خبراء مصرفيون يربطون نجاح فكرة البنك الإسلامي الكبير بإزالة المعوقات الماثلة

بعد توقيع مذكرة تفاهم لإنشائه برأس مال مليار دولار

TT

ربط خبراء مصرفيون نجاح فكرة إنشاء بنك إسلامي كبير، بين دولة قطر والبنك الإسلامي للتنمية ومجموعة «دلة البركة»، بضرورة توفير عدد من العناصر الكفيلة بإرساء البنك الجديد إلى بر الأمان الاقتصادي الإسلامي عالميا، حيث حدد رأس ماله بمليار دولار، بينما بلغت جملة الاكتتاب للمؤسسين الثلاثة حتى 500 مليون دولار.

وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفكرة قديمة ولكنها جيدة ومطلوبة، غير أن إنجاحها يتطلب توفر شروط محددة، منها أن يتم تأسيس البنك على أسس تجارية بحتة، مشفوعة بدراسات جدوى اقتصادية».

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، توقع الخبير المصرفي الدكتور مستعين عبد الحميد، أن يحقق البنك الجديد مستقبلا مشرقا للمصرفية الإسلامية وصناعتها والتمويل الإسلامي، مستندا في رأيه على أن هناك اتجاها عالميا نحو الاستعانة بالمصرفية الإسلامية، مشيرا إلى أن هذا التوجه يوجد حاليا في فرنسا وبريطانيا وسنغافورة وألمانيا وبعض البلاد الأوروبية والأميركية والآسيوية الأخرى.

وعلى مستوى البلاد العربية، فإن أبرز من دخل منها حظيرة المصرفية الإسلامية لأول مرة، هما سلطنة عمان التي أعلنت مؤخرا عن إنشاء مصرفين إسلاميين هذا العام، بالإضافة إلى ليبيا التي أعلن فيها مصطفى عبد الجليل عزم بلاده إدخال المؤسسات المالية الإسلامية في خط التنمية الاقتصادية، والاهتمام بصناعة المصرفية الإسلامية، بكل عناصرها ومقوماتها.

وربط عبد الحميد نجاح البنك الكبير بضرورة قيامه على أسس تجارية، لا تقل عن توجهات البنوك القائمة، وفي مقدمتها البنك الإسلامي للتنمية، وذلك للعمل على التعاون ومساعدة الدول الأقل تنمية والفقيرة منها، متوقعا أن تقوم الدول التي تتمتع بفوائض مالية كبيرة، بالمبادرة برفد هذا الاتجاه بهذه الخدمات، كما ربطها بأهمية إطلاق المبادرات الفردية، مع تصورات الربح والخسارة، مع الفائدة الاقتصادية العامة.

وقال عبد الحميد: «من أهم مقومات نجاح هذا البنك، مساهمته في حل مشكلة إدارة السيولة على أدوات شرعية أصيلة مبتكرة قائمة على الجدوى الاقتصادية، مع أصالة شرعية لخدمة غرض اقتصادي لهذه البنوك، بحيث تكون مشروعة في الوقت نفسه».

ولكن يعتقد أن سيطرة التورق المنظم على الساحة الآن، يقلل فرصة هذا النجاح، مبينا أن هناك نشاطا كبيرا يقوم على البيع عن طريق البضائع وهو المصافقة في البورصات، بمعنى أن يشتري البنك من موردين في البورصات بضاعة نقدا، ثم بيعها بالآجل لطرف ثالث، والأخير يبيعها نقدا، بسبب حاجته للسيولة، وفي ذمته المبلغ الآجل.

وأوضح عبد الحميد أن هذا التوجه شائع في أكثر من 90 في المائة من عامة البنوك في البورصات، في الوقت الذي قامت فيه المجامع الفقهية بتحريمه، باعتباره قرضا بفائدة مغطى بأوراق، مشيرة إلى خطورة هذا السلوك في ظل تسيده الساحة حاليا.

كذلك من مقومات نجاح البنك الكبير، وفق عبد الحميد، القدرة على التوفيق في اختيار العناصر القيادية ذات الكفاءة، مع ضرورة تشجيع التجارة البينية بين الدول العربية والإسلامية.

وأوضح أن التجارة البينية بين البلاد العربية والإسلامية ضعيفة جدا، في الوقت الذي تتجه فيه هذه البلاد إلى دول غربية تحاول أن تزيد من معدل تعاونها معها، محذرا من مغبة الاقتراب من الصكوك الاسمية، لأنها شكلية، ناهيتها الوقوع في هلاك وتلف الأسواق المالية.

وفي ما يتعلق بأهمية توفير حلول مبتكرة لإدارة السيولة، من خلال توليد أصول قابلة للتوريق، فإنه يعتقد أن هناك ما يعوق هذا التوجه، مثل المرابحة العكسية والتورق المنظم، مشددا على ضرورة طرح مشاريع مالية قابلة للتداول، ومنها مشاريع مطارات وموانئ وأبراج، موضحا أنها أصول حقيقية قبالة التوريق، وليس تنبع عن دين في الذمة مضمون عن طريق السندات غير الشرعية.

وعاد بنا الخبير المصرفي عبد الحميد، إلى حديث سابق حول اتجاه بعض قيادة العمل المصرفي الإسلامي إلى تأسيس بنك ضخم «ميقا بنك»، لا يقل رأس ماله عن 100 مليار دولار، يتلقى دعمه من عدد من بنوك ومؤسسات وشركات القطاع الخاص التي تنشط في المجالات المالية والتجارية الإسلامية.

وفي المقابل، لا يعتقد أن توجه المجموعة الأخير يسبب إجهاضا لفكرة الـ«ميقا بنك»، وإنما في رأيه يمكن أن تعتبر أولى لبنات تحقيق هذا الحلم المشروع، مبينا أن البنك الإسلامي للتنمية، يلعب دور المنسق ورأس حربة لدى البنوك الإسلامية والغرفة الإسلامية، مما يعني أنه بإمكانه إكمال المسعى الأخير لتحقيق الحلم القديم.

وقال: «كانت هناك فكرة قديمة قامت تحت مسمى الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، ويشمل البنوك الإسلامية، غير أن الفكرة للأسف ماتت، وقام على أنقاضها المجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية، قام بأمره البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسات (دلة البركة) وبنوك الخليج وبيت التمويل الكويتي، حيث كان قد تولى صالح كامل رئاسة ورعاية المجلس».

واتفق المستشار الاقتصادي محمد الحمادي، مع عبد الحميد في كل ما ذهب إليه من حديث في هذا المنحى، موضحا أن هذه الفكرة جاءت متزنة وسديدة ومناسبة مع واقع ومستقبل صناعة المصرفية الإسلامية، وحاجة العالم لها في ظل الأزمة المالية العالمية، مبينا أن هذا البنك الجديد يعول عليه الكثير في تعضيد صناعة الاقتصاد الإسلامي بشكل عام والمصرفية الإسلامية بشكل خاص، مما من شأنه تحويل المنطقة إلى مركز عالمي لصناعة المصرفية الإسلامية، بشكل عملي.

وأضاف أنه من شأن هذا البنك الجديد أن يمارس نوعا من الحضور الفعلي للصناعة الإسلامية والتجارة الإسلامية في الساحة الدولية، وبالتالي فرض سيطرته عالميا، بعد انتزاع الاعتراف بهذه الصناعة الوليدة. غير أن الحمادي، شدد على ضرورة العمل على استثمار هذا البنك في الاتجاه الصحيح، وذلك من خلال التأكد من إسلامية الأدوات المالية التي تطبق، وذلك من أجل أن يشجع بشكل أكثر، على تطوير وانتشار المصرفية الإسلامية في أقصى أنحاء العالم المختلفة.

وأكد أن مقومات نجاح فكرة البنك الجديد، تعتمد في الأساس على كيفية تجاوز جميع التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية، والتي تكمن في كيفية تقديم النموذج الإسلامي، بالإضافة إلى صناعة قدر كبير من الفهم بالمصرفية الإسلامية، لما يتماشى مع مقاصد الشريعة ومآلاتها وليس فقط ميكانيكية الشريعة.

ودعا الحمادي، أعضاء الهيئات المنوط بها إصدار الفتاوى إلى أن يساهموا في تطوير هذه الفكرة من خلال ابتداع آلية ميكانيكية، تحول الخلافات إلى نقاط التقاء، تخرج عن منتجات إسلامية ذات كفاءة خالية من الملاحظات والشوائب.

وقال: «للأسف الشديد الرقابة الشرعية تكاد تكون مفقودة، حيث تم الاقتصار على هيئات الفتاوى، بينما نحن نحتاج إلى فتاوى بجانب رقابة دائمة داخل كل بنك، إذ إن هذا الجانب لم يتم الاهتمام به».

ويعتقد ضرورة أن يكون هناك مدقق داخلي شرعي في كل بنك، ولا بد من إيجاد شركات مراجعة خارجية شرعية، مثل شركات المراجعة المحاسبية، داعيا مجلس الخدمات المالية الإسلامية إلى تشجيع هذا المسار ووضع معايير وإجراءات تخدم هذا التوجه.

وكان قد قال صالح كامل رئيس الغرفة التجارية الإسلامية، في حوار سابق لـ«الشرق الأوسط»: «إن البنك الكبير أحد مشاريع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وكنا قد طرحناه منذ عدة سنوات».

وأضاف: «هدفنا إنشاء بنك استثماري ضخم تصل موارده إلى أكثر من 200 مليار دولار، وهذا في ظني ليس بكثير، ذلك أننا سمعنا أن في البنوك الإسلامية نحو 650 مليار دولار، مما يعني أننا إذا اقتطعنا 200 مليار دولار لتذهب إلى البنك الجديد وآلياته من صكوك وصناديق استثمارية وأسهم عادية وأسهم إدارة، فستذهب إلى التنمية، وهذا معناه إيجاد ملايين فرص العمل للعاطلين عن العمل في دول منظمة التعاون الإسلامي، ومعناه أيضا الاتجاه صوب الاقتصاد الإسلامي الحقيقي للمشاركة والمضاربة، وبالتالي الخروج عن إطار الأدوات التمويلية التي هي فقط من أساليب المداينة ولكن آلياتها حلال، أما مقاصدها ومآلاتها فلا تتوافق مع الشريعة الإسلامية».

يشار إلى أنه تم بالعاصمة السودانية الخرطوم، مؤخرا، التوقيع على مذكرة تفاهم ثلاثية لإنشاء بنك إسلامي كبير، بين دولة قطر والبنك الإسلامي للتنمية ومجموعة «دلة البركة» برأس مال مليار دولار، حيث بلغت جملة الاكتتاب للمؤسسين الثلاثة حتى 500 مليون دولار. وأوضح الدكتور أحمد محمد علي رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية والراعي الرسمي للبنك الإسلامي الكبير، أن أهداف هذه المؤسسة الناشئة، هي تسهيل إنشاء سوق مالية بين البنوك الإسلامية، وتوفير حلول مبتكرة لإدارة السيولة، من خلال توليد أصول قابلة للتوريق، وإنشاء سوق للأوراق المالية الإسلامية القابلة للتداول.

ويستهدف البنك الجديد، إنشاء وتمويل مشاريع البنية التحتية، بجانب توفير برنامج موثوق للتوحيد القياسي للمنتجات المتوافقة مع قواعد الشريعة الإسلامية.

إلى ذلك، يأتي البنك الإسلامي الكبير، بمبادرة من البنك الإسلامي للتنمية، في إطار جهوده لمعالجة ندرة كبار الممولين، وغياب الأدوات الإسلامية القابلة للتداول، وغياب سوق للسيولة المالية بين البنوك الإسلامية، ويتوقع أن يعود البنك على المساهمين والعملاء بعوائد جذابة على الأسهم والمنتجات.

وأوضح الدكتور عبد العزيز الهنائي، نائب رئيس البنك الإسلامي للتنمية، أن البنك الجديد يستجيب للحاجة إلى ضرورة إيجاد مؤسسة مالية قادرة على قيادة عمليات تطوير وتنمية إدارة السيولة، وفقا للشريعة الإسلامية، وتوفير تمويل قوي ومستقر في الأسواق، وتوليد أصول عالية الجودة وذات كفاءة.

وأضاف أن مقر البنك سيكون في الدوحة بقطر، على أن تكون له فروع إقليمية في مناطق ودول أخرى، منوها بجهود دولة قطر واهتمامها بتطوير الصيرفة الإسلامية، مما من شأنه المساهمة في زيادة فرص نجاح البنك مستقبلا.

وكانت قد شهدت الخرطوم في الثالث من أبريل (نيسان) الجاري أعمال الاجتماع السنوي السابع والثلاثين لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية، بمشاركة وزراء المالية، والاقتصاد، والتخطيط في الدول الأعضاء بالبنك وعددها 56 دولة.

كما عقد بالتزامن مع الاجتماع السنوي لمجلس المحافظين هذا العام، العديد من الاجتماعات والندوات المهمة، التي كان من ضمنها عقد الندوة السنوية الثالثة والعشرين للبنك بعنوان «تعزيز التنمية الشاملة في الدول الأعضاء بالبنك الإسلامي للتنمية»، وندوة بعنوان «الشباب والتنمية.. التحديات والفرص»، وندوات أخرى عن الأمن الغذائي وطرق ونوافذ التمويل التي تقدمها مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، إلى جانب عقد ندوة عن آفاق الاستثمار في السودان.