خبير دولي: «الأوقاف» بئر من تريليونات الدولارات تنتظر من يجيد التنقيب

ساندويك: عدم الاحترافية وغياب المهنية أبرز تحديات الاستثمار في الأوقاف

الخبير جون ساندويك خبير إدارة الثروات الإسلامية في سويسرا («الشرق الأوسط»)
TT

يعتقد خبير دولي متخصص في مجال إدارة الثروات الإسلامية، أن الاستثمار في مجال الأوقاف لم يجد حظه كغيره من مجالات الاستثمارات الأخرى، في الوقت الذي يتشابه فيه معها في أسباب نجاحها وأسباب فشلها أو كسادها، داعيا إلى ضرورة تقييم مجال الأوقاف كحقل للاستثمار، من خلال الوقوف على واقعه وتشخيصه بدقة.

وقدر الخبير جون ساندويك، خبير إدارة الثروات الإسلامية في سويسرا، مجموع معدل أموال الوقف والتكافل والاستثمارات العائلية في القطاع الخاص في الخليج بأكثر من تريليون دولار، 90 في المائة منها سعودية، أما فيما يتعلق بالقطاع العامل في الأوقاف، فهناك ما يفوق الخمس تريليونات دولار، منها أكثر من تريليوني دولار سعودية.

والسؤال الذي يطرح نفسه.. من باستطاعته أن يدير كل هذه الأموال بشكل محترف؟ ذلك أن مجال الوقف يحتاج إلى إدارة محترفة، تعرف كيف تختار مجالات الاستثمارات الناجحة.

ولفت ساندويك، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الأوقاف كمجال للاستثمار، يعاني من التراجع في البلاد الإسلامية بشكل عام، في الوقت الذي يتم فيه الاهتمام به في البلاد الغربية، الأمر الذي جعله متقدما بها أكثر مما هو عليه الحال في البلاد الإسلامية، الأمر الذي يفسر نجاح الاستثمار في هذا الحقل في الغرب، مشيرا إلى أن الغرب أخذ يستثمر المليارات من الدولارات في ميادين مختلفة من الأوقاف.

وأوضح أن الوقف في الغرب يعيش حالة من التطور والنمو المستمر، الأمر الذي انعكس إيجابا على مساهمته بشكل كبير في دفع الحياة العملية والاقتصادية والبحثية نحو التقدم، حيث تشير بعض الدراسات التي صدرت في هذا الشأن إلى أن حجم الوقف العالمي تجاوز 105 مليارات دولار، في الوقت الذي ينكشف فيه ضعف الوقف في الدول الإسلامية مقارنة بما هو عليه في البلاد الغربية.

وقال ساندويك: «للأسف لم يتم تطوير مفهوم الأوقاف والانطلاق به بالشكل الذي يتناسب مع التجربة الإسلامية الأولى، ويجعل منه حقلا جاذبا للاستثمار، في الوقت الذي يؤكد فيه التاريخ أن الأوائل من المسلمين اهتموا بالأوقاف، حيث كان للأوقاف دور كبير عبر التاريخ في البناء الحضاري والتنموي، وتلبية حاجات المجتمع المتنوعة، ودعم البرامج النافعة لعموم الناس».

وعزا هذا التراجع في مجال الأوقاف في البلاد الإسلامية، لعدة أسباب، أبرزها عدم الاحترافية والمهنية، اللتان تعتبران أهم التحديات التي تقف حجر عثرة أمام تطوره كقطاع مهم في حياة الناس.

فضلا عن ذلك، فندرة الأبحاث المتعمقة في إدارة الأوقاف، أضاعت عليها فرصة الشيوع في كل المجالات التي كان بالإمكان توظيفها لجني مئات التريليونات من الدولارات، وفق بعض الدراسات التي قام بها عدد من الخبراء والمهتمين بهذا المجال من المسلمين ومن غير المسلمين.

ولذلك فإن قطاع الأوقاف، وفق ساندويك، أكثر القطاعات المهملة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، وذلك لأن هذا المجال يحتاج إلى نوع من التطوير في مجال البنوك الإسلامية بشكل ينافس الوضع الذي عليه في البلاد الغربية التي قطعت شوطا كبيرا في مجال الأوقاف.

ويعتقد أن الأوقاف الإسلامية على سعة مجالها وكبر حجم ثرواتها، تعاني من سوء إدارة بخلاف ما عليه الحال في أوروبا وأميركا، مبينا أن الأوقاف في جامعة هارفارد قطعت شوطا كبيرا وملحوظا في ريادة التطوير والتوسع خلال ثلاثمائة عام إلى أن وصلت إلى ما يساوي 3 مليارات دولار حاليا، في حين أن الشبيه المماثل في السعودية للأوقاف في أميركا نظام الأوقاف في الجامعات، خاصة تلك التي تعود لبل قيتس، حيث يعتبر الرجل الأغنى في العالم، حيث وهب كل أمواله للأوقاف في أميركا، تماما كما فعل الشيخ صالح الراجحي في السعودية، مشيرا إلى أن مفهوم الأوقاف في الغرب عموما أكثر شمولية مما هو متعارف عليه في البلاد الإسلامية.

ويعتقد أن الوقف في أميركا وفي أوروبا وفي عموم الغرب، هو هو في العالم الإسلامي، من حيث الفكرة وطريقة الاستثمار، غير أن توزيع أرباحها في البلاد الإسلامية تقتصر على الذين يحتاجونها، سواء للأطفال أو المساجد أو لطباعة القرآن الكريم في الجامعات أو في الأبحاث أو العلاج، وما إلى ذلك من الأعمال الشبيهة.

ولفت ساندويك إلى أن الأوقاف في السعودية تقوم على العقار 100 في المائة بعكس الحال في الغرب، مبينا في الوقت نفسه أن الوقف في جامعة هارفارد ليس كله عقارا بنسبة 100 في المائة، حيث إنه تقوم على أمرها كوادر بشرية على درجة كبيرة من الاحترافية والمهنية.

وهذا برأيه، يعني ضرورة أن تدخل أموال الأوقاف في الدول الإسلامية في استثمارات كبيرة تتوافق مع الشريعة الإسلامية، مع ملاحظة أن هناك استثمارات عائلية كبيرة تنتشر في عدد من البلدان الخليجية والعربية، حققت قدرا كبيرا من النجاح، حيث إنها تمكنت من بناء ثروات كبيرة، كما هو الحال في البرازيل وفي كاليفورنيا، وكذلك في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، إذ إنها أودعت أموالا كثيرة لدبي ولعقارات دبي، غير أن الكثير من هذه الاستثمارات انهار لغياب احترافية الإدارة ذات الكفاءة وندرة الكوادر البشرية ذات الخبرة الكافية في هذا المجال.

وقدر ساندويك مجموع أموال الوقف والاستثمارات العائلية في القطاع الخاص في الخليج بأكثر من تريليون دولار، 90 في المائة منها سعودية، مبينا أن هناك ما يفوق 5 تريليونات دولار تتحرك في مجال الأوقاف، منها أكثر من تريليوني دولار سعودية، ما يعني بالضرورة العمل على إدارة هذه الأموال بشكل محترف يتفق والشريعة الإسلامية، ولها قدرة على اختيار البيئات الاستثمارية الناجحة.

وأوضح أن هناك دراسات تؤكد أن هناك ثروات مالية ضخمة جدا في المنطقة العربية الخليجية تتجاوز 3 تريليونات من الدولارات، إلا أن هذه الثروات الكبيرة تفتقر إلى حسن الإدارة المحترفة وصاحبة الخبرة العريقة في شؤون الإدارة المالية بهذا الحجم، في ظل الكثير من التحديات التي تواجهها، مع أن كل المؤشرات تؤكد أن المصرفة الإسلامة أخذت تجد مساحة واسعة من الاهتمام.

وأول هذه التحديات، وفق ساندويك، الحاجة الماسة إلى إعادة بناء واستكمال حققي لهياكل الوقف، وبخاصة في دول الخلج العربة التي بالتأكيد تحتاج إلى إدارة ناجحة، وتحتاج وضوحا في الهياكل والأسس والإجراءات الشرعة، وتطورا للأدوات المالة والمنتجات الإسلامة.

وهناك استثمارات عائلية في عدد من البلدان الخليجية والعربية الناجحة، حيث تمكنت من بناء ثروات كبيرة كما هو الحال في البرازيل وفي كاليفورنيا، وكذلك في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، حيث أودعت أموال كثيرة لدبي ولعقارات دبي، غير أن الكثير من هذه الاستثمارات انهار لغياب احترافية الإدارة ذات الكفاءة.