خبراء شرعيون يدعون دعم الوقف في قطاع التعليم

90% من الجامعات الغربية تدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف

جانب من اجتماع حلقة نقاش الوقف في التعليم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

دعا خبراء شرعيون في العاصمة السعودية الرياض إلى ضرورة دعم الوقف في مجال التعليم، وبحث آلية تمويل التعليم وتطوير وابتكار المنتجات التعليمية، التي تساعد على خلق بيئة ابتكارية، من شأنها تحقيق الأهداف التنموية، ومعالجة المشكلات المجتمعية، على المديين القريب والبعيد.

ونادى الخبراء بأهمية حصر الدراسات والتجارب الوقفية التعليمية، وتحديد آلية لاختيار التجارب ودراستها وآلية لتنفيذ المنتج وتسويقه، واستثمار الوقف التعليمي وتطويره، وإضافة المقارنة الاقتصادية، مشددين على ضرورة الاستفادة من الخبرات العالمية الغربية، مشيرين إلى أن 90% من الجامعات الغربية تدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف.

وبحث الخبراء الشرعيون، في حلقة نقاش تحضيرية للمشروع البحثي «المنتجات الوقفية التعليمية»، ونظمها كرسي الشيخ راشد بن دايل لدراسات الأوقاف بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مؤخرا، دور الوقف في دعم التعليم، والتأصيل الفقهي للوقف على المنتجات التعليمية، مستعرضين صور الوقف على التعليم، قديما وحديثا، داعين إلى أهمية الاستفادة من التجارب المحلية والدولية للوقف على المنتجات التعليمية وكيفية تطويرها.

من ناحيته، أوضح الدكتور عبد الله بن محمد العمراني، أستاذ الكرسي، أن هذه الحلقة تأتي ضمن الخطة التشغيلية للكرسي للعام الجامعي الحالي، مشيرا إلى أن الكرسي يسعى إلى تحقيق رسالته المتمثلة في توفير بيئة بحثية عالية الجودة، تستقطب أفضل الكفاءات للقيام بإعداد الدراسات وتطوير المنتجات، وإثراء المعرفة المتخصصة في مجال الأوقاف، بما يتيح للجهات والمؤسسات والأفراد محليا ودوليا الإفادة من الحلول المتقدمة.

كان الباحث الرئيسي للمشروع البحثي، الدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي، قد تناول أهمية الوقف على التعليم، ودوره في تعزيز العملية التعليمية وحكم الوقف على المنتجات التعليمية وضوابطه.

ومن صور الوقف حديثا، وفق الغفيلي، الوقف على الجامعات، مبينا أن اهتمام الغرب بهذا النوع من الوقف أخذ يتزايد مع تراجع اهتمام المسلمين بذلك، مع أنهم أصحاب السبق، مشيرا إلى أن 90% من الجامعات الغربية تدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف.

ويبلغ حجم الوقف في مؤسسات التعليم العالي في أميركا 118.6 مليار دولار، ويبلغ في جامعة كيوتو فقط في اليابان 2.1 مليار دولار، بينما يبلغ وقف الجامعات الكندية 5 مليارات دولار، في الوقت الذي يبلغ فيه الوقف فقط في 10 جامعات بريطانية 30 مليار دولار.

وتناول الغفيلي صور الوقف قديما، التي منها: الوقف على المدارس، والوقف على المكتبات، والوقف على المعلمين، والوقف على المتعلمين، وتناول كذلك الصور الحديثة للوقف، ومنها الوقف على الجامعات، والوقف على المنح الدراسية، والوقف على القنوات الفضائية التعليمية، والوقف على المواقع الإلكترونية التعليمية.

وأشار الباحث إلى بعض التجارب المحلية والدولية للوقف على المنتجات التعليمية، ومنها على المستوى المحلي: الصندوق الخيري التعليمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والوقف العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وتناول على المستوى الدولي وقف جامعة هارفارد، الذي وصفه بأنه من أكبر الأوقاف التعليمية في العالم.

ودعا الغفيلي إلى ضرورة الاهتمام ببحث وتحديد الأسباب التي أثرت على تطورها أو فشلها، مع ضرورة تحديد ضابط لتلك المنتجات الوقفية، بالإضافة إلى أهمية تحديد مصطلح المنتج التعليم وآلية تسويقه، بصيغة الوقف.

وأكد أنه لا خلاف بين الفقهاء على الوقف على العلم، وما يتعلق به من إنشاء المدارس والمعاهد والجامعات والمكتبات وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين، مبينا أن الاقتصار على تشييد الأبنية وتوفير جهاز للتدريس غير كاف، الأمر الذي جعلهم يهتمون بوقف الكتب، لتكون وسيلة ميسرة للتحصيل والمراجعة.

ووفق الغفيلي، فإن وقف الكتب تم بمكة في القرن الهجري الأول، ويتمثل ذلك في مكتبة عبد الحكيم بن عمرو الجمحي، إضافة إلى المكتبات الخاصة، مثل مكتبات الخلفاء والأمراء والوزراء والعلماء، معتقدا أنها وراء حركة الازدهار العلمي التي شهدها العالم الإسلامي على مدى قرون طويلة، مبينا أن العلماء وطلاب العلم اعتمدوا عليها في دراستهم ومراجعاتهم، ووضع مصنفاتهم.

وزاد أن المسلمين أسهموا في تشعب المعرفة وتطورها، وفي تأليف الكتب وصناعة الورق، من خلال إيقافهم الكثير من الأوقاف على المكتبات، التي عُرفت بعدة أسماء مثل خزانة الكتب، وبيت الكتب، ودار الكتب، ودار العلم، وبيت الحكمة، ودار القرآن، ودار الحديث، وبرأيه يسرت هذه المكتبات العلم للراغبين فيه من دون نفقات.

ويعتقد أن الأوقاف أسهمت في تعضيد أسس التعليم، عن طريق وقف هذه المكتبات والكتب، مما جعل هناك استمرارية في انتشار التعليم، كما أن المدارس والجامعات استلزمت أن يكون فيها دور كتب خاصة بها، مما جعل المحسنين يوقفون عليها الأموال اللازمة لها، مبينا أن هذه الدور أو الخزائن احتوت على مختلف العلوم التي صنفت حسب مواضيعها، فسهلت على الطلبة والباحثين.

كما شمل الوقف نسخ المخطوطات في عصور ما قبل الطباعة، إلى الحد الذي جعل إحدى مكتبات القاهرة في العصر الفاطمي تضم من تاريخ الطبري ذي المجلدات الكثيرة ألفا ومائتي نسخة، كما شمل الوقف رعاية المخطوطات وحفظها وصيانتها.

ويعتقد الغفيلي أن ممارسة وقف الأستاذية بدأت في إنجلترا، عندما أوقفت مارغريت كونتيسة ريتشموند، جدة الملك هنري الثامن، عام 1502، وقفا لكرسي اللاهوت في كل من جامعة أكسفورد وجامعة كمبردج، في الوقت الذي أسس فيه هنري لوكاس الكرسي اللوكاسي للرياضيات عام 1663، وجعله رسميا الملك تشارلز الثاني في 18 يناير (كانون الثاني) 1664.

وكانت وصية لوكاس ترك 4 آلاف مجلد من مكتبته إلى جامعة كمبردج، مع تعليمات لشراء أرض تدر 159 دولارا سنويا لتأسيس الأستاذية؛ حيث كان العالم الشهير إسحق نيوتن أول من حصل على هذا اللقب.

وثمة مثال آخر، وهو كلية جرينل في ولاية أيوا، التي سميت عام 1909 باسم داعمها المالي القس جوزا يا بوشنل جرينل؛ حيث كانت كنيسته من دعاة تحرير العبيد، وكان قد بلغ وقفها 1.67 مليار دولار، وهي قيمة لكل طالب، وتعتبر الأكبر لكلية فنون حرة في العالم.

ويشرف على هذا الوقف الملياردير وارن بوفت، ثالث أغنى فرد في العالم، مستثمر ورجل أعمال؛ حيث استثمرت 10% من رأس المال الابتدائي لشركة «إنتل»، من كبريات الشركات العالمية الآن.

وتعتبر مؤسسة «بل وملندا جيتز» أكبر مؤسسة خيرية في العالم، وتتعامل بشفافية بحتة؛ حيث كان قد تم تأسيسها عام 2000 بـ106 ملايين دولار، ووصلت في 2006 إلى 33 مليار دولار، ثم تضاعفت بوقف وارن بوفت.

ومن الأهداف التي حاولت الأوقاف الأميركية في التعليم تحقيقها: التوسع في فرص التعليم، والقدرة على التوصل للمعلومات، بالإضافة إلى تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر الشنيع.

أما وقف جامعة هارفارد فقد تأسس في سبتمبر (أيلول) 1636، ثم سميت كلية هارفارد في 13 مارس (آذار) 1639، ثم أصبحت جامعة هارفارد في 1780؛ حيث سميت باسم جون هارفارد، وهو قس مهاجر من إنجلترا، لم يكن له وريث، أوقف كل ثروته ومكتبته التي تشمل 400 مجلد لكلية هارفارد الجديدة، وفي عام 1870 تحولت إلى جامعة خاصة تعتمد على الأوقاف الخاصة؛ حيث تولت إدارة الأوقاف في 1974 إلى شركة إدارة هارفارد، تحت إدارة محمد العريان، ووصلت أصول الأوقاف إلى 34.9 مليار دولار، مكونة من 11 ألف وقف.

يُشار إلى أن العائد من الأوقاف يغطي ثلث نفقات تشغيل الجامعة، أي أكثر من 1.1 مليار دولار؛ حيث يتم توزيع العائد من الأوقاف على مساعدة مالية للطلاب، ودفع رواتب أعضاء هيئة التدريس، وصيانة المرافق.

والأوجه المحددة للأوقاف المكرسة: الوقف على المنح الدراسية، والوقف على المراكز التعليمية، والوقف على القنوات الفضائية التعليمية، والوقف على المواقع الإلكترونية التعليمية، بالإضافة إلى الوقف على دور النشر.

أما على صعيد التجارب الوقفية المحلية، فهناك الصندوق الخيري التعليمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالسعودية؛ حيث يتميز الصندوق بوجود الموارد المالية التي تساعد على تعليم طلاب المنح وتأهيلهم ليسهموا بالنهوض بمجتمعاتهم وتحقيق أهدافها التنموية، بالإضافة إلى توفير فرص التعليم لطلاب المنح غير السعوديين، بما يحقق تأهيلهم للقيام بدورهم التنموي، من خلال تسهيل التحاقهم بالجامعة وتقديم المساعدات المالية لهم.

وتتمثل المهام الرئيسية للصندوق في توفير الموارد المالية للصندوق، وذلك من خلال إقامة القنوات التي تعمل على جذب الموارد المالية، والتعريف بالصندوق وبأهميته ودوره التنموي، وبناء تنظيم إداري ومحاسبي متكامل واستقطاب الكفاءات المناسبة، وتحديد البرامج التعليمية وتمكين طلاب المنح من الالتحاق بها وتقديم العون والمساعدة لهم، مع تنظيم عمليات الصرف للصندوق وفق اللوائح المنظمة.

كما يعتبر وقف جامعة الملك سعود التعليمي من أكبر الأوقاف في المنطقة، في الوقت الذي تم فيه إنشاء الوقف العلمي لدعم أبحاث جامعة الملك عبد العزيز، بهدف جمع مليار ريال (3.75 مليار دولار)، في السنوات العشر المقبلة واستثمارها والصرف من عوائدها على الأبحاث والدراسات العلمية.

وأهم فوائد الوقف في العملية التعليمية: تخفيف العبء عن الميزانية الخاصة بالجامعة، خفض نسبة أعضاء هيئة التدريس إلى تعداد الطلاب، استقطاب متخصصين وخبراء للكراسي متميزين أكاديميا، استقطاب طلبة ممتازين، بالإضافة إلى تطوير المعامل والمكتبات.