خبير مالي تونسي: عدم كفاءة النظام القانوني لدينا أضاع فرص استثمار رأس المال المبادر

د. سليم المسدي يقيم التجربة التونسية في ترويض رأس المال المخاطر

الخبير المالي التونسي د. سليم بن عبد السلام المسدي أستاذ التمويل والاستثمار («الشرق الأوسط»)
TT

يعلق التونسيون آمالا عراضا على المناخ الاقتصادي، الذي يوفره الربيع العربي حاليا، وذلك لمعالجة الإشكالات التي كانت تواجه النمو الاقتصادي والمصرفي، والتي يبرز في مقدمتها التقييد الذي سببه عدم كفاية وكفاءة الإطار القانوني والتنظيمي، لرأس المال المبادر، من خلال تطوير هذه القوانين والأنظمة، التي كانت قائمة في الماضي القريب، وإعادة صياغتها وفق الشريعة الإسلامية، بما يتلاءم والمتغيرات في الساحة الآن، ويواكب تطلعات الشعب التونسي، الذي ما زال يتنفس أنسام الربيع العربي.

وأوضح الخبير المالي التونسي، الدكتور سليم بن عبد السلام المسدي، أستاذ التمويل والاستثمار في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن هناك الكثير من التحديات التي ما زالت تنتظر قطاع رأس المال الجريء، وخاصة تلك المتعلقة بالمزيد من مساهمات رأس المال الملائكي، ودور التمويل المصرفي في دفع التنمية ووضع آليات تساعد على سيولة رأس المال الجريء، بالإضافة إلى المزيد من العمل على الابتكار واكتساب المعارف في قطاعات التكنولوجيا.

وأضاف المسدي أن رأس المال المبادر في تونس، شهد الكثير من التعثرات، التي عزاها لعدم كفاية وكفاءة الإطار القانوني والتنظيمي، في الوقت الذي كانت تعتبر فيه من أوائل الدول العربية، التي سارعت منذ التسعينات إلى بعث صناديق استثمارية ذات العلاقة برأس المال الجريء، بخلاف أميركا التي التفتت إليه مؤخرا.

ولذلك، والحديث للمسدي، فإن رجال الأعمال في تونس، اضطروا لتمويل المشاريع الخاصة بهم، بتقديم جزء من رأس المال والاقتراض على المدى المتوسط بشروط غير ملائمة، بالإضافة إلى عدم وجود تحليل دقيق للقطاع الصناعي، ما جعل البنوك تتجنب تمويل المشاريع الجديدة، لاعتبار أنها ذات مخاطرة عالية، الأمر الذي خلق نوعا من الفراغ الاقتصادي والمالي.

وأوضح أن الفجوة الاقتصادية تتمثل في الاقتصار على تمويل المشاريع التقليدية والعقارات والمواد الغذائية، من دون السعي لإنشاء اقتصاد متوازن يشمل الكثير من القطاعات.

وأوضح أن فجوة التمويل تتمثل في إلزام المؤسسين الجدد، بتمويل ذاتي بنسبة لا تقل عن 30 في المائة، وتقديم الضمانات اللازمة للحصول على قرض بنكي لإكمال تمويل المشاريع، بما في ذلك أغلبية المشاريع المبتكرة، مشيرا إلى أن هذه الشروط كانت صعبة، خاصة على فئة خريجي الجامعات الجدد.

ويعتقد المسدي أن الرهان على كيفية إنشاء جملة من الآليات التي تساعد على تسهيل إنشاء الشركات، وخاصة المبتكرة منها، والتي تكون على علم، في الوقت نفسه، بوجود مخاطرة عالية، وعائد مرتفع كذلك، مشيرا إلى أن هذه الآليات تهم بالطبع الكثير من الجوانب، خاصة رأس المال والقروض والضمانات.

وأشار الخبير المالي التونسي إلى أنه في عام 1981 تم إنشاء الصندوق الوطني للنهوض بالصناعات التقليدية والمهن الصغرى من طرف الحكومة، وذلك لتحقيق أهداف التنمية، وتشجيع الشركات الصغرى والمتوسطة بالحصول على جزء من الأموال لدعم التمويل الذاتي، بأسعار ميسرة يتم تسديدها على المدى الطويل.

وأوضح أنه أمام الاحتياجات المتزايدة لتلبية النمو الاقتصادي، تم في عام 1988 سن أول قانون يتعلق بإحداث شركات استثمار ذات رأسمال ثابت ورأسمال متغير، ومن ثم إدراجه في السوق المالية التونسية، وذلك بهدف المساهمة في رأسمال الشركات.

واعتبر أن هذا القانون هو الذي أسس لوجود فعلي لشركات استثمار رأس المال الجريء، مبينا أن ذلك برز في 1995 على أثر التعديلات التي وقعت على قانون 1988.

ووفق المسدي، فإن هذا القانون يوضح كيفية المشاركة في المؤسسات الصغرى والمتوسطة ولفترة طويلة الأجل، غير أنها محددة بسقف، وذلك بهدف المساهمة في دعم رأسمال الشركات بالمناطق، وخاصة في ميادين التكنولوجيا والابتكار.

ويعتقد أن الكثير من الامتيازات الضريبية كانت مصاحبة لهذا القانون، وخاصة الإعفاء من دفع ضريبة على أرباح 50 في المائة من رأس المال المستثمر، مشيرا إلى أنه في عام 1998 أعلنت الحكومة التونسية إنشاء صندوق جديد، وهو يعنى بنظام تشجيع الابتكار في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكي تكون تونس في تناغم مع الاتجاهات الدولية في مجال التكنولوجيا.

وأما فيما يتعلق بآليات القروض، فإنه وفق المسدي، تم إنشاء البنك التونسي للتضامن في عام 1997، حيث كان الهدف منه إقراض أصحاب المشاريع الصغرى، بمعدل فائدة تفاضلي ومن دون ضمانات، فيما تم في عام 2005 إنشاء بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وذلك بهدف توفير كفاءات عالية في الكثير من المجالات الصناعية والتكنولوجية، لتسهيل وتقديم المساعدة الفنية للمؤسسين الجدد، للقيام بدراسة جدوى للمشروع، كما أنها تساهم في عملية الإقراض ولكن بسقف محدد.

ولضمان القروض تم إنشاء الصندوق الوطني للضمان في عام 1999، والشركة التونسية للضمان في عام 2003، لحل مشكلة الضمانات، التي يطالب بها قطاع التمويل المصرفي عند الإقراض، حيث تتولى كل من الشركتين ضمان القروض التي يتحصل عليها الباعثون الجدد، وذلك مقابل دفع نسبة لا تتجاوز الـ3 في المائة من مبلغ القروض.

وبلغ عدد شركات رأس المال الجريء في تونس، 40 شركة حتى عام 2010، تتوزع بين البنوك ومؤسسات مالية أخرى، ومجموعات صناعية، وصناديق المناطق، وصناديق توظيف رأس المال الجريء، حيث قامت بتمويل أكثر من 2750 مشروعا منذ نشأتها، 36 في المائة منها عبارة عن مشاريع جديدة.

وتصدر القطاع المالي بنسبة 56 في المائة، يليه صناديق المناطق بنسبة 31 في المائة، وبنسبة 7 في المائة صناديق توظيف رأس المال الجريء، وبنسبة 6 في المائة لصناديق المجموعات.

كما بلغ متوسط المساهمة 310 آلاف دولار لكل مشروع، ومتوسط تكلفة الاستثمار 2.13 مليون دولار لكل مشروع، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد العمالة 37 لكل مشروع منها.

ودعا المسدي الجهات المسؤولة في تونس إلى ضرورة زرع روح المشاركة الفاعلة للقطاعات المهتمة بهذا المجال، وذلك لتنشيط المبادرة الخاصة بدفع رأس المال الجريء، نحو المزيد من مساهماته، وتفعيل دوره في التمويل المصرفي بالشكل الذي يجعله إيجابيا في دفع التنمية، مع ضرورة وضع قوانين وأنظمة ترعاه وتنميه.

وأوضح أن الربيع العربي وفر فرصة ترسيخ ثقافة التعاطي مع رأس المال الجريء في تونس، وذلك لتطويره وتفعيله في صناعة الاقتصاد التونسي، وذلك من خلال النظر في إصدار نظام خاص باستثمارات رأس المال الجريء ودعم الشركات والأعمال الصغيرة في البلاد.

وأكد أن الربيع العربي، بالضرورة، يخلق فرصا لاستكشاف مجالات جديدة في العمل والتمويل والاستثمار، ما يعني ضرورة خلق قطاع خاص نشط وفعال ومبتكر، مع تهيئة بيئة استثمارية مناسبة، بالإضافة إلى ضرورة إشاعة ثقافة العمل وفق نظام تعليمي وتكويني مساند لتطوير هذا المجال والاتجاه به نحو تعضيد الاقتصاد التونسي.

وشدد على ضرورة توفير الدعم الحكومي، فضلا عن إعادة صياغة نظام الشركات، الذي يحتاج لتطوير أدواته لجذب المستثمرين، مع ضرورة العمل على تقنين أساليب التعاطي معها، وتأسيس هيئة حكومية لتنظيمه وفق نظام يتمتع بآليات عمل فعالة، تساعد على حفظ حقوق الأطراف ذات العلاقة.

كما دعا الصناديق الحكومية والشركات الكبرى للعمل على تشجيع تمويل صناديق رأس المال الجريء والاستثمار فيها، وكذلك تشجيع إنشاء الشركات المتخصصة في إدارة صناديقه، وتحفيز إنشاء حاضنات أعمال تجارية متخصصة تتبع القطاع الخاص، مع ضرورة إعادة النظر في المعايير المحاسبية وتعديلها بما يتلاءم ويشجع استثمارات رأس المال الجريء.

وأشار المسدي إلى دور رأس المال الجريء في الاستثمار وتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية، مقدما مقارنة بينه وبين نموذج التمويل البنكي، وقدرة كل منهما على استحداث وتطوير وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تأكيد أهمية رأس المال الجريء لرواد الأعمال.

يأتي ذلك في الوقت الذي وصل فيه حجم معدل رأس المال الجريء في العالم إلى 115 مليار دولار سنويا، بينما يساوي فيه مجمل حصة الدول العربية كافة 2 في المائة منه فقط، أي نحو 3.2 مليار دولار من مجموع التمويل العالمي، ما يعني أن تونس التي تعيش مخاضا جديدا في تاريخها، ضعيفة في هذا الجانب.