بأنواعها، والتجارة الإلكترونية التي لا توجد لها أحكام في المصادر الفقهية القديمة، وإن وجدت الأحكام فإن المصرفيين القائمين على النشاط المصرفي غير مؤهلين للكشف عنها بأنفسهم.

كما أن وجود الرقابة الشرعية في المصرف يعطي المصرف الصبغة الشرعية، كما يعطي وجود الرقابة ارتياحا لدى جمهور المتعاملين مع المصرف، بينما قد تظهر كيانات مالية واستثمارية غير جادة تنص نظمها الأساسية وقوانين إنشائها على أنها تعمل وفقا لأحكام الشريعة، دون وجود رقابة تكفل التحقق من ذلك.

وعن مرجعية الرقابة الشرعية، قال ابن ظهير: «المتأمل في التطور الهائل لدى المصارف الإسلامية، ولله الحمد والمنة، يدرك أنه يوجد خلف هذه البنوك الإسلامية عدد كبير من العلماء والخبراء والباحثين الذين يؤسسون للعمل المصرفي الإسلامي ويوجهونه ويرشدونه ويدققون في معاملاته وفق الأسس والقواعد الشرعية».

وفي حال تقرر هذا فإن الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية أو التقليدية، التي لها نافذة إسلامية لها مرجعية واضحة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، يمكن بيان معالم هذه المرجعية في أربع نقاط.

الأولى: المعايير الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية (آيوفي)، ومقرها البحرين؛ حيث يقوم بإعداد هذه المعايير المجلس الشرعي في الهيئة، المؤلف من عدد من المشايخ والعلماء والمتخصصين في أمور الاقتصاد المالي الإسلامي، ويمثل بعضهم المصارف وبعضهم لديه خبرته ومكانته في الصناعة المالية الإسلامية داخل البلاد وخارجها.

الثانية: فتاوى وقرارات وتوصيات الندوات والمجامع والملتقيات الفقهية، وهذه من الأهمية بمكان؛ حيث إن الاجتهاد الجماعي الذي تمارسه مجامع الفقه الإسلامي المعاصرة، وفق ابن ظهير، يعتبر معلما من معالم مسيرة الفقه الإسلامي في العصر الحاضر.

وأكد أن وجود هذه المجامع وصدور الآراء الفقهية الجماعية عنها يعطيان قوة للفقه الإسلامي، خاصة أن المجامع الفقهية تتصدى لكثير من النوازل الفقهية والقضايا المعاصرة، وهذا يجعل الفقه الإسلامي قادرا على مواجهة تطور الحياة العصرية.

الثالثة: المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وقواعدها الكلية وأحكامها الجزئية المستمدة من الكتاب والسنة دون التقيد بمذهب معين.

الرابعة: الفتاوى الصادرة من الهيئة الشرعية الخاصة بالمصرف محل الرقابة الشرعية.

خلاصة الأمر، وفق ابن ظهير، أن الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية أمر ضروري ومهم، ولا تقوم البنوك الإسلامية إلا به، والرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية لها مرجعيتها، وإن اعتماد المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية في البحرين أمر جد ضروري؛ لأنه يضبط معاملات البنوك الإسلامية، ويوحد الفتاوى الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية، ويقلل الخلافات بينها.

والأمر ذاته يقال عن اعتماد الفتاوى والقرارات والتوصيات الصادرة عن المجامع والملتقيات الفقهية.